زواج الفاتحة مفهوم مغلوط للزواج الشرعي
البعض يؤكد أنه زواج بالفعل، بموافقة الطرفين وحضور الشهود والإشهار، والبعض الآخر يقول إنه زواج في السر تدفع إليه الظروف الصعبة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، وآخرون يستخدمونه كستار لعمليات غير مشروعة أهمها المتاجرة بالجسد. إنه الزواج العُرفي او ما يعرف بزواج الفاتحة ، الذي تحوّل إلى ظاهرة الآن، وخاصة بين الجالية المغربية في اوروبا .
قبل البحث عن نتائج الظاهرة المزعجة، بجب التطرق عن الأسباب التي تدفع الفتاة او الشاب الى التعاطي لهذه العلاقة الغير الشرعية المقننة
ومازالت الظاهرة متفشية رغم التحذير من نتائجها السيئة، ولن تُعالج إلا إذا وضعت العقوبات التي تجرم هذا الزواج، لأنه في النهاية لا يحقّق الاستقرار في المجتمع، وفي مواجهة هذا الانحراف طالب العديد من المسؤولين ، بإصدار قانون يُعاقب كل مَنْ يثبت عليه أنه تزوّج دون توثيق عقد الزواج أمام الجهات الرسمية، وكذلك كل مَنْ قام بالشهادة على هذا الزواج أو شارك فيه بعقوبة مُناسبة.
وفي رأي علماء الدين أنه لا قياس بين الزواج المعلن الذي هو شرعي وبين الزواج السري، لأن الأول مُباح والآخر ممنوع، فالزواج السري غير جائز، وحُكمه في اجتهاد عمر بن الخطاب الذي قال: “لا أوتي برجل نكح سرا إلا رجمته”، لأنه في حكم الزنا، ونص القانون على منعه لا يعني إباحته.
ويرى الدكتور شوقي الساهي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أنه لجلب المصلحة ودفع المفسدة يجوز للمشرعّ الوضعي أن يسن قانونا يعالج هذه المشكلة، وينبّه إلى أن زواج الفاتحة إذا تم بهذه الكيفية واعترف كلا الزوجين به، واستوفى أركانه الشرعية من عاقد ومعقود عليه وصيغة وشاهدين، فإنه بذلك يكون صحيحاً، ولكن يفضّل أن يتم توثيقه حفاظا على حقوق الزوجة والمصادقة عليه، وعلى ولي الأمر أن يصادق على هذا الزواج صيانة للحقوق من الضياع، وأيضا لمنع دعاوى الزواج الباطلة لأغراض سيئة، مثل الطمع في المال أو الكيد للآخرين، فإصدار تشريع ينظم هذه الظاهرة يسد الطريق أمام المتلاعبين بالزواج، ويمنع الدعاوى الكاذبة التي تقدّم للمحاكم، إما طلبا لإثبات الزواج أو التنصُّل منه.
الزواج الذي يتم بين افراد الجالية في السر باطل، لأنه يفتقد أركان عقد الزواج، حيث لا يعلم به ولي أمر الفتاة ، ولا يتم الإعلان عنه.
فزواج الفاتحة من الناحية القانونية لا يمكن القول بعدم شرعيته، فهو مشروع، لكن لا يمكن إثباته عند الإنكار أمام المحاكم، لأن القضاء لا يقبل دعوى الزوجية عند الإنكار إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية، والزواج العُرفي يُسمى عُرفياً لأنه لا يثبت بورقة رسمية، ولكن بورقة عُرفية”.
و انتشار هذا اللون من الزواج في اوروبا بين الجالية المغربية ، ينذر بخطر مُبكر لابد من تفاديه، وهو يتعلّق بكيان الأسرة وضرورة المحافظة عليه، ولا شك أن زواج الفاتحة يتم في السر مثلا بعيدا عن رقابة الأهل وعن رؤية الأبوين، وعن تحديد حقوق كل من الزوجين بطريقة تمنع النزاع وتحفظ لكل منهما حقه، بحيث يبدو وكأنه تعبير عن رغبة وقتية أو نزوة، فهو يخل بمقاييس الزواج الأساسية التي هي سكن وأسرة وأولاد، وبالتالي فنحن نرى أن زواج الفاتحة الذي يتم بهذه الطريقة، هو أقرب إلى الزواج السري الذي تنهى عنه الشريعة الإسلامية، فهو لا يمكن إثباته قانونا، ولا يمكن الموافقة عليه دينيا.
فالزواج الذي يتم بهده الطريقة باطل، لأنه يفتقد أركان عقد الزواج، حيث لا يعلم به ولي أمر الفتاة ، ولا يتم الإعلان عنه، ومن ثم فلا يمكن اعتبار الورقة التي يكتبها شخص بلباس أبيض يدعي الفقه انها قانونية ، ولو شهد عليها شاهدان آخران، هي عقد زواج، فالزواج بمفهومه الحقيقي في الإسلام هو شركة مادية ومعنوية، يظللها السياج الديني الذي يحفظ بنيان الأسرة المسلمة، ويحميها من عوامل التفكك والانهيار، ويحصنها في مواجهة مُعضلات الحياة وأزماتها، التي لا تخلو بين الحين والآخر، ومن ثم فإن هذا العبث الذي يتم تحت ستار زواج الفاتحة مرفوض”. و من الناحية القانونية ” فالزواج هو ميثاق ترابط و تماسك شرعي بين الرجل و المرأة على وجه البقاء غايته الإحصان و العفاف ).
و هذه الظاهرة تستحق الرصد والمتابعة والتحليل، لكي يمكن التعامُل معها بطريقة فعّالة، في ضوء أصالة نظام الزواج الذي يحفظ مُجمل الحقوق والواجبات للطرفين، ويحقّق مقاصد الشريعة في إيجاد المودة والسكينة والرحمة، وهو المقصود من الزواج، أي بناء أسرة مُتماسكة يشيع بين جنباتها الود، والحرص على المصلحة وتكريس الانتماء لكل فرد فيها، والولاء للمجتمع الذي تحيا فيه هذه الأسرة.
يُعبّر زواج الفاتحة عن مفهوم مغلوط للزواج الشرعي، بمعنى أن هذا الزواج قد لا يوجد به شهود، وإذا وُجِد الشهود فإنهم يتواصون بكتمان هذا الزواج، وهو أمر يتعارض قطعا مع غاية الشارع من إشاعة الزواج والإعلان عنه، حتى أن الفقهاء قالوا: لو تواصى الشهود بكتمان أمر الزواج، فإن العقد يكون باطلا، فالإسلام يأمرنا بإشهار الزواج بين الناس، ولذا قال بعض الفقهاء: إن الإعلان عن الزواج شرط من شروط صحته”.