بوتفليقة يزيد الشكوك بشأن الانتخابات الرئاسية
أضفى التأخر في الإعلان عن الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية في الجزائر، حالة من التململ والترقب لدى الطبقة السياسية والمتابعين الذين يتطلعون في الساعات الأخيرة، إلى قرار يرتقب صدوره من قبل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، تتم فيه الدعوة لهيئة الانتخابات إلى إعلان موعد محدد للرئاسية القادمة.
أدى تأجيل تسمية أعضاء الثلث الرئاسي في مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية في البرلمان) وتعيين رئيس جديد له، حيث كان هذا الإجراء مقررا الثلاثاء، إلى بروز حالة من الشك في ما تتم بلورته بالدائرة الضيقة في قصر الرئاسة حول المستقبل السياسي للبلاد، خاصة وأن المسألة تزامنت مع تأخر الرئيس في الإعلان عن مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة للاستحقاق الرئاسي.
وتضاربت القراءات حول إمكانية دخول البلاد في فراغ دستوري، مع تأخر الرئيس بوتفليقة في الإعلان عن القرار المذكور، باعتبار أن الولاية الرئاسية الحالية تنتهي في شهر أبريل القادم، وأن الاستحقاق يقبل احتمال إجرائه في دورتين بينهما فترة أسبوعين.
وفيما يذكر خبير القانون الدستوري عمار رخيلة، بأن الأجندة الدستورية لا يزال أمامها تاريخان لإجرائها في الموعد القانوني، هما 18 و25 اللذان يصادفان الخميس من شهر أبريل، وهو ما يوحي إلى أن مرسوم الاستدعاء سيكون في 17 أو قبل 24 من الشهر الجاري، فإن المحلل السياسي منتصر أوبترون، يرى أن نهار اليوم الأربعاء سيكون بداية التنافي مع النص الدستوري، لأنه يصبح من غير الممكن توفر شرط الـ90 يوما بين يوم الاستدعاء ويوم الانتخابات لإجرائها في الموعد القانوني.
وتحدثت تسريبات سياسية، عن مرافقة الرئيس بوتفليقة، لمرسوم استدعاء الهيئة الناخبة بقرارات مهمة، تعيد إلى الأذهان التصريحات التي أطلقتها في وقت سابق رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، وقد يكون حلّ البرلمان، على رأس تلك القرارات لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، لإضفاء جو سياسي آخر على الاستحقاق، بعد توصل السلطة إلى معطيات ميدانية عن عدم مصداقية الاستحقاق الرئاسي بمفرده بسبب عزوف الشارع وتحفظ المعارضة.
وعزا مصدر برلماني، قرار إرجاء تسمية أعضاء الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، إلى رغبة الرئيس بوتفليقة في إضفاء حالة من الصدى السياسي، بإعادة النظر في بعض الأسماء والشخصيات، وأنه استقر على أن يكون مدير ديوان الرئاسة وكبير مستشاريه طيب بلعيز، على رأس المؤسسة المذكورة.
وأكد مصدر سياسي من الموالاة، على أن طرح تنظيم مؤتمر استثنائي لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، خلال الأيام المقبلة، ليس بريئا وهو متصل بأجندة سياسية تتبلور في الخفاء، وذلك من أجل السماح للحزب بالذهاب لانتخابات تشريعية بقوة تنظيمية وهيكلية محكمة.
وأضاف “الرئيس بوتفليقة سيمدد حالة الترقب والانتظار لأسابيع أخرى، لأن صدور مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، لا ينهي الجدل حول مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية، وسيبقى الغموض يلف الموقف لخوضه بالرئيس الحالي للمرة الخامسة، أم بشخصية أخرى يختارها النظام للاستمرار في السلطة”.
وتبقى الاستفهامات تحيط بخروج رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، عن صمته في الآونة الأخيرة، بين من يعتبره تحذيرا من الرجل لقطبي السلطة (الرئاسة والجيش)، لتفادي الانحدار إلى مستنقع انهيار الدولة، وبين من يعتبره تقديم أوراق البديل السياسي للسلطة في المرحلة القادمة.
وسجل رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، انقلابا على مواقفه السابقة تجاه دور المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي للبلاد، ونفوذها في تحديد هوية الرئيس القادم، فبعدما كان في 2014 لا يتوانى في اعتبار الجيش لاعبا أساسيا في تحقيق الانتقال السياسي السلمي في البلاد، بات منذ يومين يحذر من أي تورط للعسكر في الاستحقاق الرئاسي.
وفي مساهمة نشرها في صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، شدد رئيس الحكومة في مطلع التسعينات، على أن “التجارب في الديمقراطيات العريقة أكدت أن تدخل الجيش في المسارات السياسية ينتهي إلى الفشل، ويعيق إرساء مسار الديمقراطية الحقيقية”.
ويعد هذا الخروج الأول لمولود حمروش، أمام الرأي العام منذ عام 2014، حيث سجل حضوره اللافت في ندوة “مزافران” الأولى لتكتل تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، المعارض آنذاك للسلطة وللولاية الرئاسية الرابعة، وأظهر حينها ميولا نحو مرحلة انتقالية من أجل تحقيق انتقال سياسي سلس. ولم تستبعد مصادر مطلعة، أن يكون الرجل قد أوحي إليه بالتزام الصمت بعد خروجه في 2014 ضمن التكتل المعارض لبوتفليقة، تحسبا لأي فرصة، إلا أن صبر الرجل نفد من الانتظار الطويل، ولذلك فإن المستهدف الأول من رسالته، هو مؤسسة العسكر والأطراف التي نصحته بالصمت، رغم أنه دأب على تقديم نفسه في صورة المتعالي على الصراعات السياسية والاستحقاقات الظرفية.
وجاءت تحذيرات مولود حمروش، للمؤسسة العسكرية من مغبة الضلوع في الشأن السياسي، في ظرف تصدرت فيه قيادة المؤسسة ووزارة الدفاع للمشهد المحلي، رغم خطابها الداعي إلى الحياد والتحذير من توريطها في التجاذبات الحزبية، وبالموازاة مع الجدل الذي أثاره الجنرال المتقاعد علي غديري، من خلال دعواته للجيش إلى أداء دوره في إنقاذ البلاد من المأزق السياسي الذي تتخبط فيه، وفي حماية دستور البلاد من الاختراقات. وذكر الرجل في رسالته أن “التجارب والدراسات أظهرت حتى في البلدان العريقة ذات البنية الاجتماعية والديمقراطية، عندما يتم استخدام الجيش كأساس للحكم في وقت ما، فإنه يضر بمهمته وغايته ويفسد علاقته بالمجتمع، ويهدد مفاصله وتنظيمه، ويضعف تماسكه وانضباطه”.
وهو ما يتواءم مع مواقفه السابقة، من “كون النظام السياسي في حالة تآكل داخلي، وأن المنظومة لم يعد بإمكانها إيجاد الحلول اللازمة، وهو ما يلمح إلى شخصه كبديل للسلطة بما يتوفر عليه من مقومات كالانحدار من النظام، ومعاصرته للإصلاحات السياسية وقربه من المعارضة”.