الانتخابات الجزائرية: خروج من النفق أم انحدار إلى المستنقع
لم تتأخر العديد من الشخصيات الحزبية والمستقلة كثيرا في التعبير عن نيتها خوض غمار الاستحقاق الرئاسي، بعد إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، رغم عدم تكافؤ الفرص والغموض الذي يلف الاستحقاق الرئاسي في الجزائر.
وأصدر بوتفليقة الجمعة مرسوما حدد بموجبه 18 أبريل القادم، موعدا لانتخابات الرئاسة وذلك وفقا للمادة 136 من القانون الانتخابي الذي يقضي بضرورة صدوره 90 يوما قبل تاريخ الاقتراع.
ووفقا للمادة 140 من القانون الانتخابي، فإن صدور مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة يعني فتح باب تقديم الترشيحات للمحكمة الدستورية، لمدة 45 يوما. ويجب أن يجمع المرشح ما لا يقل عن 600 توقيع (توكيل) على الأقل للمنتخبين عبر 25 ولاية، أو 60 ألف توقيع لمواطنين في سن الانتخاب في 25 ولاية، على أن لا يقل العدد عن 1500 توقيع في الولاية الواحدة.
وعبّرت عدة شخصيات سياسية عن رغبتها في خوض سباق الانتخابات الرئاسية، التي تقرر تنظيمها في الـ18 من شهر أبريل القادم، فمباشرة بعد تصديق الرئيس بوتفليقة، على مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، تحسبا للانتخابات الرئاسية، أعلن رئيس حركة الشباب والتغيير (غير معتمدة) رشيد نكاز، في تسجيل على صفحته الرسمية، بأنه قرّر خوض السباق الرئاسي، والشروع في جمع التوقيعات قريبا.
وجاء قرار نكاز، لينضاف إلى إعلانات مماثلة كشفت عنها عدة شخصيات حزبية ومستقلة في وقت سابق، عن نيتها في دخول السباق، على غرار رئيس جبهة المستقبل عبدالعزيز بلعيد، ومنسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس، والنائب البرلماني السابق طاهر ميسوم، ورئيس حزب الجزائر للعدالة والبناء عبدالرحمن الهاشمي هنانو.
ولم تتأخر ردود فعل حركة مجتمع السلم الإخوانية (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) حيث تمت دعوة أعضاء مكتبها الشوري بشكل عاجل للانعقاد في مقر الحركة، وألمح بيان الحزب إلى خوض الإخوان سباق الانتخابات الرئاسية بمرشحها الخاص، والذي سيكون رئيسها عبدالرزاق مقري. وهو الخيار الذي سيدخل الحركة في منافسة مع مرشح السلطة، بعدما كانت داعمة له منذ 1999، وقبلها بقبول فوز الرئيس السابق اليامين زروال، على حساب مرشحها محفوظ نحناح، في انتخابات 1995، ونقل حينها عن مرشح الإخوان، بأنه “يذعن للأمر الواقع لأنه لا يريد تكرار تجربة الماضي”، في إشارة إلى الأزمة السياسية والأمنية التي أفرزتها عملية إلغاء المسار الانتخابي عام 1991 من طرف المؤسسة العسكرية، بعد اجتياحها من طرف إسلاميي جبهة الإنقاذ المنحلة.
وفي بيان للنائب البرلماني حسن عريبي، من جبهة العدالة والتنمية انتقد بشدة مواقف الحزب الإسلامي، وأبدى “تشفيا”، في فشل مشروع التمديد والتأجيل الذي روّجت له حركة مقري، عبر مبادرة التوافق الوطني، وأعاد التذكير بما أسماه “انقلاب حركة مجتمع سلم على مواقفها وتحولها من حزب معارض في تكتل تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، إلى مفاوض للسلطة”.
وكان رئيس حركة مجتمع السلم، قد كشف في تصريحاته الأخيرة، بأنه “التقى في عدة مرات مع شقيق الرئيس ومستشاره الشخصي سعيد بوتفليقة، وبحث معه مسألة تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما أثار موجة انتقادات ضد عبدالرزاق مقري، على خلفية السماح لشخصية لا تحمل أي صفة رسمية في مؤسسات الدولة أن تتناول الشأن العام في دوائر غير شرعية، وهو ما برره بكون الرجل كان مفوضا من طرف رئيس البلاد، وأن حركة مجتمع سلم طلبت اللقاء مع الرئيس وهو حر في من يفوضه للحديث معنا”.
ورغم تحفظ القوى السياسية الفاعلة والشخصيات المستقلة الوازنة، على الإدلاء بأي موقف إلى حد الآن، تجاه تأكيد إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وعدم المساس بالدستور لتمرير أي خيار آخر، فان تعمد الرئيس بوتفليقة، عدم الكشف عن موقفه بالترشح أو عدمه، واختياره أسلوب تمديد الترقب إلى غاية المهلة القانونية لإيداع ملفات الترشح، يبقي المشهد تحت طائلة الانتظار وعدم المغامرة بالدخول في لعبة مغلقة.
وتعززت مؤشرات الولاية الخامسة لبوتفليقة بالبيانين اللذين أصدرهما الحزبان المواليان للسلطة (التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر)، عقب الإعلان عن استدعاء الهيئة الناخبة، حيث عبّر كل من أحمد أويحيى وعمّار غول، عن ارتياحهما للقرار ودعيا الرئيس بوتفليقة “للترشح لولاية خامسة”.
ومع ذلك يستبعد الحقوقي والناشط السياسي مقران آيت العربي ترشح بوتفليقة، ويعتقد أن “الرئيس الجزائري المريض لن يخوض الاستحقاق القادم، لأسباب صحية قاهرة تحول دون أداء مهامه الدستورية، وأن السلطة القائمة والأجنحة النافذة ستتفق على شخصية لخوض السباق، وستتجند لإنجاح الموعد كما تجندت مع بوتفليقة”.
ويضيف “استبعد أن يتم الذهاب في خيار التوريث، لأن الارتدادات ستكون قوية والتبعات خطيرة، وأن بوتفليقة سيذهب إلى بيته العائلي بعد انتهاء الولاية الحالية لقضاء باقي أيامه”.
ويرى متابعون بأن الطامحين لخوض الاستحقاق الرئاسي، يقدمون خدمة مجانية للسلطة، من خلال شرعنة الاستحقاق الانتخابي، وإضفاء الطابع التنافسي عليه، رغم عدم التكافؤ الواضح بينهم وبين مرشح السلطة سياسيا وشعبيا ولوجيستيا وحتى ماليا، ورغم إدراكهم للمسألة إلا أنهم يصرون على ذلك، لبلوغ أهداف يقل سقفها بكثير عن طموح شغل قصر المرادية.
ورغم ذلك تبقى التشريعات الناظمة للاستحقاقات الانتخابية، عائقا أمام بعض المرشحين المقيمين في المهجر أو الحاملين لجنسية مزدوجة، لأن قانون الانتخابات يفرض الجنسية الجزائرية الأصلية والوحيدة للمترشح، والإقامة لعشر سنوات على الأقل على التراب الوطني، وهو ما سيقصي بعض الشخصيات من السباق، على غرار رشيد نكاز وعبدالغني مهدي.