فرنسا: تعبئة السترات الصفراء شوكة في خاصرة “الحوار الوطني” وعنف الشرطة في قلب الجدل
رغم انطلاق جلسات الحوار الوطني الكبير الذي أطلقه الرئيس الفرنسي الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء المنصرم، لإيجاد مخرج لأزمة “السترات الصفراء”؛ إلا ذلك لم يفلح على ما يبدو في امتصاص شهرين من الغضب الاجتماعي ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية لماكرون وحكومته. حيث تظاهر مجدداً عشرات الآلاف من أصحاب “السترات الصفراء” في أنحاء فرنسا ليوم السبت العاشر على التوالي. وتأتي هذه المظاهرات بينما تتعالى الأصوات المنددة بــ“عنف الشرطة”.
فغيرُ مُبالين بجلسات “الحوار الوطني الكبير” التي انطلقت يوم الثلاثاء الفائت وتستمر إلى شهر مارس القادم بهدف ايجاد مخرج لأزمتهم، تجمع ما لايقل عن 84 ألف من متظاهري “السترات الصفراء” في أنحاء فرنسا -وفق أرقام وزارة الداخلية -في أول اختبار ميداني لهذا الحوار الوطني. وبعشرة آلاف متظاهر جابوا شوارعها، فرضت مدينة تولوز الواقعة في الجنوب الغربي الفرنسي، نفسها كمركز للاحتجاج هذا السبت، أمام العاصمة باريس حيث تظاهر سبعة آلاف شخص ، مقابل نحو ثمانية آلاف في مظاهرة السبت الـ12 يناير، وفقاً لوزارة الداخلية دائماً. وهي أرقام طالما فندتها حركة “السترات الصفراء” منذ بدء تعبئتها الوطنية الشاملة (كل يوم سبت) في الـ ـ17من نونبر الماضي.
وكما حصل خلال الفصول التّسعة السابقة لهذه التعبئة الوطنية ضد الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، لم يسلم الفصل العاشر من هذه التعبئة هو الآخر من اندلاع الاشتباكات بين عدد من المتظاهرين ورجال الشرطة والدرك، الذين تمت تعبئة ثمانين ألف عنصر منهم -خمسة ُ آلاف منهم في باريس -لتأمين هذه الاحتجاجات. وأعلن كاتب الدولة لدى وزير الداخلية لوران نونيز عن توقيف ثلاثمائة شخص خلال هذه المظاهرات.
بدورهن، تظاهرت نساء “السترات الصفراء” ليوم الأحد الثاني على التوالي في شوارع العاصمة باريس ومدن فرنسية أخرى، وذلك بهدف إلقاء الضوء على المطالب الخاصة بهن، ولكن أيضا لإظهار سلمية حراك “السترات الصفراء”.
“حواركم الوطني لايهمُّنا”!
وخلال هذه المظاهرات يومي السبت والأحد، ردد المحتجون مجموعة شعارات من قبيل: “ماكرون استقيل”، “حواركُم الوطني لا يَهُمّنا”؛ وهو ما يؤكد أن هناك شكوكاً عامة تواجه “الحوار الوطني الكبير” الذي أطلقه الرئيس الفرنسي مع رؤساء البلديات بداية الأسبوع المنصرم، والذي رأى 64 في المئة من الفرنسيين في استطلاع سابق، أنه سيكون من دون جدوى.
محللون سياسيون، اعتبروا أن التعبئة الجديدة ل“السترات الصفراء” وحجمها، هي دليل آخر على عدم إيمان المتظاهرين بهذا الحوار الوطني، مادام سقف المطالب لم يتحقق. فالرئيس ماكرون، دافع أمام رؤساء البلديات عن “الحوار الوطني الكبير” الذي يقوم على أربعة مواضيع رئيسية: القوة الشرائية والضرائب والديمقراطية والبيئة. غير أن الرئيس لا يزال متحفظاً على ما يعرف اختصاراً بـ RIC، أي “استفتاء مبادرة المواطنين” الذي يَسمح للعشب الفرنسي بإلغاء بعض القوانين أو اقتراح قوانين جديدة. كما رفض إيمانويل ماكرون مجددا إعادة فرض الضريبة على الثروة، التي تعد أحد أبرز مطالب “السترات الصفراء”.
ومع ذلك، أظهرت نتائج استطلاع للرأي نشرتها أسبوعية “لوجورنال دو ديمانش”، الأحد، ارتفاعاً لشعبية إيمانويل ماكرون بأربع نقاط في غضون شهر، حيث بات يحظى بتأييد 27 في المئة من الفرنسيين، بعد شهر من هبوط شعبيته إلى أدني مستوياتها منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في مايو 2017. وأشار الاستطلاع إلى أن هذه الزيادة الطفيفة في شعبية الرئيس الفرنسي؛ كانت بشكل أساسي في صفوف أنصار حزبي “الموديم” من وسط اليميني و “الجمهوريون” اليميني الديغولي.
واعتبر لُوك بُولوديون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون، أنّ “الحوار الوطني الكبير” هو أداة إستراتيجية لتوفير الوقت، لكنه يُمكن أن يكون أيضًا مخرجًا جزئياً لأزمة “السترات الصفراء”. بُولوديون، حذرّ من أن “مغبة أن هذا الحوار الوطني، إذا لم يعطي في النهاية أي مسار حقيقي للتحول فإن ذلك يشكل تهديدًا لفكرة الديمقراطية التشاركية ذاتها؛ حيث إن أسوأ الحالات هي أن ينخرط المواطنون في هذه اللعبة السياسية، وفِي النهاية يتجاهل الرئيس وحكومته المقترحات التي تم تقديمُها خلال جلسات الحوار التي ستستمر لشهرين” .
وحثّ هذا الأخير، الحكومة على “إظهار أن المشاركة في “الحوار الوطني الكبير” يمكن أن يكون لها تأثيرات؛ وإلا فإننا سنكون أمام خطر ابتعاد المراطنين والمنتخبين المحلليين والجمعيات عن هذه الحوار، ورفضهم مستقبلاً الُمشاركة في هذا النوع من التّمارين الديمقراطية”.
“ لا للعنف” .. “كاستانير الجزار!”
وبينما تجري جلسات الحوار الوطني، وسط استمرار الدعوات لمواصلة فصول تعبئة “السترات الصفراء”؛ ترتفع الأصوات تدريجياً، في العاصمة باريس كما في مدن أخرى، مُنددة بعنف الشرطة في الأيام الأخيرة. فمنذ بداية فصول تعبئة “السترات الصفراء” (كل يوم سبت) في السابع عشر من نونبر الماضي، أصيب أكثر من 1800 مُتظاهر ،وفق ما أفادت به مصادر في الشرطة. وخلال الفصل العاشر من هذه التعبئة الاجتماعية، كُتب على بعض اللافتات التي رفعها المحتجون عبارات من قبيل: “أوقفوا المجازر”، “كاستانير الجزار الذي شوه صورة فرنسا ’’، وهي عبارة موجهة إلى وزير الداخلية الفرنسي الذي دافع عن استخدام الشرطة لما يعرف بـ“القاذفات الدفاعية المطاطية” المثيرة للجدل. كريستوف كاستانير، اعتبر أنه من دون استخدام الشرطة لهذا السلاح فإنه لن يكون أمامها سوى الالتحام الجسدي مع المتظاهرين، مما سيؤدي – بحسبه – إلى ارتفاع حصيلة المصابين في صفوف الطرفين. وفِي مواجهة الانتقادات الحادة لعنف الشرطة ضد متظاهري “السّترات الصّفراء”، دافع لوران نونير، كاتب الدولة لدى وزير الداخلية، الأحد، عن “القاذفات الدفاعية المطاطية”، معتبرة أنها تحمي رجال الشرطة والدرك، الذين أصيب منهم ألف عنصر منذ بدء تعبئة السترات الصفراء قبل شهرين.
من جانبه، شدد الناطق باسم الحكومة بنجامين غريفو، الأحد، على أن ” التحلي بالمسؤولية مطلوب من الجانبين”. وبخصوص الجدل المُتصاعد حول إطلاق الشرطة “القاذفات الدفاعية المطاطية”، دعا بنجامين غريفو، شهود العيان على عمليات العنف إلى التبليغ عنها عبر موقع الشرطة المخصص لهذا الغرض؛ مشيراً إلى أن هناك “81 حالة عنف تم التّبليغ عنها، وأسفرت عن فتح مفتشية الشرطة الوطنية لتحقيق بشأنها”.
من جانبها؛ نددت جمعيات الصحافيين بالاعتداء على مجموعة من الصحافيين، خلال تغطيتهم للمظاهرات، من قبل بعض متظاهري “السترات الصفراء” ولكن أيضا بعض أفراد الشرطة. وتحت شعار “لا للعنف ونعم للحق في الوصول إلى المعلومة”، نظمت “مراسلون بلا حدود”، السبت، تجمعاً عند “ساحة الجمهورية” بقلب باريس، للدفاع عن حرية الإخبار وشجب العنف ضد بعض الصحافيين على هامش احتجاجات “السترات الصفراء” في الأيام الأخيرة.
وأيضا عبر بعض محتجي حركة “السترات الصفراء“في عريضة نشرتها أسبوعية “لوجورنال دو ديمانش”، الأحد، عبّروا عن رفضهم لأعمال العنف والتخريب التي يقوم بها بعض متظاهري الحركة، في حين، ندد عددٌ من نواب حركة “الجمهورية إلى الأمام” الحاكمة، بـ” حملة التهديدات والشتائم” التي تعرضوا ويتعرضون لها، من قبل بعض متظاهري “السترات الصفراء”.