“ديكسيت” على خطى “بريكست”
كثير من المحرمات بدأت تتهاوى داخل الاتحاد الأوروبي وأصبح من الممكن توقع انعطافة نحو أقصى اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة في الربيع.
أصبحت روما منذ صعود الحكومة الشعبوية بمثابة عرّاب للأحزاب اليمينية الرديفة في باقي الدول وحليف معلن لكافة الحكومات اليمينية في أرجاء أوروبا، بل إن الحديث أصبح علنا اليوم حول محور جديد قد تشكله روما مع وارسو كبديل للمحور الفرنسي الألماني الذي مثّل على مدى عقود قاطرة الاتحاد الأوروبي وخط الدفاع الأول عن المشروع الأوروبي الموحد.
الهدف من هذا الحلف الناشئ، الذي تحدث عنه وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني في زيارته إلى بولندا، هو قيادة ربيع أوروبي جديد ومكافحة البيروقراطية في بروكسل وتعزيز الأمن والإجراءات لحماية الحدود الوطنية.
يضع هذا الحلف القريب أيضا من دول مثل النمسا والمجر وهولندا، ملف الهجرة في صدارة أولوياته كما يسوّق لخطاب يقوم على فكرة تصحيح سياسة “التمييز” التي تنتهجها بروكسل بين دول المركز والأطراف، مستفيدة من خلافات بروكسل السابقة مع وارسو حول إصلاحات قضائية مهددة للنظام الديمقراطي ومع روما بشأن موازنة تتضمن إجراءات شعبوية والمزيد من الإنفاق.
لكن الهدف الأكبر الذي يتطلع إليه الحلف هو الخروج بنتائج تتسق مع طموحاته ومع الزخم الذي تحدثه الأحزاب اليمينية المتطرفة والمناوئة لإملاءات بروكسل في الشوارع، من خلال الانتخابات الأوروبية المقررة في أواخر مايو المقبل.
ليس في وارد الشعبويين، في إيطاليا وبولندا وباقي الحلفاء على الأقل، إضعاف فكرة “أوروبا موحدة” ولكن الفكرة التي تبدو أكثر جاذبية وعملية بالنسبة إليهم هي عملية اختطاف للمشروع الأوروبي. يعتقد سالفيني وحلفاؤه أن الفرصة ستكون مناسبة لتحقيق ذلك عبر صعود الأحزاب اليمينية إلى البرلمان الأوروبي وإضعاف سلطة يمين الوسط واستثمار اهتزاز أدائه في ألمانيا وفرنسا.
قد يشكل صعود اليمينيين في انتخابات الربيع منعرجا تاريخيا للتكتل الأوروبي بعد صدمات الانتخابات الوطنية، ومع ذلك فإن تغيير وجهة المشروع السياسي بالنسبة لحلف روما-وارسو لخدمة المصالح الوطنية والقومية قد يكون من وجهة نظره أسلم من انهياره أو تفككه، وهي تلميحات أصبحت تتردد على الملء في خطابات شعبوية داخل ألمانيا نفسها يقودها الجناح المتطرف لحزب “البديل من أجل ألمانيا”، والذي ينظر له كنسخة مطورة لتيار النازيين الجدد.
وعلى النقيض من تيار سالفيني فإن حزب البديل يطرح خطوة أكثر جرأة وخطورة من خلال مطالبته بـ”ديكسيت”، النسخة الألمانية من “بريكست” البريطانية، من بين النقاط المضمنة في برنامجه الانتخابي. قد تكون الخطوة أبعد ما يكون عن الأمر الواقع في ألمانيا ذات الغالبية المؤيدة تقليديا لأوروبا بنسبة تفوق 50 بالمئة في آخر استطلاع أجراه البرلمان الأوروبي في 2018، غير أن إلقاء الطعم في هذه الفترة وقبل أيام من تصويت البرلمان البريطاني على اتفاق الخروج، قد يدفع نحو نقاش أوسع مماثل في ألمانيا أيضا في فترة لاحقة.
ومهما يكن من أمر فإن حزب البديل الذي حصد نجاحات انتخابية متتالية منذ اندلاع أزمة اللاجئين بدءا من 2015، قد يكون نجح في مرحلة أولى في أن يخترق حاجز التشكيك في الاتحاد الأوروبي، والذي كان حتى وقت قريب من بين المحرّمات داخل ألمانيا.
وبغض النظر عن مآلات الدعوة إلى “ديكسيت” فإن الرأي السائد داخل ألمانيا أن إثارة مثل هذه النقاشات سيؤدي آليا إلى عودة النقاش القديم بشأن الهوية الوطنية وما إذا كان مفيدا فعلا لألمانيا المثقلة بذكريات الحروب، التخلي عن لعب دور القاطرة للاتحاد الأوروبي الذي شكّل الفضاء البديل لعودة اندماج ألمانيا في محيطها الأوروبي والدولي.
وفي كل الأحوال فإن هذا النقاش قد يكون سابقا لأوانه طالما أن الحزب الشعبوي يقترح في برنامجه الانتخابي مبدئيا منح مهلة للمؤسسات الأوروبية من أجل إدخال إصلاحات على مدى خمسة أعوام قبل المطالبة بتفعيل “الديكسيت”. وفي هذه النقطة سيكون البديل الألماني عنصر ضغط إضافي على أنصار “أوروبا موحدة” بجانب ضغوط نجم اليمين المتطرف ماتيو سالفيني.