توصيات صندوق النقد تزيد حذر المغرب من تعويم الدرهم
زادت توصيات صندوق النقد الدولي من حذر المغرب بشأن تحرير أسعار الصرف، في ظل مساعي السلطات النقدية في البلاد لتوفير الأرضية اللازمة لاحتواء التداعيات السلبية المحتملة لتعويم الدرهم على التوازنات المالية.
وتدفع المخاوف من تراجع قيمة الدرهم وارتفاع أسعار السلع وتزايد عمليات المضاربة في السوق السوداء الحكومة والسلطات النقدية للتعامل بحرص أكبر في الفترة المقبلة حتى تتضح الصورة أكثر.
وخلصت توصيات صادرة عن المؤسسة المالية الدولية، إلى أن تسريع وتيرة تحرير أسعار الصرف، سيساعد المغرب على تعزيز مستوى تنافسية صادراته في الأسواق العالمية.
ووصف الصندوق تأخر المغرب في تنفيذ الخطوة بغير المجدي خاصة في ظل الصدمات المتوقعة التي ستطال الاقتصاد العالمي، وفي ظل توقعاته بمساهمة هذا التحرير الكلي في رفع تنافسية البضائع والخدمات المغربية في الأسواق العالمية.
وقال الصندوق إن “المُضي في توسيع نطاق تحرك الدرهم المغربي ضروري من أجل حماية الاحتياطات الأجنبية وجعل الاقتصاد الوطني في وضع أفضل لاستيعاب الصدمات الخارجية المحتملة والحفاظ على القدرة التنافسية”.
واعتبر محمد ياوحي أستاذ الاقتصاد بجامعة الرباط، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، أن الضغوط دائما موجودة وعلى الحكومة أن تراعي مصلحة الاقتصاد الوطني وقدرة المواطنين.
وقال إن “الصندوق سبق واقترح على المغرب الدخول في التقشف، ولكن الحكومة رفضت، لأن التجارب أثبتت أنها سياسة تقتل الاستثمار وتنهك القدرة الشرائية للمواطنين ولها سلبيات واضحة على مقومات المجتمع”.
ويرى الصندوق أن هذا الإصلاح سيُشجع على تنويع الصادرات وتنمية أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا، والتي تمثل 90 بالمئة من إجمالي الشركات العاملة بالدولة، ما سيساعد على توفير فرص عمل ودخل للفقراء والطبقة المتوسطة.
وقد أكد كل من محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وعبداللطيف الجواهري محافظ بنك المغرب في رسالة إلى كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد أن السلطات المغربية تنوي الانتقال إلى المرحلة المقبلة “حينما تسمح الظروف الاقتصادية بذلك”.
ويعتقد ياوحي أن هذه الخطوة ستنعكس سلبا على سوق العمل المغربي وبالتالي ستستفحل البطالة والأمية والتهميش، وهذا يؤدي إلى احتقان اجتماعي ناتج عن تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي.
المركزي يؤكد أن الانتقال إلى المرحلة المقبلة من سياسة تحرير أسعار الصرف سيكون حينما تسمح الظروف الاقتصادية
وحتى الآن، لم يتم تحديد تاريخ توسيع نطاق تحرك سعر صرف عملة الدرهم بعد عام من التحول من نظام صرف ثابت إلى نظام صرف مرن، أكثر من النطاق الحالي المحدد عند 2.5 بالمئة صعوداً ونزولا، عوضا عن 0.3 بالمئة المطبقة سابقاً في النظام الثابت.
ويقول الجواهري إن المهم في اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف هو الاستقرار والأمن والتوازن الاقتصادي والثقة.
وكاد المغرب أن يسقط نهاية تسعينات القرن الماضي فيما عرف بـ”السكتة القلبية للاقتصاد المغربي” كنتيجة تبني المغرب مخطط التقويم الهيكلي الذي فرضه الصندوق في 1983.
ويقول ياوحي إنه لولا الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكبرى، التي عرفها المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني والإصلاحات الهيكلية، التي جاء بها الملك محمد السادس، لكان المغرب ضحية اختلالات اجتماعية كبرى.
ويرى الخبير أن الدولة عليها أن تفك الارتباط مع القروض الخارجية والعمل على تعبئة الموارد المحلية وتشجيع الاستثمار والادخار المحليين وتشجيع المغتربين على الاستثمار بالبلاد بدل تهجيرهم من بعض موظفي الإدارة والمنتخبين الفاسدين.
وكان الصندوق قد وافق قبل أسابيع على منح الرباط خطا وقائيا بقيمة 2.97 مليار دولار لمدة عامين من أجل استخدامه في حالة الطوارئ الاقتصادية.
وسبق أن حصلت الرباط على خطوط وقائية، لكن لم تلجأ إليها، وذلك مقابل التزامها بتطبيق عدد من الإصلاحات خصوصاً في التعليم والحوكمة وسوق العمل، ومواصلة تحسين مناخ الأعمال، حتى يتسنى رفع نسبة النمو وتخفيض مستويات البطالة المرتفعة خاصة بين الشباب والنساء.
ودفاعا عن وجهة نظره، أكد ياوحي أنه بعد تجربة القروض المنهكة من طرف صندوق النقد اتضح للدول الدائنة أنها كانت ضحية لنظرية الحلقة المفرغة.
وباتت الأوساط الاقتصادية في تلك الدول تدعو إلى تعبئة الموارد المحلية بدل الاقتراض، وتخفيض الاستهلاك الداخلي وحصره في الضروريات من أجل المحافظة على التوازنات المالية وتقليص عجز الميزان التجاري وتخفيض المديونية.
ولهذا يؤكد ياوحي أن أول شيء يجب أن تقوم به الحكومة هو ترشيد النفقات العامة ومحاربة الرشوة التي تستنزف أموالا طائلة من الرأسمال المغربي وتشكل عبئا على معدل النمو وسوق العمل.
كما طالب بالعمل على الانغماس أكثر في التعاون المشترك جنوب- جنوب مع دول المغرب العربي وأفريقيا ودول الخليج من أجل تعبئة الموارد المحلية الذاتية والخروج من الحلقة المفرغة التي يفرضها صندوق النقد على اقتصادات الدول.