مدمنو إنترنت ضاعوا في السوشيال ميديا وتحولوا إلى منتقمين

رغم قلتها فإن الروايات العربية التي كتبت عما تلحقه وسائل التواصل الحديثة، وشبكة الإنترنت من أضرار نفسية وسلوكية على أعداد كبيرة من الشباب في مجتمعاتنا، في تزايد اليوم، لمعالجة هذه الظاهرة المهمة والتي باتت تهيمن على مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية، وحتى على الواقع السياسي، إذ يمتد تأثيرها من العام إلى الخاص بشكل لافت.

تعالج رواية “ولو بعد حين” للكاتبة المصرية دعاء عبدالرحمن، ظاهرة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الأفراد. كما تعالج الرواية أيضا نتائج الإدمان على وسائط التواصل، وما خلفته من مشكلات اجتماعية ونفسية لأفراد مختلفين من فئات المجتمع المصري الفقيرة والمتوسطة والغنية. حيث تتطرق الرواية، التي صدرت مؤخرا عن دار”عصير الكتب” في مصر، إلى قضايا التحرش وأسبابه بمصر، ومآلات المتحرشين.

ضحايا التحرش

تبدأ الأحداث بـ”رمزي” الفتى المراهق، الذي يتابع من خلال كمبيوتر والده الكثير من المواقع الإباحيّة، في فترة نوم جميع أفراد العائلة، ولشدة اندماجه في ما يشاهده كل ليلة، يختلط لديه الواقع بما يراه، فيحاول التحرش بكل فتاة يشاهدها في الطريق أو قريبة منه.

وترِد في الرواية شخصيات أخرى أكثر نضجا وتعلما، لكنها واقعة تحت تأثير هذه المواقع أيضا، فأصابتها الكثير من التغييرات السلوكية، التي تركت آثارها على حياتها الاجتماعية في العمل والشارع، وحياتها الزوجية، ونقلت إليها كل ما شاهدته في العالم الافتراضي. مدمنو إنترنت وضائعون في زمن السوشيال ميديا، هي الخامة التي اشتغلت عليها الكاتبة المصرية في روايتها.

رواية تنتقم شخصياتها من بعضها
رواية تنتقم شخصياتها من بعضها

“محمود” مدرس علم النفس في إحدى الثانويات، متزوج، وهو أحد المدمنين على هذه المواقع، وكل ليلة يترك زوجته “فنار” تنام وحيدة، كسيرة النفس، لما يفعله في الغرفة الأخرى من سهر طويل، لمتابعة هذه المواقع في حاسوبه، مبررا ذلك لزوجته بأن عمله في المدرسة يتطلب منه هذا النوع من المتابعة، لتقديم النصائح لطلابه حولها. ولكن الساردة تروي عن تحرشه بالفتيات، والنساء بالمدرسة والشارع.

تحاول الزوجة المطعونة في كبريائها عدة محاولات لاستعادة زوجها من هذا الإدمان، خصوصا وأن لديهما طفلة، لكنها تفشل في كل مرة في إعادته إلى طبيعته السوية. وعندما يصيبها اليأس منه تقرر أن تترك شقتهما مصطحبة طفلتها، لتعيشا مع أبيها الأرمل في شقته، تاركة زوجها يمارس حياته، من دون أن تنغص عليه ويتسبب لها في الألم.

حادثة أخرى كان سببها الإنترنت حيث يعمد “شاهين وسيد” في الحي الذي تسكنه “الحاجة جليلة” الأرملة الصعيدية، إلى محاولة اغتصاب طفلها الوحيد، الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، لكنه يدافع عن نفسه، فيضطران إلى قتله لئلا يفضحهما.

ويستغل طبيب نسائي مشهور بالتحرش بمريضاته والممرضات، فترة تخديره للنساء في عيادته بعد أن يجري لهن عمليات إجهاض فيحاول الاعتداء عليهن. وتكشف أفعاله ممرضة تعمل في عيادته فقررت أن تفضح هذا الطبيب، وأن لا تصمت كغيرها، ممن حاول الاعتداء عليهن، ولم يفضحنه خوفا من التسبب في العار لهن ولعائلاتهن.

ويتولى ضابط الشرطة “عاصم” متابعة كل هذه القضايا الجنائية، المؤدية إلى ارتكاب جرائم أخرى سميت بـ”رد شرف” لكشف خيوطها، وملابساتها
لغرض معاقبة الجناة، وإحداها قتل هذا الطبيب المتحرش، والكتابة على ظهرة بسكين “رد شرف”.

الافتراء والانتقام

اعتمدت الكاتبة عبدالرحمن في سرودها على الفصول القصيرة، والتنقل بمهارة بين فصل وآخر إلى حدث جديد، وجعلت عناصر القص من حوار ووصف وسرد يقدمها “السارد العليم” بكل ما يجري من أحداث في الرواية. كما أنها جعلت حياة “حسن” ميكانيكي السيارات، وما عاشه من أحداث المحور الرئيسي لسردها.

فنتعرف منذ الصفحات الأولى للرواية على الفتى، الذي ظُلم لمرتين، مرة من أبيه “أنور” الجشع الذي لا يعترف بأبوته له لاعتقاده بأن زوجته خانته مع قريب لها كان خطيبها قبل أن تصير زوجته. وأنجبت له “حسن” وتسببت لعثمة الطفل، المشابهة للعثمة الخطيب السابق، بوصمه لزوجته بالخيانة. ويُظلم “حسن” للمرة الثانية بسبب المجتمع الذي لا يبالي لما يجري لأفراد مثل حسن، وكل واحد فيه، مهتم بحياته، وما يحدث له ولعائلته، دون أن يعبأ بالآخرين من حوله.

ويسجن حسن لجريمة لم يرتكبها، فقد ارتكبها مساعده “رمزي” الشاب المتأثر بالأفلام الإباحية، فقد كان ينوي اغتصاب “سلمى” طالبة الثانوية العرجاء في ورشة العمل، لكنه يخطأ فيصيبها بآلة من آلات الورشة، التي يعمل فيها كمساعد لحسن فيتسبب في موتها. ويفر رمزي من موقع جريمته لتلصق التهمة بحسن صاحب الورشة، وتتأكد التهمة على حسن بعد أن يدلي أبوه “أنور” بشهادة زور بحقه، مفادها أنه شاهد بعينيه ابنه “حسن” وهو يستدرج الفتاة إلى الكراج للاعتداء عليها.

في الرواية ترِد شخصيات مختلفة ما يجمعها أنها واقعة تحت تأثير مواقع الإنترنت، التي غيرت سلوكياتها

وتسرد الكاتبة كيف كان للصحافة دور إيجابي في الأحداث من خلال تحقيقات صحافية تكتبها “أروى” زوجة ضابط الشرطة “عاصم” لجريدتها لتضع أمام الرأي العام ما يحدث في المجتمع من جرائم. وتدين الشرطة لأنها لا تؤدي واجبها بشكل مهني لكشف الفاعلين الحقيقيين والقبض عليهم. وهذه التحقيقات الصحافية جعلت رؤساء زوجها في الشرطة يوبخونه، لأنه لا يستطيع كبح جماح زوجته لتتوقف عن كتابة تحقيقاتها، التي تستمدها من معلومات تأخذها من زوجها الضابط عن فشلهم في ملاحقة ما يحدث في المجتمع من جرائم. مما يجعل مسؤولي الشرطة معرضين إلى استياء مراجعهم العليا، وإلى حشد الرأي العام ضد الحكومة.

تنتهي سنوات السجن لحسن، ويُطلق سراحه، لكنه أعد للانتقام في السجن لكل من ظلمه، كرمزي وأبيه وأنور، كما أنه صار أداة للانتقام من “سيد وشاهين” مغتصبي طفل الحاجة جليلة، فقتلهما في السجن، وكتب على ظهريهما بالسكين “رد شرف” وبعد خروجه من السجن اختطف غفران. وطالب باستبدالها بأخيها “رمزي” الذي كان سببا في سجنه، لينتقم منه، ولكن رمزي يُقتل بيدي عاملة نسيج استدرجها واغتصبها. لتتواصل عملياته الانتقامية في جو سردي مشحون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: