التحرش الجنسي موروث ثقافي

لا سروال ولا فستان ولا حجاب ولا حتى نقاب يشفع للمرأة العربية وينقذها من قبضة التحرش الجنسي في مجتمعات يربى فيها الذكر على التفكير بنصفه الأسفل قبل عقله، وتلقن فيه المرأة دروسا الطاعة والخنوع لإرادة الرجل وسلطته حتى لو كان متسلطا أو ظالما.

والمدهش أن أكثر المجتمعات التي تتباهى بالتدين هي التي تنتشر فيها أعلى معدلات للتحرش، حيث لا تكاد تنجو امرأة واحدة من هذه الظاهرة، بالرغم من أن الأرقام والإحصائيات والدراسات لا تعكس إلا جانباً بسيطاً من حجم معاناة النساء، وذلك بكل بساطة بسبب التعتيم الإعلامي الذي مازال يحيط بهذه القضية والتكتم الذي تبديه عديد النساء خوفا من “الفضيحة” في المجتمع الذكوري الذي لا يرحم.

إن مشكلة التحرش في هذه المجتمعات التي تلوح بالإسلام دينا لها قد استفحلت بسبب أولئك المنظرين وأصحاب الفتاوى الذين زادوا من الطين بلة وعمقوا الهوة بين الجنسين.

أصبح الرجل لا ينظر إلى المرأة إلا من خلال الجانب الجنسي ويعتبرها دائما مصدرا لتلبية شهواته ونزواته رغم أنها أثبتت تفوقها الفعلي عليه في عديد المجالات، وقدرتها على أن تكون فاعلة لا مفعولا به.

لكن للأسف الشديد، التشريعات الموجودة في أغلب المجتمعات العربية تحقر من قيمة الأنثى وتهمشها وتجعلها دائما في مرتبة دونية، فهي لا تجرم التحرش الجنسي ولا تدينه، بل تتعامل مع المتحرش باستهانة كبيرة طالما أن المتحرش لم يصل فعله إلى درجة الاغتصاب.

وحتى وإن مسك متحرش بالجرم المشهود، وتمت استشارة من يدعون في الدين معرفة، فستكون المرأة من وجهة نظرهم دائما المتهمة وليست الضحية، وتنعت بالمتبرجة والمتفسخة وتنهال عليها الاتهامات من كل صوب وحدب، وترتكز أغلب التحليلات والشهادات على الملابس التي كانت ترتديها لحظة واقعة التحرش.

التحرش من وجهة نظر نفسية لا يرتبط في جميع الأحوال باضطرابات في شخصية الفرد، بل إن ثقافة المجتمع هي التي تغذيه وتسانده ولا تقف ضده.

كما أن الثقافة بكل عناصرها ومضامينها هي التي تحدد السمات الأساسية لأي مجتمع والتقاليد والمبادئ الأخلاقية السائدة فيه، وهذه الثقافة يكتسبها الأفراد والمجموعات عن طريق مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية ووسائل الإعلام المختلفة.

وتعد الأسرة كمؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية أول بيئة تستقبل الطفل، وأقوى بيئة في التأثير على حياته، وفي بناء وتكوين شخصيته وتشكيلها.

وإذا كانت الأسرة تقوم بعملية الإعداد والتهيئة للحياة الاجتماعية، فهي المسؤولة عن عمليات التلقين والتطبيع الاجتماعي للفرد، وهي المسؤولة كذلك عن نقل ثقافة التحرش إلى الأطفال من خلال صمتها على الظاهرة وعدم التطرق إليها مع الأبناء بسبب ثقافة “العيب” المتوارثة من جيل إلى آخر.

وإذا كان المجتمع يؤمن باختلاف أساليب التربية الموجهة للذكور، وأساليب التربية الموجهة للإناث، فإن عملية التنشئة الاجتماعية في هذه الحالة تتم وفق نمطين اجتماعيين مختلفين كثيرا ما تنظر للذكر بأنه الأقوى، وله حق التسلط، في حين أن الأنثى ينظر إليها على أنها الأقل شأنا، ومن ثم ينطبع سلوك كل منهما بطابع خاص يتسم بحالة من الخلل السلوكي في التعامل مع الطرف الآخر.

إن اجتثاث ظاهرة التحرش لا يكون إلا بكسر شوكة الأقطاب الإسلامية المتطرفة التي سممت أفكار المجتمع بفتاوى لا تمت للدين الإسلامي ولا إلى تعاليمه بصلة بل هي نابعة من أصحاب العقول المريضة الذين يبحثون لغرائزهم الحيوانية عن أجساد تحتويها.

من المؤسف حقا أن تنشغل المجتمعات الغربية بالاختراعات وبتشييد الحضارات وننشغل نحن العرب بالبحث عن وعاء لتفريغ شهواتنا وجسد يحتوي غرائزنا الحيوانية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: