الفساد في العالم: آثام الأنظمة أم عقليات الشعوب

الفساد كلمة قد تبدو بسيطة في تركيبتها لكن تداعياتها على أرض الواقع وممارستها ومظاهرها وحتى تفاصيلها لها ارتدادات عميقة تنخر العقول إذا ما استشرت وتقوض أسس الدول ومؤسساتها، هذه حقائق لا يمكن إخفاؤها أو إنكارها بل تستوجب العمل على مقاومتها والحد منها.

لهذه الأسباب جعلت منظمة الأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر من كل سنة يوما عالميا لمكافحة الفساد بهدف التوعية بهذه الظاهرة، إلى جانب إنارة العقول بشأن دور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها في 31 أكتوبر من العام 2013 وأصبحت سارية منذ ديسمبر العام 2005.

اليوم العالمي لمكافحة الفساد ليس مجرد استعراض نظري لخطورة ظاهرة الفساد، بل مناسبة سنوية تحتفل بها دول العالم للتأكيد الدائم والمستمر على ضرورة مكافحة هذه الظاهرة وبحث السبل والآليات اللازمة التي تمكّن من تحقيق خطوات عملية في اتجاه تحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الفساد.

وتقول الأمم المتحدة إن “الفساد جريمة خطيرة يمكن أن تقوض التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع المجتمعات”، مؤكدة على أنه “لا يوجد بلد أو منطقة أو مجتمع محصن” ضد هذه الظاهرة.

ووفق إحصائيات يقدمها موقع الأمم المتحدة “في كل عام، تصل قيمة الرشى إلى تريليون دولار، فيما تصل قيمة المبالغ المسروقة عن طريق الفساد إلى ما يزيد عن تريليونين ونصف دولار ما يساوي خمسة بالمئة من الناتج المحلي العالمي”. وفي البلدان النامية تقدر قيمة الفاقد بسبب الفساد بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية المقدمة.

وورد في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 دجنبر 2018 أن “الفساد موجود في جميع البلدان، غنيّها وفقيرها، في الشمال كما في الجنوب”. كما أكد الأمين العام أن “الفساد يولّد المزيد من الفساد ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب الهدّامة”.

وعندما يطرح النقاش حول ظاهرة الفساد أسئلة عديدة تجد مكانا لها في هذا السياق من بينها: هل تكفي الجهود الحكومية في دولة ما للقضاء على الفساد؟ هل تكفي ترسانة قوية وصلبة من التشريعات النافذة لمحاربة الفساد؟ هل الشعب هو من يفتح الطريق ويمهده ليمارس المسؤولون فسادهم؟ أم العكس صحيح، بمعني هل أن المسؤولين هم من يتسببون في الفساد بضغطهم على المواطنين واشتراط تقديم خدمات والمصادقة على معاملات معينة بمقابل مادي؟ هل الدولة بما تمثله الحكومة والمسؤولون فاسدة بطبعها؟ أم أن هذه الممارسة السلبية تسري بين المواطنين مما جعل انتقالها للمسؤولين مجرد انعكاس للوضع العام؟

الإجابات على هذه الاستفهامات عديدة ومختلفة لكنها في العموم تنقسم إلى طرحين: الأول يرى أن الدولة هي المسؤولة عن الفساد المستشري في البلاد، فيما يدحض الثاني ذلك بفكرة أن الحكام ما كانوا ليكونوا فاسدين لو لم يكن الشعب كذلك.

هل “الشعوب على دين حكامها” أم “كما تكونون يولّى عليكم”؟ مقولتان تلخصان القراءات المختلفة لظاهرة الفساد وأسبابها وعوامل انتشارها في المجتمعات بمختلف أنماطها وهوياتها.

البعض من القراءات تنحاز إلى مقولة “كما تكونون يولّى عليكم” وترى فيها مختزلا لعدم براءة الشعوب في هذا السياق، حيث يعتبر هؤلاء أن الفساد ينخر هياكل البلدان من أسفلها. والداعمون لهذا الطرح لا يترددون في اعتبار أن الكثير من الشعوب تشجع حكوماتها على الفساد عن حسن نية أو سوء نية، مستدلين على ذلك بممارسات غير قانونية من بينها التهرب الضريبي وغسل الأموال والتهريب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: