الحب من النظرة الأولى أعمى وأسير الانطباع الأول
في الواقع، لا يمكننا أن نحدد ملامح وصفات شخص لا وجود له، وإذا وُجد فإنه لن يكون في الغالب وفق المقياس الدقيق الذي حددناه منذ البداية، فالمواصفات الشخصية لا يمكن إخضاعها لتوقعاتنا وأمنياتنا، كما لا يمكننا أن نقسر أنفسنا لنتناسب مع الإطار الذي يريد أن يحبسنا فيه شخص ما، ومن المعيب أحيانا أن نجهد لتغيير طباعنا ومعاندة سلوكنا في سبيل إرضاء الآخر أو مقاربة توقعاته، فليس من العدل أن نحاول تغيير أنفسنا حتى لا نخسر شخصا لا يقدّر هويتنا وخصوصيتنا.
ترى الدكتورة مجدي فاطمة الزهراء ، أنه ربما يأخذ الأمر منا لحظات قصيرة للإعجاب بشخص ما وفق مواصفاته الجسدية مثلا أو جمال ملامحه، إلا أن الأمر قد يستغرق وقتا طويلا جدا للإجابة عن سؤال مهم مثل “هل هذا هو الشخص المناسب كشريك لرحلة حياة طويلة؟”.
وتضيف أن جاذبية المظهر والملامح تتلاشى مع مرور الوقت حتى لو تمتع الشخص المحبوب بجاذبية عصيّة على الزمن كما نعتقد أحيانا، لكن الأمر ليس كذلك، فإذا كان الشخص مناسبا كشريك اجتماعي يرضي غرورنا أمام الآخرين، فيجب أن يكون مناسبا لشخصيتنا بالمستوى ذاته في المنزل، في المطبخ، في غرفة المعيشة
وفي العمل؛ هذا هو الجوهر الذي يتوجب البحث عنه في أي علاقة مصيرية طويلة الأمد.
بعض الناس يعتقدون بأن هناك شخصا ما بانتظارهم في يوم ومكان محددين ليلتقوا في واحدة من اللحظات الرومانسية التي لن تتكرر في حياتهم، هذا الشخص الذي رسمت ملامحه الأقدار ووجد على هذه الأرض فقط، ليكون شريكهم الرومانسي، وبأن هناك حدثا ما سيكون سببا للقاء ولا يهم بالطبع متى وأين وكيف، المهم أن يؤطر هذا اللقاء بوهم قد يرتدي ثوب الحقيقة في مخيلة الكثيرين، إنه وهم الحب من النظرة الأولى
وتؤكد مجدي أن كون الشخص في بداية علاقة عاطفية، يعني أنه يختبر مشاعر رائعة ومن أجمل المشاعر التي يمكن أن يختبرها إنسان؛ يتساوى هذا الشعور في تأثير سحره مع هرمونات السعادة وتحديدا هرمون الأوكسيتوسين أو ما يطلق عليه أحيانا “هرمون العناق”، وهو هرمون يتم تصنيعه في الدماغ ثم يتم نقله وإفرازه بواسطة الغدة النخامية، وهو يعمل كناقل عصبي في الدماغ ويلعب دورا مهما في تحسين المزاج، حيث يفرز في حالات الحب، الثقة والهدوء النفسي.
كما أنه يزيد من فرص الحوار والتفاهم بين الزوجين على المواضيع الشائكة، ويتضح تأثيره في السلوكيات الاجتماعية والاستجابات العاطفية التي تسهم في الاسترخاء، الثقة والاستقرار النفسي، حيث وجدت نتائج دراسة حديثة بأن هناك مستويات عالية من هذا الهرمون في المراحل الأولى من اللحظات الرومانسية، وتبقى مستمرة لمدة ستة أشهر.
في حين تبين دراسة أخرى أن ارتفاع هذا الهرمون عن الحد المسموح به يشعر المرء بالارتباك، وبسعادة غير طبيعية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار النفسي في الغالب. والأمر ذاته ينطبق على هرمون الدوبامين، الذي يعزز إفرازه الشعور بالمتعة والسعادة والإدمان أيضا.
وتعمل هذه الهرمونات مجتمعة على تغيير النظام الذي يعمل على هديه الجسد، ولعل الشعور الذي ينتاب البعض وهم تحت تأثير ارتفاع إفراز هرمونات السعادة في الجسد، يوازي شعور المرء الذي يمتلك العالم برمته ويرى نفسه على القمة وبأن جميع كائنات الأرض تبتسم له كما أن الشمس لم تشرق إلا لتنير فرحته وسعادته، هذا هو الشعور بالحب!
ومع ذلك، فإن هذا الشعور قد لا يدوم في النهاية وربما يتحول إلى مشاعر هادئة تؤسس لعلاقة طويلة الأمد، فالمشاعر العاطفية العنيفة التي تزعزع الاستقرار النفسي أمر مرهق للغاية خاصة إذا كان معظمها مبنيا على الخيال والمبالغة في تأويل سلوك الآخر.و رغم ذلك فمشاعر الرجل صادقة و حبه من اول نظرة جنوني رغم كبريائه و عدم انصياغه للضغط على محبوبته .
ولسوء الحظ، تقول فاطمة الزهراء إن مقولة “إن الحب أعمى” هي مقولة دقيقة تماماً، وربما تكون كلمة “انبهار” أو “افتتان” هي التعبير الأكثر الملائم لوصف المرحلة الأولى من العلاقة الرومانسية؛ فنحن نميل في خضم وقوعنا أسرى لجاذبية الطرف الآخر في اللقاء الأول أو اللقاءات التي تحدث في المرحلة الأولى من الحب، إلى وضع بعض الرقع السوداء أو نغض الطرف عن بعض النقائص في الشخص المقابل، فنرى ما نريد أن نراه فقط ونصدق ما نود تصديقه وكأننا نجمع الحجج والبراهين على أن ما نراه أمامنا هو الحلم الذي طالما راودنا.
وعلى الرغم من صعوبة اتخاذ موقف محايد ازاء أي علاقة عاطفية وهي لا تزال في أوج مرحلة الافتتان، فإن متخصصين ينصحون بضرورة توخي الحذر في الاختيار قدر الإمكان واختبار بعض نقاط الضعف والقوة في الشخص الثاني في العلاقة، قد يكون بطرح بعض الأسئلة مثل؛ هل سنحترم هذا الشخص ونستمتع بصحبته في علاقة طويلة الأمد حتى بعد أن تتوارى جاذبيته الجسدية؟ فإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن العلاقة ستبنى على أساس ضعيف خاصة في ما يتعلق بالتوقعات المستقبلية وفرصة خوض تجربة قد تسبب الألم والإحباط للطرفين.
وهناك أيضا بعض التساؤلات التي يمكن أن تدور في مخيلتنا مثل؛ هل يشاركنا هذا الشخص قيمنا التي نؤمن بها؟ هل يمتلك قيما تتعلق بالأمانة وأهمية العمل الشريف مثلا؟ فإذا كان الجواب سلبا فسنكون بين خيارين؛ إما بخوض صراع مستمر بسبب تعارض القيم والمفاهيم، وإما الوصول إلى نهاية سريعة. ثم يراودك سؤال أكثر أهمية مثل، هل يمتلك هذا الشخص أهدافا وطموحات مستقبلية؟ وهل ستشكل هذه الأهداف أي أهمية بالنسبة لنا تستحق أن تقدم له الدعم من أجلها؟ إذا كان الجواب لا، فإن هذا الشخص لا يبدو مناسبا لنا.
ولعل الأمر الذي يبدو أكثر أهمية من ذلك، أن تسأل نفسك: هل يعامل هذا الشخص الآخرين سواء أكانوا أفراد أسرتك، أصدقاوك أو الغرباء، باحترام وبصورة تناسبك ولا تسبب لك الحرج؟ فإذا لم يكن كذلك، فهذا مؤشر على الشكل الذي ستتخذه علاقته بك في المستقبل، فمن دون احترام متبادل بين طرفي العلاقة فإن أي مشاعر حب تبدو باهتة.