كرسي الاعتراف لأخبارنا الجالية “تعبير مجازي “
البحث عن شيء آخر
القارئ: ما هذه المقالات الافتتاحية المتجهمة التي دأبت على كتابتها منذ أربع سنوات، إنها تلتهم القارئ قبل أن يلتهمها. جادة ورصينة إلى درجة تصيب بالدوار. أليس في جعبتك، بمناسبة هذا الملف البديع المكرس لأدب الاعتراف، أن تعترف أنت أيضاً بأهمية أن تظل تفاجئني كقارئ. أريد شيئاً مثيراً تفاجئني به أيها الكاتب؟
الكاتب: هل ترغب بمقالة رواقية عن شخصين يتنادمان عند حافة الكارثة؟
القارئ: لا أعرف حقاً.. أنا حائر، ولا أعرف ما أريد!
الكاتب: محاورة ساخرة، طريقة قديمة للهروب من الصرامة ومقتضياتها، ومن الرقابة وأوهامها، كتلك التي بدأها لوقيانوس السميساطي في العصر اليوناني لسورية في محاوراته المسماة “مسامرات الأموات” وواصلها أفلاطون في مغامرته الفلسفية، وتبناها أبو العلاء المعري في “رسالة الغفران”، وورثتها عن هؤلاء جميعاً في كتابي “رجل الزورق”؟
القارئ: لا أعرف.. كل ما أعرفه أنني قارئ ضجر من الألفية الثالثة، ولم يعد يرضيني شيء.
الكاتب: ساعدني في العثور على طريقة ترضيك.
القارئ: لا أرغب أن ترضيني، أريدك أن تفاجئني.
الكاتب: هل ثمة شيء في العالم يمكن أن يفاجئ قارئاً عربياً صرف نصف عمره في التقهقر إلى الخلف والنصف الآخر في تبرير ذلك!
القارئ: قل شيئاً جديداً. شيئاً يجعلني أرى نفسي أفضل مما هي عليه، وأرى العالم مشرقاً.
الكاتب: تريد معرفة جمعيات الجالية ؟
القارئ: مللت الجمعيات التي تبحث فقط عن ربح المال .
الكاتب: مؤسسات الجالية ؟
القارئ: لم تعد هناك مؤسسات للجالية .
الكاتب: سفارات المملكة ؟
القارئ: اضاعت حق الأعوان المحليين . أريد شيئاً آخر.
الكاتب: ما هو؟
القارئ: … شيئاً مثيراً. شيئاً لم يكن على خاطر مبدع ولا على بال مفكر.
الكاتب: سأعمر لك قصراً من الكلمات، وأرسم لك في داخله أميرة ساحرة، ما إن يقع نظرها عليك حتى تناديك: حبيبي.. لمَ تأخرت؟
القارئ: أنسيت أنني عربي من القرن الواحد والعشرين، حيث الحب فكرة قديمة، والعشاق أناس خرافيون! في زمن العولمة حدثني عن شيء آخر غير الحب. لا أريد قصراً من الكلمات تسكنه أميرة من الرمال.
الكاتب: سأعتبرك طفلاً مؤرَّقاً وأروي لك قصة للأطفال، جمعيات دينية و مساجد الجالية .
القارئ: أمي تعتبرني طفلاً، وأبي يعتبرني طفلاً، والدولة تعتبرني طفلاً، والجميع يريدني أن أنام. أريد شيئاً واقعياً وخرافياً، يتفوق على التكلم باسم الدين ، شيء ممكن الحدوث ومذهل. فأنا قارئ مؤرَّق.
الكاتب: ما رأيك في أن أتلو عليك قرارات مجلس الأمن وجمعية الأمم بصدد فلسطين وسوريا واليمن؟ هذه أعجب شيء يمكن تلاوته على قاريء يفتش عن شيء مذهل ولا سابق له.
القارئ: سمعتها في نشرات الاخبار وحفظتها عن ظهر قلب.
الكاتب: وماذا لو رويتُ لك المشاهدات العجيبة لسرقة المال العام باسم الجالية “؟
القارئ: رأيتُ وسمعتُ في حياتي ما هو أعجب.
الكاتب: وقتي ضيق وأنت شخص متطلب، ماذا تريد مني أيها القارئ؟
القارئ: ها أنت تشكو، وكأن القارئ ليس دائماً على حق.
الكاتب: عفوك، الكاتب المحبوب يعتبر قراءَه على حق حتى لو كانوا سفهاء، فكيف بقارئ ألمعي مثلك؟
القارئ: إذن، تصرف. اكتب لي شيئاً مزلزِلاً. شيئاً لم أقرأه قبلاً!
الكاتب: أقترح عليك ان تصبح كاتباً. فتكتب وتقرأ لنفسك.
القارئ: مستحيل! أنا قوة شرائية، والقوة الشرائية تشتري ولا تبيع! ثم إذا كنت أنا أيضاً سأصبح كاتباً فمن سوف يقرأ؟
الكاتب: ألم تسمع بموضة القراء الكتاب والقارئات الكاتبات؟
القارئ: هذا شيء جديد علي!
الكاتب: قراء فشلوا في القراءة فصاروا كتابا و صحافيين ، وقارئات فشلن في ردعهم فصرن كاتبات و صحافيات .
القارئ: لعمري إن هذا لشيء جديد. اكتبه لي وحدثني عنه.
الكاتب: عظيم. سأكتب لك عن القراء الذين صاروا كتاباً.
القارئ: وعليك أن تدهشني.
الكاتب: وعلي أن أدهشك.
القارئ: وإذا لم تدهشني؟
الكاتب: إذا لم أدهشك اكتب رسالة تشكوني إلى رئيس رؤساء التحرير، وهو سيتكفل بالباقي.
القارئ: ولكن لحظة، ما الجديد في الأمر! أليس من حق القارئ أن يصبح كاتبا؟