بروكسل تعمق أزمة لندن برفض تعديل اتفاق بريكست
بعثر الاتحاد الأوروبي آمال رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في تعديل اتفاق بريكست لتجاوز الخلافات بشأن الحدود الأيرلندية ما يجنب الطرفين انفصالا غير منظم ستكون تداعياته كارثية على الطرفين، بعد أن رفض بحزم هذه الخطوة. ويرى مراقبون أن مطالب لندن مازالت غامضة بشأن ماذا تريد هي تحديدا من بروكسل، في ظل التوجه إلى مفاوضات دون طرح خطة تعديلات بديلة.
عارض قادة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طلب السلطات البريطانية إعادة التفاوض حول اتفاق خروج المملكة المتحدة وترتيبات الحدود الأيرلندية، فيما تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لإدخال تغيير على الترتيب المتعلق بـشبكة الأمان الخاصة بالحدود بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية بعد تأييد مساعيها من مجلس العموم البريطاني.
وطلب مشرعون بريطانيون من ماي إعادة فتح معاهدة الخروج من الاتحاد الأوروبي من أجل إدخال تعديلات على ترتيب مثير للجدل يتعلق بالحدود الأيرلندية، لكن الاقتراح سرعان ما قوبل بالرفض التام من الاتحاد.
ويدعو التعديل إلى استبدال شبكة الأمان بـ”ترتيبات بديلة لتجنب حدود فعلية”، وفق عبارة غير واضحة لا تضع ماي على أي مسار محدد.
واستخدمت ماي نتيجة التصويت فرصة لتفادي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس القادم من دون اتفاق، ووعدت بالعودة إلى بروكسل للمطالبة بتعديل النص، لكنها أقرت مع ذلك بأنها تواجه تحديا كبيرا في إقناع بروكسل بإعادة التفاوض حول الاتفاق الذي استغرق التوصل إليه 18 شهرا من المحادثات الشائكة، فيما القادة الأوروبيون يقفون في صف واحد حتى الآن رفضا لذلك.
ويعتقد المتشددون من حزب المحافظين بزعامة ماي أن شبكة الأمان (باكستوب) الهادفة إلى إبقاء الحدود مفتوحة مع أيرلندا، يمكن أن تؤدي إلى بقاء بريطانيا مقيدة إلى ما لا نهاية بقواعد التجارة للاتحاد الأوروبي.
وبعد أسبوعين من رفض البرلمان للاتفاق الذي طرحته ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي بأغلبية ساحقة، أيد الثلاثاء اقتراحا يقضي بعودة رئيسة الوزراء إلى بروكسل بتفويض أقوى سعيا لتعديلات يرجح بدرجة أكبر أن تلقى تأييده.
وفي الوقت ذاته كان هناك رفض لاقتراح يفتح للبرلمان سبيلا لمنع الخروج من الاتحاد خروجا فوضويا من دون اتفاق وذلك من خلال دفع ماي إلى أن تطلب من بروكسل تأجيل الخروج إن لم تستطع التوصل إلى اتفاق من خلال البرلمان.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن “اتفاق بريكست لا يزال أفضل طريقة لضمان انسحاب منظم للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وشبكة الأمان جزء من اتفاق الانسحاب والاتفاق ليس مفتوحاً لإعادة التفاوض”.
وأضاف توسك أن “نتائج قمة الاتحاد الأوروبي في ديسمبر واضحة للغاية حول هذه النقطة”.
ولم يتغير موقف الشركاء البتة، إذ أعادوا التأكيد عليه بعد أن أعلنت ماي نيتها إعادة التفاوض بشأن الاتفاق وتصويت نواب المملكة المتحدة لصالح تعديل أحكام شبكة الأمان.
وكرر توسك حثّ “الحكومة البريطانية على أن توضح في أقرب وقت ممكن نواياها في ما يتعلق بالخطوات القادمة. في حال طرأ تغيير على مواقف المملكة المتحدة من الشراكة المستقبلية، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون مستعداً لإعادة النظر في عرضه وتكييف مضمون ومستوى طموح الإعلان السياسي، مع احترام مبادئه الثابتة”.
وحذر من أنه “إذا تقدمت المملكة المتحدة بطلب تمديد مبرر، فإن أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين سيكونون مستعدين للنظر فيه واتخاذ قرار بالإجماع، وسيتخذ الأعضاء قرارهم مع الأخذ بالاعتبار الأسباب ومدة التمديد المحتملة، وكذلك الحاجة إلى ضمان عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي”.
وكان إيمانويل ماكرون أول من أكد الثلاثاء أن اتفاق الانسحاب هو “أفضل ما يمكن” وأنه “غير قابل للتفاوض” في تصريح أدلى به في نيقوسيا حيث يشارك في قمة بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط.
ودعا الرئيس الفرنسي الحكومة البريطانية إلى أن تعرض على كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه “الخطوات التالية التي من شأنها الحيلولة دون الخروج من دون اتفاق، وهو ما لا يريده أحد، ولكن يجب علينا جميعنا على الرغم من كل شيء أن نستعد له”.
وعاد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ليؤكد الأربعاء أن “موقفنا واضح: اتفاق الانسحاب هو الحل الأفضل والوحيد للخروج بشكل منظم”.
وذكّر وزير الخارجية الأيرلندي سايمون كوفني بأن “شبكة الأمان قد تم الاتفاق عليها بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لتكون صك ضمان لتجنب إقامة حدود فعلية بأي حال”.
وقالت وزيرة الشؤون الأوروبية في أيرلندا هيلين مكنتي “هذا اتفاق جرى التفاوض عليه مع المملكة المتحدة ومن خلالها وقد وقعت عليه هي ورئيسة الوزراء، ومع هذا يبدو الآن أن هناك نكوصا وتراجعا عن الالتزامات التي قدّمت”.
وجاءت ردود الفعل الأولى للتكتلات السياسية في البرلمان الأوروبي التي يجب أن تقر بأن اتفاقية الانسحاب، قاسية على تيريزا ماي.
وقال نواب الكتلة الاشتراكية والديمقراطية ”لن نعرّض للخطر اتفاق الجمعة العظيمة (للسلام في أيرلندا) أو السوق الموحدة”، حيث أكد رئيس الكتلة الألماني أودو بولمان، “لقد عملنا بشكل بنّاء ومسؤول للتخفيف من أوخم عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف بولمان “اليوم، لم تفعل تيريزا ماي بالمثل؛ امتثلت مجدداً للمتطرفين في حزبها وقدمت وعوداً غير واقعية بدلا من أن تتحلى بدور القائد الحقيقي”.
ومن جانبهم أكد قادة الأحزاب البيئية من أيرلندا وأيرلندا الشمالية أن “الأولوية المطلقة يجب أن تُعطى للحفاظ على السلام في أيرلندا وفقا لاتفاق الجمعة العظيمة ونحث المفاوضين على توخي الحذر لعدم تقويض هذا الاتفاق”.