تيريزا ماي أمام عدة سيناريوهات لتفادي التراجع عن بريكست
يخشى الأوروبيون كما البريطانيون من تداعيات بريكست على الطرفين والتي ستكون أكثر جسامة في حال الانفصال دون اتفاق، ما يدخل الطرفين في دوامة فوضى غير مسبوقة يصعب التكهن بنتائجها. ولا يستبعد مراقبون العدول عن بريكست نهائيا وهو سيناريو تدعمه بروكسل وتتنامى شعبيته في لندن.
أصدر مجلس اللوردات البريطاني توبيخا لاذعا لاتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي وحذر من مخاطر الخروج دون اتفاق، وذلك في تصويت على إجراء بشأن رفض الاتفاق جرى تمريره ليل الاثنين ورفض الاتفاق 321 عضوا مقابل 152 صوتا، فيما حسم مجلس العموم ( البرلمان) أمره بخصوص الاتفاق.
وحذر أعضاء في مجلس اللوردات من أن اتفاق ماي مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يضر بالازدهار الاقتصادي لبريطانيا وكذلك الأمن الداخلي والنفوذ العالمي.
وتتوقف آمال ماي في إنقاذ الاتفاق على حجم خسارتها، فإذا تمكنت من تضييق نطاق الهزيمة المتوقعة ستطلب على الأرجح من بروكسل تقديم المزيد من التنازلات على أمل الحصول على موافقة البرلمان على الاتفاق في تصويت آخر.
ولكن انتهاء هذا التصويت بنتيجة مهينة قد يجبر ماي على تأجيل خروج بريطانيا المقرر من الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس وربما يفتح المجال أمام خيارات أخرى تتراوح بين إجراء استفتاء آخر أو ترك الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
وقال دومينيك راب، الذي استقال من منصب وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي في نوفمبر احتجاجا على خطط ماي، إن الوقت قد حان للتحضير للخروج دون اتفاق وهو ما يخشى العديد من أصحاب الأعمال أن يثير الفوضى في شركاتهم.
وقال لراديو هيئة الإذاعة البريطانية “حان الوقت لنا من خلال هذا التصويت لتوضيح، ليس فقط أن الشروط الراهنة غير مقبولة، ولكن (أيضا لتوضيح) أننا لن ننفض أيادينا” من هذا الأمر.
وتبادلت ماي وزعماء الاتحاد الأوروبي تقديم الضمانات بشأن اتفاق الخروج الاثنين في إطار أعمق أزمة تشهدها بريطانيا في نحو نصف قرن لكن ذلك لم ينجح في استمالة أعضاء البرلمان الرافضين للاتفاق.
ويقول الكثيرون من أعضاء حزب المحافظين الذي تنتمي إليه ماي إن الاتفاق الذي تفاوضت عليه سيعطي بروكسل سلطات كبيرة خاصة فيما يتعلق بسياسة تأمين متفق عليها لتجنب عودة مشكلات على الحدود في أيرلندا.وأبلغ الاتحاد الأوروبي ماي بأنه سيفي بالتزامه بإيجاد سبل لتجنب تنفيذ الترتيب الخاص بأيرلندا.
وكانت ماي قد حذرت من أنه دون هذا الاتفاق سيكون احتمال عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي هو المرجح على الخروج دون اتفاق.
وقالت كذلك إن رفض البرلمان للاتفاق قد يكون من نتائجه تفكك البلاد وحذرت حزب المحافظين من السماح لحزب العمال اليساري المعارض بالمسك بزمام المبادرة.
ورفضت ماي التزحزح من موقفها بشأن الاتفاق رغم الانتقادات من جميع الجبهات.
ووحد الاتفاق، الذي يتضمن الإبقاء على روابط اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، الأطراف المعارضة التي تضم النواب المؤيدين للاتحاد الأوروبي الذين يرون أن الاتفاق أسوأ خيار ممكن وأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي الذين يقولون إن الاتفاق سيجعل بريطانيا دولة تابعة.
وبما أن الخروج دون اتفاق هو الخيار الرئيسي في حال انهزمت ماي في التصويت على الاتفاق، يخطط بعض النواب لمحاولة سحب السيطرة على مسألة الخروج من يد الحكومة.
ولكن رغم ضعف ماي ما زالت لدى السلطة التنفيذية سلطات كبيرة، خاصة في أوقات الأزمات، لذلك ليس من الواضح كيف يمكن للبرلمان انتزاع السيطرة على مسألة الخروج من التكتل.
وقال مصدر حكومي لصحيفة تيليغراف البريطانية إنه سيكون “صعباً بالنسبة إليها الاستمرار” في منصبها إذا فشلت بأكثر من مئة صوت، لكن الوزيرة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان اندريا ليدسوم اعتبرت أن رئيسة الحكومة ليس لديها نية الاستسلام، قائلة إن ماي “ستبقى مصممة على تطبيق هذا الاتفاق”.
ولكن مقابل عداء النواب، لم تتمكن رئيسة الوزراء من استبعاد فرضية إرجاء موعد بريكست بشكل كامل، حيث يحظى هذا الاحتمال الذي يتحدث عنه نواب بريطانيون أكثر فأكثر، بالدعم من الجانب الأوروبي.
وفي ستراسبورغ، تعهّد أكثر من مئة نائب أوروبي الاثنين في مراسلة موجهة إلى البريطانيين، بدعم إرجاء موعد بريكست في حال طلبت المملكة المتحدة ذلك، وإذا كان ذلك يجنّب حصول بريكست من دون اتفاق. وأجمعت الأطراف الثلاثة المؤثرة في اتفاق بريكست، حكومة المحافظين والمعارضة البريطانية وبروكسل، على أن انسحاب بريطانيا دون اتفاق سيكون بمثابة كارثة يصعب التكهن بتداعياتها.
وتتوقع السيناريوهات الأكثر تشاؤما بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، والتي تستند دائما إلى رؤى وتصورات غير محددة، توقفا لرحلات نقل الركاب، وطوابير هائلة عند نقاط الجمارك، ومواجهة الشركات لعراقيل بسبب الفوضى البيروقراطية.
وبخلاف ذلك، فإن قواعد الاتحاد الأوروبي لن تكون بعد ذلك قابلة للتطبيق في بريطانيا، التي سوف تنسحب من ترتيبات مشتركة مثل قواعد الملاحة الجوية المشتركة أو الصفقات التجارية مع دولة ثالثة. وتمثل الحدود البرية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا مشكلة كبيرة، حيث كانت الجهود الرامية إلى إبقاء تلك الحدود مفتوحة في محور مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويمكن أن يواجه المواطنون البريطانيون الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي ومواطنو الاتحاد في بريطانيا حالة من عدم اليقين بشأن أوضاعهم. وحذّر اتحاد الصناعات البريطاني مؤخرا من أن التداعيات الاقتصادية للخروج دون اتفاق “ستكون عميقة وواسعة النطاق ودائمة”.
وقالت المديرة العامة للاتحاد، كارولين فيربيرن في كلمة لها “ستواجه الشركات تكاليف ورسوما جديدة؛ ستتعطل موانئنا، مما يفصل شركاتنا عن المناطق التي تحتاج إليها في إمداد زبائنها”.