التحرش الجنسي
جريمة الاغتصاب الجماعي للسائحتين في المغرب ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها جرائم مماثلة ليس في المغرب وحده بل في العالم العربي كله. وبالتأكيد تعتبر تلك الجريمة من أحقر الجرائم وأكثرها انتهاكا لكرامة المرأة وحقوقها، ولكن يجب التنقيب عن الأسباب التي تدفع لهكذا جريمة.
من خلال عملي كنت أشهد حالات عديدة وكثيرة من اغتصاب الفتيات وبعض الحالات كانت سفاح محارم، لكن تبين لي أن الأسباب تكاد تكون مُتطابقة في كل حالات الاغتصاب.
أولا: يُعتبر الكبت الجنسي الشديد أهم سبب في تلك الجريمة، ففي عالمنا العربي بشكل عام لا يُوجد اختلاط بين الجنسين، ذلك الاختلاط الصحي المُراقب من قبل الأهل والمُدرسين، لا توجد نشاطات اجتماعية ومدرسية تجمع الجنسين معا، لذلك تبقى الفتاة بالنسبة للشاب جنسا آخر، وموضوعا جنسيا فقط، بدل أن تكون شريكته في الإنسانية أولا والأنثى ثانيا، وينطبق القول على الفتيات أيضا إذ يكون الرجل بالنسبة لهن الذكر أو الجنس الآخر وليس الشريك الذي تتبادل معه الأفكار والمشاعر والأهداف.
ثانيا: الإحباط والبطالة والفقر، وهي عوامل أساسية في جرائم من هذا النوع، حيث يتحول الشاب إلى حيوان هائج، تُسيره وتهيمن عليه غريزته الجنسية التي لا يجد وسيلة شرعية وإنسانية في ممارستها، فهو مُحبط وفقير ومُهمش، وغير قادر على تكاليف الزواج، وكل تلك العوامل تجعله يشعر بانحطاط القيمة والحقد اللامحدود على وطن وظروف اجتماعية ومفاهيم دينية تسجنه ضمن قوسي الحلال والحرام، فيتحول إلى كائن عنيف يُفرغ حقده وإحساسه بالتهميش وانعدام القيمة بالاعتداء على الآخرين، وأكبر تجلي لهذا الاعتداء هو الاغتصاب.
ثالثا: وهو الأهم والأكثر إيلاما كون معظم جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب تُدفن في الصمت، ولا يتم التصريح إلا عن عدد قليل جدا منها. ومن خلال ملاحظاتي للمئات من حالات الاغتصاب التي اطلعت عليها، لاحظت أن ثمة تماه ويمكنني القول تطابق بين النظرة الدونية للمُغتصب والفتاة المُغتصبة، أي أن كليهما يُدانان ويُنبذان، ورغم أن الجميع يعرف أن تلك الفتاة ضحية وتستحق الدعم النفسي والتعاطف والتآزر معها، إلا أن تلك المشاعر سطحية، ففي العمق والفعل، لا يريد أحد الزواج منها، حتى أنني تشاجرت ذات يوم مع خطيب فتاة تعرضت للاغتصاب وبدل أن يدعمها خطيبها ويتزوجها، فسخ خطوبته، وقال لي بالحرف الواحد: لن أتزوج فضلة غيري.
اعتبر خطيبته كفضلات الطعام، وبأنه لا يرضى أن يلمس زوجة المستقبل أحد غيره حتى لو كانت ضحية اغتصاب. هذا المفهوم والمتمثل في نبذ المُعتدى عليها شائع جدا للأسف، ويجب أن نعترف بتلك الحقيقة، وألا نكون كالنعامة فندفن رؤوسنا في تربة الجهل والتزوير.
أي عار أن تتساوى الضحية مع الجلاد، أن تتساوى المُغتصبة مع الوحوش الذين إغتصبوها، وأن تصير منبوذة ولا يرغبها أحد في سوق الزواج، بل تُعامل كسلعة فقدت قيمتها. ولا أزال أذكر حالة فتاة في الثالثة عشرة تعرضت للاغتصاب وكانت النتيجة أن زوجوها من رجل في الستين من عمره لأنه يستحيل أن يتزوجها شاب.
إن مكافحة تلك الجرائم المُخزية والمُشينة لا يكون بالصراخ والاحتجاج والشجب بل بتركيز إعلامي واسع وإقامة ندوات مكثفة للدفاع عن كرامة المرأة التي تتعرض للاغتصاب والتركيز على أنها ضحية ولا يجب أن تُدان وينفر منها الشبان الراغبون في الزواج.
والأهم يجب أن تُعالج الدوافع الحقيقية لهذه الجريمة، وذلك بأن تؤمن فرص عمل للشبان ليشعروا بقيمتهم الإنسانية وليجدوا طاقة أمل في تحقيق حلمهم بالزواج وتأسيس أسرة. كم هو صحيح ودقيق المثل القائل: البطالة أم الرذائل.