علموا اولادكم الحب

تاريخياً لم يهتم بالحب كاهتمام الحضارة العربية به ، فمنذ عصر الجاهلية حتى عهد الإسلام لم يتغن العرب في شيء مثل المحبوب، ولم يستثر شيئاً قريحة الشعراء مثل الحب… يذكر ابن قيم الجوزية في كتابه «روضة المحبين» أن اللغة العربية حافلة بأسماء العلاقة بين المتحابين حتى بلغ بها إلى الستين اسماً… حتى أن أجمل ما كُتب في الشعر كان في الحب، ولم يخجل الشاعر العربي يوماً من التصريح باسم من يحب ناهيك عن ما كتبه الإمام ابن حزم في كتابه “طوق الحمامة ” في الألفة والألاف فهو كتاب  وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه.
هذا التاريخ يجعلنا نتساءل منذ متى أصبح التعبير عن الحب للآخر خطيئة و عيبا ؟
ما الذي اوصلنا الى هذه المعاني العقيمة ؟ لم لا نتبع نهج من سبقونا في الحب لنعيش به ونعلمه لاولادنا، الا نعلم انهم مشاريع الغد؟ وان كل أب او أم يرى ابنه عبارة عن مشروع صغير ل : طبيب، مهندس، استاذ او فضائي …فاولادنا هم العمود الفقري للمجتمع و تعتبر تربية الأبناء اهم دور في حياة الأبوين والام بالخصوص، لم تخلت بعض المجتمعات عن اعتبار الحب شيء اساسي في التربية واستبدلته بالعنف و القسوة في تربية أبنائها خااااصة في مجتمعنا المغربي المعروف بخشونته ، فاغلب المغاربة كلمة حبيبي وعزيزي عندهم مهجورة وقل ما يسمع الابن من ابيه او امه كلمات تعبر عن الحب ، فينشأ الطفل على “اللاحب “مما يجعل الكثير من الأطفال يصابون بأمراض نفسية جراء هذا النقص الكبير في تكوين شخصيتهم والذي يعود سلبا عليهم عند الكبر ، والأدهى والأمر انه عند توبيخ الاب للابن في حالة خطأ صادر من الابن او في حالة خروج الابن عن القانون الداخلي للعائلة يستعمل الاب المغربي (او الام ) مفردات مثل : (المسخوط ، العفريت ، ا ولد الحرام ، ) عوض ان يقول ( يا ابني يا حبيبي لا تفعل ذلك …) وعند رؤية ردت فعل الاب نقول ان هذا من خوفه على ولده لكن عند تامل هذه المفردات نلاحظ أن العلاقة التي تربط بين الأب والابن هي ممارسة ذلك النوع من السلطة المطلَقة أو الفوضوية المستبدة والمتسلطة نحو الابن ، مما يعطي للطفل نوعا من الإحساس بالذل والقهر، ويؤدي إلى زعزعة ثقته بنفسه ويضعف من شخصيته في أخطر مراحل تكوينها
واذا بحثنا عن اسباب هذا الخلل سنجد:
– أن هذا الاب نشئ بتربية ” اللاحب ” أيضا والتاريخ يكرر نفسه فما مر به الاب سيمرره على الابن وهلم جرة …وعلى هذا الأساس صارت كلمة “أحبك” مفقودة في ثقافتنا بين الآباء وأطفالهم، وحتى بين الأزواج مع بعضهم البعض. فمن منا يستطيع أن يعبر لابنه بهذه العبارة “أحبك أولدي”؟.. صار من المستحيل أن ينطق بها الفم المغربي، كأن اللسان اصبح مصاب بالشلل والعجز عن تركيب كلمة “حب” والنطق بها في جملة مفيدة.
– الخلط بين الحب و الجنس وكانهما وجهان لعملة واحدة ! وبما أن الجنس يعد من طابوهات المجتمع المغربي والخوض فيه عيب ، تم قياس الحب عليه.
– اعتبار التعبير عن الحب ضعف ، وإذا عبر الرجل عن حبه يعتبر نقصا وضعفا في شخصيته، فيربي الإبن على هذا الأساس حتى اذا حدث و بكى الابن أمام ابيه ينهره الاب ويقول له: هل انت أنثى كي تبكي؟؟ !!
كفانا من هذا التفكير القاسي ومن هذه الاساليب العقيمة في تربية أبناءنا، ولنرجع لحضارة من سبقونا من المبدعين، ليصبح للحب مكان بيننا وينشأ ابناؤنا على ثقافة الحب ،
قد أكون وقد أكون، مهما كانت تربيتي وكيفما كانت أحوالي فيجب أن أكون حريصا على جعل ابني البذرة التي أتعهدها بأسمدة الحب ، وأسقيها برواء الأخلاق النبيلة ، وأحيطها بسياج الحوار والاحترام فتتفتح فيه الشخصية المتوازنة التي لا تحيد ولا تتزعزع، مواجهة المصاعب ومتصدية للعقبات، حاملة نبراس الخير لكل المحيطين بها ، بحكمتها وتعقلها وحسن تصرفها وتدبيرها، بارة بآبائها، جالبة لهم كل الخير .
أيها الآباء الأعزاء ربوا أولادكم بالحب وعلى الحب ، فانتم قدوتهم المباشرة ، التي يزيدها التعليم رسوخا ، و المجتمع قوة .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: