نقلة نوعية في الآفاق التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي
أزال الاتحاد الأوروبي آخر العقبات التي كانت تنغّص أحيانا العلاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة بين الطرفين، والتي تضع المغرب في أعلى مراتب الشراكة مع التكتل الأوروبي.
ورجّح محللون أن يؤدي تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة على ضم الصحراء المغربية إلى الاتفاق التجاري الواسع بين الطرفين، وأن يحرّك الملفات العالقة ويؤدي إلى فتح جميع أبواب التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين.
وكانت الطبقة السياسية الأوروبية حازمة في حرصها على العلاقات الخاصة مع المغرب، لكنها كانت تتعرض لمشاكسات من بعض الأطراف والمنظمات التي تطالب باستثناء منتجات الصحراء المغربية من الاتفاق التجاري. ويتضح ذلك في تزامن التصويت مع زيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى الرباط، والتي أكدت أن التصويت يعلن “مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية” بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
وحصل قرار البرلمان الأوروبي على تأييد 444 صوتا مقابل 167 صوتا معارضا، وهو ما يمثل دعما سياسيا لسيادة الرباط على إقليم الصحراء المغربية.
ويفتح ذلك التحول الأبواب أمام المصادقة النهائية للبرلمانين المغربي والأوروبي على تجديد اتفاق الصيد البحري المنتهية صلاحيته في 14 يوليو الماضي، والذي وقعه الجانبان في يوليو الماضي.
وتعني مصادقة النواب الأوروبيين الذين كانوا مجتمعين في ستراسبورغ “تمديد التعريفات الجمركية التفضيلية التي يحصل عليها المغرب لتشمل جميع أراضي الصحراء المغربية”. ويرى محللون أن موقف الرباط الحازم أجبر الاتحاد الأوروبي على إزالة تلك الشوكة الكبيرة التي طالما أثارت توترات بين الجانبين. ويمثل القرار ضربة سياسية شديد لمزاعم جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء المغربية، والتي تدعمها الجزائر.
وتزول بذلك آخر العقبات التي كانت تعرقل مصادقة المجلس الأوروبي على الاتفاقات الخاصة بمنتجات الزراعة وصيد الأسماك.
وقالت موغيريني إن النص الذي تم التصويت عليه يوم الأربعاء يتيح تعديل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ليشمل الصحراء المغربية، ويزيل عقبة رفض محكمة العدل الأوروبية في عام 2016.
وعبّرت عن قناعتها بوجود آفاق واعدة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. وأكدت على أهمية دور المغرب في منطقة المغرب العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، وعلى صعيد القارة الأفريقية والذي تكرس بعد عودته إلى عضوية الاتحاد الأفريقي.
وكان الأمر معقدا لأن الاتحاد الأوروبي لم يكن يعترف بسيادة المغرب على هذا الإقليم الصحراوي منذ رحيل المستعمرين الإسبان في منتصف سبعينات القرن الماضي.
وأكد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني أن مصادقة البرلمان الأوروبي ستؤثر إيجابا على عدد من الاتفاقيات الأخرى، في مقدمتها اتفاق الصيد البحري. وأضاف أن أهميتها تكمن في إدراج الأقاليم الصحراوية الجنوبية صراحة ولأول مرة في الاتفاق لتكون لها التفضيلات نفسها التي تتمتع بها جميع أقاليم وجهات المغرب.
وأشار إلى المؤهلات التي يتوفر عليها المغرب والتي تؤكد مكانته كشريك أساسي للاتحاد الأوروبي والمرتبطة على الخصوص بالاستقرار الأمني والسياسي والدينامية التي تطبع الاقتصاد الوطني وسياسة الانفتاح في العلاقات الخارجية والتجارية.
وذكّر بيان صادر عن العثماني وموغيريني بجودة علاقات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي وبمستوى التنسيق المستمر بين الطرفين بخصوص مجموعة من الملفات الحيوية ذات البعد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
وقال وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة إن مصادقة البرلمان الأوروبي على الاتفاق “تُظهر أن المغرب يُعد شريكا هاما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وتؤكد أنه يأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للمغرب”. وأكد النواب الأوروبيون في نص القرار أن الرسوم التفضيلية التي كانت تحظى بها الصحراء المغربية بين عامي 2013 و2016 كان “لها تأثير إيجابي” على التنمية الاقتصادية، في تأييد صريح لما كان يقوله المغرب على الدوام.
ومن المتوقع أن يؤدي تصويت البرلمان الأوروبي إلى انعطافة كبيرة في مسار إيجاد حل لقضية الصحراء ويقوّض موقف جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم المغربي.
وكانت المباحثات بين المغرب وجبهة البوليساريو قد استؤنفت في ديسمبر الماضي لأول مرة منذ عام 2012، ومن المقرر أن تستأنف اللقاءات مجددا بداية العالم الحالي برعاية الأمم المتحدة. ويعتبر المغرب الصحراء المغربية جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته. وترفض البوليساريو هذا الاقتراح وتطالب بإجراء استفتاء حول تقرير المصير.
وتوجه الشركات العالمية أنظارها إلى المغرب كبوابة للاستثمار في قارة أفريقيا بفضل تغلغل نظامه المصرفي واستثماراته في معظم أنحاء القارة.
ويتمتع المغرب بعلاقة خاصة مع الاتحاد الأوروبي، وقد تحول في السنوات الأخيرة إلى قبلة للاستثمارات الأوروبية وخاصة في صناعات السيارات والطيران والتكنولوجيا المتقدمة بفضل حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي يتمتع بها، إضافة إلى سلسلة من التشريعات التي عززت مناخ الاستثمار.