تهديدات هيكلية تواجه الاتحاد الأوروبي

مازالت سنة 2019 في بدايتها، لكن وضع أوروبا فيها يبدو واضحا، من حيث التحديات القائمة والأزمات التي سجلت ذروتها السنة الماضية، وتنذر بتصعيد أكبر هذه السنة.

ويحذر الخبراء من أن للاتحاد الأوروبي، الذي سيفقد نجمة بخروج بريطانيا، قائمة طويلة من التحديات الهيكلية يجب التعامل معها لتجنب الوقوع في فخ الاضطراب السياسي وبطء النمو الاقتصادي في إطار العلاقات المتوترة مع القوى العظمى في العالم.

ويرصد مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية مجموعة من والقضايا التي يجب على القادة الأوروبيين التعامل معها وإيجاد حلول جذرية لها، مشيرين إلى أن هذه الحلول لن تعيد أوروبا إلى ما كانت عليه من قبل، لكنها ستمنعها من المزيد من الانهيار ومن تغيير جذري قد تأتي به موجة الشعبوية الصاعدة.

إلى جانب أزمة انسحاب بريطانيا، تواجه حكومات أكبر أربعة اقتصاديات في منطقة اليورو مجموعة من المشاكل السياسية التي ستحد من مساحة المناورات الداخلية، وقدرة هذه الحكومات على تقديم قيادة متماسكة في الاتحاد الأوروبي نفسه.

في ألمانيا، سيجبر قرار المستشارة أنجيلا ميركل، بعدم الترشح للانتخابات في 2021، أعضاء حكومتها الائتلافية على الاستعداد لبيئة سياسية دونها. وحتى لو نجحت ميركل في إكمال فترة ولايتها، فإن سلطتها داخل الاتحاد الديمقراطي ستضعف تدريجيا أمام خطط الحزب لخلافتها.

في هذه الأثناء، سيسعى الحزب الديمقراطي الاجتماعي إلى إبعاد نفسه من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي يعتبر شريكه في الائتلاف، في محاولة يائسة للتحسين من شعبيته. ويمكن أن يجعل هذا الحكومة الألمانية تعاني من اختلال وظيفي متزايد، مما يقلل من رغبة برلين في إدخال إصلاحات هيكلية على مستوى الاتحاد الأوروبي.

نتيجة لذلك، من غير المرجح أن تتقدم مقترحات لإنشاء نظام مشترك للتأمين على الودائع لمصارف منطقة اليورو أو إنشاء ميزانية كبيرة لها من أجل تحقيق استقرار البلدان التي تعاني من ضائقة مالية، وهو ما يتطلب دعما ألمانيا قويا لتحقيقه، في المستقبل القريب.

الاتحاد الأوروبي يواجه مشاكل كثيرة إضافة إلى خروج بريطانيا
الاتحاد الأوروبي يواجه مشاكل كثيرة إضافة إلى خروج بريطانيا

ولا تبدو فرنسا، القوة الثانية في الاتحاد الأوروبي، أفضل حالا، حيث يجد الرئيس الفرنسي الشاب، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بـ”فرنسا قوية وأوروبا أقوى”، نفسه أمام أزمتين عميقتين، أوروبا ضعيفة ومفككة، وفرنسا غاضبة ومتمرّدة.

تقدم الحكومة الفرنسية عددا من الأفكار لتفعيل الإصلاحات المحلية والأوروبية، لكنها تواجه قيودا، حيث أثبتت معارضة بلدان أوروبا الشمالية قوتها في تخفيف مقترحات باريس بشأن تقاسم أكبر للمخاطر وزيادة الإنفاق في منطقة اليورو. وفي داخل البلاد، كانت احتجاجات السترات الصفراء تدل على استعداد المواطنين الفرنسيين للاحتجاج على أي سياسات اقتصادية يعارضونها.

ستسلط الأضواء نحو إيطاليا أيضا، في 2019. ففي أواخر العام الماضي، ساهمت الحكومة الإيطالية في الضغط على الأسواق المالية للتخفيف من انتقاداتها على اليورو، والتوصل إلى اتفاق مع المفوضية الأوروبية حول خطط الميزانية. لكن عبء الديون الثقيل، والبنوك الهشة والنمو الهزيل، يعني أن الاقتصاد الإيطالي لم يخرج من المرحلة الصعبة.

كما تجد الأحزاب الحاكمة صعوبة في إخفاء خلافاتها الأيديولوجية عند التحاور حول مجموعة من القضايا التي تتراوح من الهجرة إلى مشاريع البنية التحتية.

ومن غير المستغرب أن تؤدي الانتخابات المبكرة إلى زيادة الشكوك حول مستقبل إيطاليا. في غضون ذلك، يعاني رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، إسبانيا، من الكثير من المشاكل الداخلية التي تتراوح بين مشكلة قيادة حكومة أقلية تكافح من أجل إنجاح الأمور، إلى معضلة كاتالونيا.

تحدث هذه المشاكل الداخلية في وقت يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ فيه إجراءات حاسمة بشأن سياسته.

وستدور إحدى المناقشات الأكثر حدّة في القارة، هذا العام، حول ميزانية الاتحاد الأوروبي في السنوات السبع القادمة، والتي يجب أن تدخل حيز التنفيذ في 2021. وستتركز المناقشات على المصالح الإستراتيجية المتنافسة داخل الاتحاد.

وسيدفع أعضاء الاتحاد المستفيدين من الأموال (ومعظمها في أوروبا الشرقية، وجنوبها) لزيادة أو للحفاظ على مستويات الإنفاق الحالية. أمّا المساهمون الآخرون (معظمهم من شمال أوروبا) فسيعملون على تخفيض الإنفاق.

ستؤدي المفاوضات الخاصة بتعيين الأعضاء الجدد في المفوضية الأوروبية والرؤساء الجدد للبنك المركزي الأوروبي والمجلس الأوروبي إلى نزاعات أيديولوجية وإستراتيجية بين حكومات الاتحاد الأوروبي. ويجب متابعة هذه المفاوضات عن كثب، لأن ستحدد مستقبل السياسات الاقتصادية والنقدية للاتحاد الأوروبي.

في السنوات الأخيرة، حققت القوى الشعبوية والقومية نجاحات في العديد من الدول الأعضاء. ويتوقع أن تستمر هذه القوى في التأثير على سياسة الكتلة لسبب بسيط وهو أنّ العوامل التي ساهمت في صعودها مازالت موجودة، مثل انخفاض النمو الاقتصادي والشكوك حول الفوائد الظاهرية للعولمة وتزايد عدم المساواة في الثروة، والهجرة، والتغييرات الديموغرافية، والمخاوف من فقدان السيادة الوطنية. وستستمر هذه القضايا في توفير أرضية خصبة للقوى السياسية التي تشكّك في النظام السياسي والاقتصادي الحالي في أوروبا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: