تأنيث الجهاد في أوروبا لإنتاج جيل جديد من المتطرفين
تسترعي ظاهرة “تأنيث الجهاد” في أوروبا اهتمام الحكومات والباحثين، إذ يلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك تحولا لدى التنظيمات الجهادية نحو استقطاب النساء وتجنيدهن في صفوفها، كطريقة جديدة للتحايل على الأجهزة الأمنية من جهة، ومن جهة ثانية كوسيلة ناجعة لتسريع الاستقطاب في صفوف الذكور والإناث، بالنظر إلى قابلية هؤلاء للإنصات أكثر إلى الخطاب الصادر عن المرأة، وقدرة هذه الأخيرة على التكيف مع المستجدات.
وفي هذا الصدد صدرت قبل أيام دراسة علمية مهمة في إسبانيا تحت عنوان “أنماط وعلامات التطرف النسائي داخل التنظيمات الإرهابية ذات التوجه الجهادي في إسبانيا”، أعدها الخبيران الإسبانيان دافيد كاريغا، المتخصص في علم الجريمة ورئيس “مركز تحليل المعلومات والأمن الجماعي” وعضو “وحدة رعاية ضحايا التطرف العنيف”، وأريانا تريسباديرني، الباحثة في علم الجريمة والناشطة في قضايا الإدماج الاجتماعي.
وقد لاحظت الدراسة، التي كانت ثمرة مقابلات أجراها الباحثان مع عدد من النساء المعتقلات ضمن ملفات التطرف والإرهاب، أن غالبية النساء اللواتي تم اعتقالهن في إسبانيا تتراوح أعمارهن ما بين 19 و25 سنة، وهي المرحلة العمرية الأنسب بالنسبة للجماعات الإرهابية للاستقطاب، وهن في غالبيتهن غير متزوجات ومن دون أولاد، وينتمين إلى الجيل الثالث من المهاجرين، الذي يعيش تمزقا على مستوى الهوية يؤدي به إلى حالة من التدين ذات طبيعة متشددة.
ورأت الدراسة أن هناك نوعا من التقسيم على مستوى الوظائف، بحيث أشارت إلى أن الغالبية العظمى من النساء اللواتي يعملن في إطار التجنيد هن من جنسية مغربية، بينما غالبية اللواتي يتم تجنيدهن هن من جنسية إسبانية. وفي ما يتعلق بالجنسية ذكرت الدراسة أن 60 بالمئة من النساء لديهن الجنسية الإسبانية، وأن 56 بالمئة منهن ولدن في إسبانيا، بينما 65 بالمئة مقيمات داخل التراب الإسباني وينتمين إلى سبتة ومليلية على وجه التحديد.
وينهض هذا المعطى الأخير دليلا على تداخل التطرف بقضايا الهوية، إذ تشعر المنتميات إلى هاتين المدينتين بعدم الانتماء الهوياتي إلى الثقافة الإسبانية، وبحالة من فقدان الجذور. وخلافا للذكور، فإن النساء المعتقلات في ملف الإرهاب ليست لديهن سوابق جنائية، وقد جرى اعتقالهن في مدن كتالونيا وفالنسيا والأندلس وسبتة ومليلية.
وقالت الدراسة أيضا إن 34 بالمئة من هؤلاء النساء لهن الجنسية المغربية، 39 بالمئة منهن من مواليد المغرب. وفي ما يتعلق بالمتحولات، أي اللواتي اعتنقن الإسلام دون أن يكون لديهن أيّ روابط عائلية من أصول مسلمة، فقد لاحظت الدراسة أن نسبتهن هي 13 بالمئة. وهذا مؤشر آخر على تزايد أعداد المتحولات إلى الإسلام داخل الجماعات المتطرفة في أوروبا، إذ أصبح عددهن يرتفع عاما بعد آخر، ليس فقط في إسبانيا بل في بلدان أوروبية عدة.
وجود النساء في التنظيمات الجهادية بأوروبا يعود إلى التحول في استراتيجية داعش هناك، بعد تراجعه في العراق وسوريا
وقام الباحثان بدراسة مدى ظهور علامات التطرف العنيف لدى هؤلاء النسوة، من خلال مراقبة تغيراتهن الشكلية على مستوى المظهر وسلوكياتهن اليومية، للتأكد مما إذا كن قد خضعن لنوع من التدريب من طرف أتباع تنظيمي القاعدة وداعش.
وقد لاحظ الباحثان أن ثلثي النساء المستجوبات، أي نسبة 66 بالمئة منهن، لديهن ميول متطرفة واضحة. وفي ما يتعلق بالنساء اللواتي كن يعملن في التجنيد فقد لاحظت الدراسة أن غالبيتهن، أي نسبة 60 بالمئة، لا تظهر عليهن علامات التطرف، وأرجعت ذلك إلى استعمال “التقية” والتحلي بالسرية، فيما نسبة 90 بالمئة من النساء اللواتي خضعن للتجنيد ظهرت عليهن علامات التطرف.
وعلى مستوى المظهر الخارجي لاحظ الباحثان أن النساء المعتقلات يرتدين النقاب في الغالب، بينما هناك تنويع لدى الفئة الأخرى بين النقاب والحجاب والبرقع. كما لاحظا أيضا عدم ارتدائهن للمجوهرات أو الحلي النسائية، وغياب الوشم على أجسادهن.
وقال دافيد كاريغا أحد الباحثين اللذين أعدا الدراسة، في حديث مع “العرب”، إن ظاهرة وجود النساء في التنظيمات الجهادية بأوروبا يعود أساسا إلى التحول في الاستراتيجية التي صار يتبعها تنظيم داعش داخل أوروبا، بعد فقدان المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، بحيث أصبح هناك تركيز أكبر على دور المرأة، التي قد تكون أمّا أو زوجة لأحد الجهاديين المنتمين إلى التنظيم.
وقد أدى هذا التحول في استراتيجية التنظيم إلى تحول في موقع المرأة بداخله، إذ لم يعد هذا الموقع “سلبيا” يتجسد في مجرد القرابة البيولوجية بينها وبين جهاديي داعش، بل انتقل إلى موقع “فاعل” يتجسد في الانخراط المباشر في الوظيفة الإرهابية، من خلال التجنيد والتدريب والتحريض.
وقال كاريغا إن التنظيم يرفع شعار “من دون نساء لا يوجد مجاهدون”، ما يعني أهمية المرأة داخل تنظيم داعش في إعادة إنتاج جيل مقاتل جديد، مؤكدا أن لجوء التنظيم إلى تجنيد النساء في صفوفه راجع إلى كونه يسعى إلى “ضمان نجاح أكبر لعملياته الإرهابية”.
وكشف كاريغا أن هناك تحولات أيضا على مستوى الخطاب الجهادي المستعمل من طرف التنظيم لجلب الفتيات والنساء الأوروبيات. ففي الماضي كان التركيز يتم على تحريك العواطف عبر إيقاع الفتيات في غرام أحد الجهاديين، ما يدفعهن إلى الانتقال إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم من أجل ضمان عيش مشترك مع عشيقها المخادع؛ أما اليوم فإن التركيز بات يتم على عنصر الاستقلال العائلي، عبر إقناع الفتيات بالتخلص من سيطرة الأب أو الأسرة وعرض بدائل أمامهن تتمثل في اختيار حياتهن الأسرية والعاطفية بحرية.