الحجاب يضع ألمانيا في مفترق الاختيار بين حرية التدين وحرية العمل
منعت مسؤولة بسلسلة محلات لأدوات التجميل في ألمانيا عاملة مسلمة تعمل لديها منذ سنوات عديدة من ارتداء الحجاب، مما دفع الأخيرة لرفع دعوى قضائية ملتمسة السماح لها بذلك. وفجرت هذه القضية جدل الحجاب في أماكن العمل مجددا، لكن هذه القضية الجديدة تكتسي أهمية باعتبار أنه للمرة الأولى تنظر محكمة عمل اتحادية في قضية حق العاملات المسلمات في ارتداء الحجاب في أماكن عملهن، مما يجعل القرار المنتظر ذا تأثير على الآلاف من المسلمات في هذا البلد.
أحالت محكمة العمل الاتحادية بألمانيا الأربعاء قضية حظر الحجاب في الشركات الألمانية من القطاع الخاص إلى محكمة العدل الأوروبية لتنظر في ما إذا كان حق حرية الاستثمار يقف فوق حق ممارسة المعتقد الديني.
نظرت أعلى محكمة عمل في ألمانيا الأربعاء للمرة الأولى منذ سنوات في ما إذا كان من حق صاحب العمل الخاص حظر الحجاب على العاملات المسلمات، وهو أمر يطرح قضية أعمق تتعلق بأحقية صاحب العمل في دفع العاملين لديه للتخلي عن أي رموز دينية أو سياسية أو رموز تمس توجههم في الحياة، خلال ممارستهم العمل.
وبتت المحكمة الألمانية الأربعاء في ما إذا كان من حق أصحاب العمل حظر الحجاب على العاملات المسلمات استنادا إلى فلسفة الشركة أو الحيادية، التي تقول سلسلة محلات مولر إنها تتبناها بعد أن رفعت إحدى العاملات لديها دعوى للسماح لها بارتداء الحجاب.
وخلال مناقشتهم لهذه القضية يجد قضاة محكمة العمل الاتحادية أنفسهم أمام حتمية الموازنة بين حقين أساسين، هما حرية التدين وحرية الاستثمار. وأمام هذا الأمر يتوقع الكثير من رجال القانون والمراقبين أن يكون لحكم المحكمة تأثير على الآلاف من العاملين، حيث أن الكثير من المسلمات في ألمانيا من العاملات.
ونظرت محكمة ألمانية الأربعاء في قضية رفعتها امرأة من أجل السماح لها بارتداء الحجاب في مكان العمل بعد أن منعتها سلسلة محلات أدوات التجميل التي تعمل عندها منذ سنوات من ذلك، ولم تكن هذه القضية الأولى من نوعها وكذلك جدل ارتداء الحجاب من عدمه في أماكن العمل في ألمانيا ليس أمرا مستجدا بل شهد البلد نقاشات سابقة في هذا الشأن وفي مواضيع تتعلق بحقوق المسلمين.
وبدأت القضية عندما وجدت امرأة في منتصف الثلاثين من عمرها وتعمل لدى سلسلة محلات أدوات التجميل منذ عام 2002 نفسها مجبرة على اللجوء للمحكمة لأنها ترى في حظر الحجاب أثناء العمل اضطهادا، أي انتهاكا لقانون المساواة في المعاملة، وكذلك انتهاكا للحرية الدينية المنصوص عليها في الدستور.
وبعد غياب فترة عن العمل بسبب رعاية الأولاد، عادت الشابة المسلمة لسلسلة محلات مولر لأدوات التجميل والتي عملت لديها لسنوات طويلة فجأة مرتدية الحجاب.
لكن رئيسة الفرع الذي تعمل به المرأة المسلمة ردت على ذلك تلقائيا بالقول إن المسلمة لا تستطيع أن تعمل بحجابها كمقدمة نصح ومشورة للزبائن أو كمحصلة.
ويشير محاميها في الدعوى إلى الأحكام التي أصدرها القضاء الألماني حتى الآن، والتي لا تسمح بحظر الحجاب في مكان العمل إلا إذا كان يمثل خطرا على سريان العمل، أو كان يهدد بخسائر اقتصادية لصاحب العمل تتمثل في ضياع الزبائن. وقال المحامي إن ذلك لم يحدث بالنسبة لسلسلة محلات أدوات التجميل.
محامو سلسلة المحلات قالوا إن موكلهم مارس حق الإدارة وأعطى تعليمات لموظفيه بالظهور دون أي علامات دينية أو سياسية أو رموز تعكس فكر الموظف
وفي المقابل، يصر صاحب العمل على حقه في فرض نظام زي يجب على العاملين الالتزام به، وأن هذا النظام “يحظر ارتداء أي نوع من غطاء الرأس أثناء التعامل مع الزبائن”.
كما يشير محامو سلسلة محلات مولر إلى الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ. ويدفع المحامون بأن موكلهم مارس حق الإدارة وأعطى تعليمات لموظفيه بالظهور دون أي علامات دينية أو سياسية أو رموز تعكس فكر الموظف.
وحسب بيانات شركة مولر فإن عدد عامليها في ألمانيا يبلغ نحو 15 ألف موظف من 88 دولة. ونظر عدد من المحاكم المختصة في دعوى المرأة العاملة في سلسلة محلات مولر في ألمانيا.
وكانت أول دائرة نظرت في القضية قد أكدت حق المرأة في ارتداء الحجاب أثناء العمل، وأيدتها في ذلك محكمة الولاية، عندما رفضت استئناف الشركة في مارس 2018، وشددت على بطلان قرار صاحب العمل إجبار صاحبة الدعوى على خلع الحجاب أثناء العمل.
وليس من المعروف ما إذا كانت محكمة العمل الاتحادية ستصدر حكما بسرعة في هذه القضية.
وطرحت القضية، إلى جانب الحريات الدينية في ألمانيا، موضوعا آخر يتعلق بما إذا كان القضاة الألمان سيأخذون القانون الأوروبي في الاعتبار عند بتهم في قضية المرأة العاملة في سلسلة محلات مواد التجميل وحقها في ارتداء الحجاب أثناء عملها.
ولجأت المحكمة الأربعاء لمحكمة العدل الأوروبية قبل البت في القضية، لتعرف رأي القضاة الأوروبيين في ما إذا كان التطبيق الألماني للقانون يتفق مع القانون الأوروبي.
ويقول أستاذ قانون العمل في بون، جريجور توزينج، “إنها علاقة مثيرة بين قانون العمل والقانون الدستوري والقانون الأوروبي”.
ورغم أن القضاء الألماني يؤكد حتى الآن عدم جواز إصدار حكم عام بحظر الحجاب، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أكدت في حكم لها عام 2017 أن حظر ارتداء الرموز السياسية أو الدينية داخليا بشكل عام لا يعد اضطهادا مباشرا.
كما رأى قضاة المحكمة في لوكسمبورغ أن رغبة أرباب العمل في إيصال صورة حيادية عنهم لزبائنهم تعد من حرية الاستثمار.
ويشار في هذا السياق إلى أن محكمة العمل الاتحادية دأبت في السنوات الماضية على إحالة قضايا للمحكمة الأوروبية، كان آخرها المكانة الاستثنائية للكنيسة كرب عمل.
وفي مايو الماضي أصدرت محكمة برلين حكما برفض طلب معلمة مسلمة للسماح لها بارتداء الحجاب أثناء الدروس. وبررت المحكمة قرارها باستنادها إلى مبدإ الحياد في القانون الألماني الذي يفرض عدم ارتداء رجال الشرطة والقضاء والمدرسين إشارات دينية كالصليب أو القلنسوة أو الحجاب.
ورأت المحكمة آنذاك أن المدرسة المسلمة لم تكن ضحية تمييز بسبب دينها عندما تم منعها من ارتداء الحجاب خلال الدروس.
وقبل ذلك بشهر، أثيرت نقاشات كبيرة حول مقترح قدمه وزير شؤون الاندماج بولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية، يوآخيم شتامب، لمنع الفتيات اللاتي أعمارهن أقل من 14 عاما من ارتداء الحجاب.
وقال رئيس رابطة المعلمين الألمان هاينز- بيتر مايدينغر، لصحيفة “بيلد” الألمانية حينها، إن “حظر ارتداء الحجاب من شأنه المساهمة على الأقل في التخلص من الأرضية الخصبة لنشأة العنصرية الناجمة عن أسباب دينية”.
فيما اعتبرت رئيسة نقابة المنشآت التعليمية لين كلينسينغ أن الأنظمة الديمقراطية لا يجب أن تسمح بسيادة جنس فوق الآخر، موضحة أن “غطاء الرأس يمكن أن يكون رمزا يعزز لهذا الأمر”.
وتعاني ألمانيا من بين بلدان أوروبية أخرى من تنامي الحركات اليمينية المتطرفة وبشكل خاص معاداة المسلمين وظاهرة الإسلاموفوبيا، وهي التيارات التي انتعشت بشكل كبير في السنوات الأخيرة مدفوعة بنجاح الأحزاب اليمينية في الانتخابات ووصولها إلى السلطة.
محامو سلسلة المحلات قالوا إن موكلهم مارس حق الإدارة وأعطى تعليمات لموظفيه بالظهور دون أي علامات دينية أو سياسية أو رموز تعكس فكر الموظف