الخاطبة الإلكترونية”.. الزواج بطريقة عصرية
زاد استخدام تكنولوجيا الاتصال في التواصل مع الجنس الآخر كثيرا في عصرنا، بل أصبحت الإنترنت وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الزواج والتعرف على الآخر، خاصة مع ارتفاع سن الزواج للشباب والفتيات على حد سواء، فالخوف من العنوسة دفع الكثير من الشباب والفتيات إلى البحث عن طرق مبتكرة للتواصل مع الآخر والإيقاع به للزواج، أو خداعه عند أصحاب النفوس المريضة.
تشير إحدى الدراسات الحديثة، إلى ارتفاع أعداد الفتيات اللاتي ينتظرن الزواج وصلت النسبة إلى 5 .24 بالمئة من السكان .
هذه الأرقام لم تكن مفاجأة، خصوصا أن أقرب الإحصاءات إلى الواقع تشير إلى وجود ما يقرب من 5 ملايين شاب وفتاة في انتظار قطار الزواج، الأمر الذي أثار الخوف داخل قلوب الفتيات، تحسبا لوصفهن مستقبلا بـ”العوانس”. الأرقام نفسها حدت بالبعض إلى استثمار المشكلة، وإقامة مشروعات تعتمد في الأساس على تحقيق الربح المادي، ومضمونها تقديم خدمة لراغبي الزواج، وأغلب هذه المشروعات اتخذت لنفسها مقرا، وأطلقت على واجهته “مكتب لراغبي الزواج”. لكن هذه الطريقة لم يكتب لها الاستمرار والنجاح، نظرا إلى ارتفاع التكاليف، التى يجب أن تدفع عند ملء الاستمارة الخاصة بالتعارف.
ومع التطور التكنولوجي، واتساع نطاق استعمال شبكة المعلومات الدولية الإنترنت فكر البعض في إقامة مواقع تخدم راغبي الزواج، حيث تحقق للمترددين عليها جميع سبل الاتصال والتعارف وكتابة البيانات وإرسال الصور الشخصية، دون تحمل مشقة الانتقال أو التكاليف الإضافية، كما في الوسائل الأخرى.
وأغلب الحالات التي تعاملت مع هذا النظام أكدت أن الفكرة ناجحة، إلا أن بعض الفتيات كان لهن تحفظ، وفي هذا الإطار تقول ماجدة 24 سنة: “نظرا إلى شغفي الشديد بالإنترنت، أنا وصديقتي كنت أتحدث مع بعض الشباب من خلال موقع الدردشة، وطلب مني أحدهم مقابلتي، وبالفعل التقيته، فطلب مني الزواج، لكنني لم أعجب به، لكن “الإنترنت” أتاح لي فرصة، ولو كان هناك نصيب لكان الأمر سيختلف”. وتعترض خلود على الزواج بهذه الطريقة قائلة: “من الممكن أن تكون طريقة للتعارف فقط، وإذا توطدت العلاقة بعد فترة من الممكن أن تكلل بالزواج. لكن أن يتم الزواج مباشرة، فهذا خطأ، لأن أحد الطرفين من الممكن أن يغرر بالطرف الآخر ويخدعه ببيانات غير صحيحة”.
ويرى سعد ، الطالب في كلية التجارة، أنه نظرا إلى ظروف الحياة الصعبة وارتفاع سن الزاوج لدى كثير من الشباب، لجأ البعض منهم إلى “الإنترنت” كخاطبة عصرية إلكترونية، لا تكلف الخاطب شيئا “فكل الطرق متاحة الآن للفوز بالزوج المناسب، بشرط أن تتم الأمور في إطار علني وواضح، تحسبا “لمقالب” بعض الشباب المستهترين”. ويدلل على كلامه بقوله: “تمت إحدى الخطوبات بالفعل عن طريق “الإنترنت” بين شاب مغربي مثقف وفتاة ألمانية، وتم الزفاف، وأظن أنه لا مانع لدي مطلقا من أن أتزوج عن طريق “الإنترنت”، فهي طريقة مبتكرة، وهذه المواقع الآن، تشترط على مستخدميها التزام الأدب والأخلاق، وعدم التحدث بألفاظ بذيئة، وإلا سيتم إسقاط العضوية في الموقع. لذلك ينصح الموقع الأعضاء بعدم الإفصاح عن أرقام هواتفهم إلا إذا شعروا بالراحة والأمان تجاه الأشخاص الذين يتصلون بهم”.
وعلى الرغم من أن بعض الشبان أكدوا أن الفكرة طريفة وعصرية، إلا أن عددا من الفتيات أشرن إلى أن الزيجات التي تتم عن طريق مواقع الزواج أغلبها فاشل، لأنها تقف عند حد التعارف. وقد أرجع بعضهن السبب في هذا إلى محاولة كل طرف دائما الظهور بكل الصفات الجميلة.
وتقول فتاة رفضت ذكر اسمها: “لم أتوقع أن يحدث لي كل هذا الأذى في مشاعري، خاصة أنها التجربة الأولى في حياتي، حيث تعرفت على شاب أوهمني بكل معاني الحب والهوى، فتوسمت فيه الخير ورحت أراسله وأبادله الأشواق، دون أن التقيه، نظرا إلى تشدد والدي في هذه الأمور. وبعد إلحاح منه استسلمت لطلبه وذهبت لمقابلته، وهناك اكتشفت أنه كان يلعب بي ويريد أن يغدر بي”.
ويدافع محمود ، موجز حقوق، عن الشبان قائلا: “الفتيات هن السبب في كل المشكلات، فكل واحدة منهن تحاول جذب الشبان إليها، بكل الوسائل المتاحة للإيقاع بهم في قفص الزوجية”. ويقول شوقي ، الاختصاصي الاجتماعي في التوجيه الأسري: “على الرغم من رفضي مصطلح العنوسة، لكن نظرا إلى ارتفاع سن الزاوج لجأ الكثيرون إلى حلول واقعية تخرجهم من المأزق، حيث اتجه البعض إلى الإعلان في المجلات والصحف، ولجأ آخرون إلى مواقع الإنترنت، التي أصبحت مزارا سواء للتعارف أو لاختيار شريك الحياة. لكن المشكلة تكمن في ما بعد هذه الخطوة، لأن البعض يأخذ المسألة مراهنة أو دعابة، ما يعرض كثيرا من الفتيات، إلى أزمات نفسية طاحنة عند اكتشاف الحقيقة. والأخطر من ذلك هو تدوين بعض الشبان في بطاقاتهم كلاما يخدش الحياء عن المواصفات التي يريدونها في الفتاة، ويساعدهم على ذلك عدم وجود أية جهة رقابية على الشبكة.
ويؤكد: “لا نريد من الشبان خلق دائرة للاتصال، لذلك أقترح أن يتم اللقاء بعد الاتصال في مكان عام، على أن يرافق الفتاة أحد أفراد أسرتها”. ويواصل، “أما عن نظرة المجتمع إلى ما يحدث الآن، فإنني أؤكد أن حياة الفتاة أصبحت مختلفة، قياسا بالتطور، الذي يشهده هذا العصر، كما أن الوسيلة تشبه الخاطبة ولكن بصورة عصرية”.
ويقول الدكتور أحمد البارودي أستاذ علم الاجتماع عن هذه الظاهرة، بأنها أصبحت عادية جدا بل إنها تسهل الأمور وتساهم في حل المشكلات للباحثين عن الزواج.
ويضيف منصور: لاشك أن من أهداف التكنولوجيا الحديثة رفاهية الإنسان أو المستخدم ومن أهم أدوارها في المجتمع حل المشكلات، ولذلك أصبح من السهل للشباب أو كل من يرغب في الزواج أن يختار الوسيلة التي يمكنه أن يتواصل بواسطتها مع الآخر أو المواقع الخاصة بذلك. وأعتقد أن هناك زيجات نجحت والتجربة لاقت قبولا من أفراد المجتمع، ولذلك أصبحت الغالبية العظمى من الأفراد تقبل على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يبحث الشبان عن الصداقات ويتبادلون الوعود والمواعيد للقاء، وقد يكون هناك بعض من العابثين أو الفاسدين يحلو لهم الكذب والغش والخداع، ولذلك قد يصاب البعض بالإحباط ويعتبر أن التجربة فاشلة ولا يكررها، وهناك من يواصل إذا كان حقا صادقا في نواياه. وأنا أعرف شخصيات كثيرة عشت معها التجربة واستطاعت التواصل مع المواقع الخاصة بالزواج ونجح البعض في الاختيار وأسس حياة وأسرة، وأنا لا أرى مانعا في ذلك، فالطريقة ليس فيها ما يستوجب الرفض أو المنع بل يجب أن نشجعها مع الحذر الشديد من العابثين.
الدكتورة سميرة أستاذة علم النفس تقول عن هذه التجربة: نحن في مجتمع تحاربه المشاكل وتحاصره الأزمات الاقتصادية دائما ويقف الشاب حائرا لا يعرف كيف يبدأ حياته ويؤسس بيتا وأسرة. والاختيار صعب للبحث عن شريكة الحياة، وأصبحت سمة العلاقات بين الجنسيين عدم الشعور بالأمان والمصداقية.
ولذلك نشأت فكرة الزواج الإلكتروني ولا يمكن أن أعتبرها ناجحة لأن لها جوانب سلبية كثيرة لا يمكن معرفتها، فالشاب يختار عن طريق البيانات والصور وأمامه المعلومات، ولكنه لا يعرف الإنسان أو الشخص الذي سوف يرتبط به لا يعرف أفكارة أو عالمه النفسي أو تاريخ حياته. وقد يكون اللقاء صعبا والاستمرار أصعب من ذلك، وقد يتراجع أحد الطرفين إذا اكتشف معلومة سيئة عن الآخر، ولذلك أرى أن دراسة الجانب النفسي هامة جدا للتواصل معا. وقد لا تسمح الظروف بلقاء بين الشخصين المقبلين على الزواج وغالبا ما ينتهي الأمر باليأس أو الفشل.