إخوان الجزائر يدخلون سباق الانتخابات الرئاسية بخلافات عميقة
أعلنت حركة مجتمع السلم (حمس)، الحزب الإسلامي المحسوب على المعارضة في الجزائر، خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في البلاد يوم 18 أبريل المقبل، واختارت رئيسها عبدالرزاق مقري مرشحا لها في الموعد الانتخابي الرئاسي بناء على قرار مجلس الشورى الوطني للحركة بالإجماع.
قرّرت حركة مجتمع السلم الإخوانية خوض سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر أبريل القادم بترشيح مجلسها للشورى لعبدالرزاق مقري، وسط أجواء من الشكوك تلفّ الاستحقاق الرئاسي نفسه، ووضع النظام الداخلي في صفوف الإخوان، بعدما قرر رئيس حمس السابق أبوجرة سلطاني عدم خوض السباق.
وقرر مجلس شورى حركة مجتمع السلم ترشيح رئيسها عبدالرزاق مقري لخوض سباق الانتخابات الرئاسية القادمة، ليكون بذلك ثاني استحقاق رئاسي يخوضه إخوان الجزائر منذ بداية التعددية السياسية والحزبية في البلاد العام 1989.
وذكر مسؤول الاتصال في حركة حمس عبدالله بوعجمية في منشور له على صفحته الرسمية، أن “مجلس الشورى الوطني لحركة مجتمع السلم، قرر بالإجماع المشاركة في الانتخابات الرئاسية برئيسها عبدالرزاق مقري”.
وتأكدت بذلك نوايا أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر في خوض سباق الانتخابات الرئاسية، حيث تضمن خطاب حمس في الأشهر الأخيرة إشارات إلى اختبار الحركة لحظوظها في هذا الاستحقاق رغم الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي في البلاد، ورغم تهم الخيانة التي طالت حمس حتى من طرف الأحزاب الإسلامية.
ولا يستبعد المتابعون أن تكون مشاركة حمس من قبيل خطة تكون فيها رقما مهمّا في المشهد الذي يعقب الانتخابات الرئاسية، ولا يمكن أن تكون قد تقررت بمعزل عن الاتصالات التي جرت بين مقري ورجل الظل في السلطة سعيد بوتفليقة، خلال الأسابيع الماضية حول تمرير خيار تأجيل الانتخابات، أو ما تم تسريبه هذا الأسبوع في باريس، عن مضمون كتاب سيصدر لاحقا حول وجود خطة تحالف بين قيادة الجيش وحمس لتقاسم منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ويعتبر ترشيح مقري لخوض السباق، الترشيح الثاني في صفوف تيار الإسلام السياسي بعد قرار حركة البناء الوطني، المنبثقة عن حركة حمس، تقديم رئيسها عبدالقادر بن قرينة ليكون مرشحها في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وكان عبدالرزاق مقري قد ألمح منذ أسابيع إلى مشاركة الحركة في الاستحقاق، إذا لم يتم تأجيله إلى موعد آخر، وفق مبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها حمس منذ الصائفة الماضية، واعتبر ذلك من قبيل الخطط البديلة لحمس في التعاطي مع التطورات السياسية.
وصرّح عشية انعقاد دورة مجلس الشورى الوطني بأنه “يجب أن ننتبه إلى أنه لا يمكن أن نخرج من الساحة السياسية.. حمس معنية بالانتخابات الرئاسية 2019، ولا يمكن لأحد أن يجمّدنا ببعض الأوهام، فيصنع مستقبل الجزائر ونحن خارج الساحة السياسية”.
ويعتبر ترشيح حمسعلعبدالرزاق مقري لخوض الانتخابات الرئاسية في البلاد، التجربة الثانية للإخوان بعد ترشح مؤسس الحركة الراحل محفوظ نحناح في انتخابات العام 1995، لمنافسة مرشح السلطة آنذاك الجنرال اليمين زروال، في ذروة الأزمة الأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد خلال العشرية الحمراء.
ودخلت حمس منذ تلك التجربة في تحالف مع السلطة، حيث دعمت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في انتخابات 1999، 2004 و2009، ضمن ما كان يعرف بالتحالف الرئاسي، المكون منها ومن جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، كما شاركت في مختلف الحكومات المتعاقبة إلى غاية العام 2012، لما قررت القفز من قارب السلطة والتخندق في صفوف المعارضة ضمن تكتل تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي.
وجاء ترشيح مقري بإجماع مجلس الشورى الوطني في أجواء نظامية غامضة في صفوف الإخوان، بسبب تململ داخلي يقوده جناح الحمائم، يرى عدم جدوى المشاركة المستقلة في الانتخابات، ويعتبر أن فرصة ذلك لم تحن بعد، مما يخفي وراءه نوايا الاصطفاف وراء مرشح السلطة إسوة بالتجارب الماضية.
ويأتي على رأس هؤلاء الرئيس السابق أبوجرة سلطاني، وساعده الأيمن عبدالرحمن سعيدي، وقد تجسدت مقاربة الجناح بإقرار سلطاني عدم الخوض في سباق الانتخابات، حيث صرّح للصحافيين في دورة مجلس الشورى “الترشح بلون حزبي أو أيديولوجي مازالت بيئته غير مهيأة، يمكن أن يكون على مستوى الوزارة الأولى أو البرلمان، أما المنصب الأول فلا تزال بيئته غير متوفرة”.
وبدت نبرة سلطاني فاترة، مما يوحي بعدم تحمّسه لخوض الحملة الانتخابية لحركة حمس، الأمر الذي يثير عدة استفهامات حول ارتدادات تضارب الرؤى داخل صفوف الإخوان بشأن الاستحقاق الرئاسي، وتأثيره على الوعاء الانتخابي والشعبي، لاسيما في ظل النتائج المتواضعة المحصّلة في الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في السداسي الأول من العام 2017. ويبقى موقف تنظيم المنتدى العالمي للوسطية الذي أطلقه أبوجرة سلطاني، ويعكف على هيكلته في المحافظات خلال الأسابيع الأخيرة، مفصليا في توجهات جناح الحمائم في صفوف الإخوان، خاصة وأن تصريحات سلطاني ألمحت إلى أنه سيكون داعما لبوتفليقة في الانتخابات، رغم ما وصفها بـ”الشروط والالتزامات التي أقرها المنتدى تجاه المتنافسين على قصر المرادية”.
ويرى متابعون لشؤون تيار الإسلام السياسي في الجزائر، أن وظيفة التنظيم ستكون الخطة البديلة لأبوجرة سلطاني، بعدما فلتت حمس من بين يديه، فقد انتقلت من المشاركة في السلطة إلى المعارضة، ثم قررت خوض الانتخابات الرئاسية بصفة مستقلة، ليتمكن من البقاء في عباءة السلطة أو كمقربّ منها، فهو مستعد لوضع المنتدى في خدمة مرشح السلطة في الاستحقاق القادم.