هروب رياضيين شباب في المنافسات الدولية.. فقدان أمل أم خيانة ثقة

أصبح هروب اللاعبين الشباب المغاربة خلال المشاركة في المنافسات الدولية أو المعسكرات التدريبية الخارجية، ظاهرة مقلقة تهدد مستقبل الرياضة في هذه الدول وخصوصا المغرب، لكن الحد من هذه الظاهرة غير ممكن دون ضمان مستقبل الرياضيين الذين يشتكون من أوضاع مالية واجتماعية سيئة رغم أنهم مازالوا في فترة الشباب والعطاء.

ترتبط النجومية الرياضية والمشاركة في المنافسات العالمية في أي ميدان من ميادين الرياضة، بأذهان الشباب بالمال والشهرة والمجد، وتحقيق حلم لا يستطيع الملايين الوصول إليه، لكن هذه الصورة أبعد ما تكون عن الواقع بالنظر إلى عدد الأبطال الرياضيين المغاربة الذين لجؤوا إلى الهروب خلال البطولات الدولية أو المعسكرات التدريبية الخارجية.

مسألة هروب الرياضيين تحولت في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة شائعة ومألوفة في أفريقيا عموما ومنها الدول المغاربية؛ حيث يفضل العشرات من الأبطال المغامرة بالهجرة غير النظامية إلى خارج البلاد فرادى أو جماعات، ويتصدر اللائحة الطويلة أسماء معروفة لرياضيين من كلا الجنسين.

ويجد بعض الرياضيين الفرصة سانحة لاستغلال البطولات الدولية في الهروب بطريقة غير قانونية في ظل الأوضاع المالية السيئة.

ولا تقتصر الظاهرة على المغرب، حيث هربت لاعبة من بعثة الجزائر المشاركة في دورة الألعاب المتوسطية في إسبانيا، العام الماضي، وفي 2017 عادت البعثة الإيرانية التي تضم مسؤولين من اتحاد اللعبة ورياضيين محترفين، من فنلندا إلى العاصمة طهران من دون المتزلج علي رضا مقديد، بعد المشاركة في بطولة العالم للتزلج.

وكان اللاعبون العراقيون علي عباس وعلي منصور وعلي خضير قد غادروا الفندق الذي ينزل به المنتخب العراقي بسيدني قبل ساعات من موعد عودتهم إلى العراق من تصفيات الآسيوية المؤهلة لدورة الألعاب الأولمبية في بكين 2008.

وتعدّ إسبانيا ملاذ الرياضيين المغاربة للهروب، والأمثلة تعد ولا تحصى في هذا المضمار، ففي 2005، عندما كان المغرب يشارك في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بإسبانيا، قرر حميد بن حمو، بطل ألعاب القوى الهروب من القرية الأولمبية (منطقة تواجد الوفود المشاركة بالبطولة). وبعدها بساعات اختفى 4 أبطال من بعثة “الكاراتيه”، من بينهم فتاتان.

ويضاف إلى ذلك، العديد من الحالات الأخرى لهروب الرياضيين في إسبانيا، والحادثة الصادمة كانت بفرار ثلاثة ملاكمين من معسكر المنتخب المغربي في عام 2015، عند الاستعداد لبطولة أفريقيا التي كانت ستحتضنها آنذاك الدار البيضاء في أغسطس من نفس السنة والمؤهلة للألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو 2016.

أجور متدنية

هروب الرياضيين الشباب لا يقتصر على الألعاب الأقل شعبية، كالمصارعة والملاكمة وفنون الحرب، بل باتت تشمل أيضا كرة القدم والمنتخبات الوطنية
هروب الرياضيين الشباب لا يقتصر على الألعاب الأقل شعبية، كالمصارعة والملاكمة وفنون الحرب، بل باتت تشمل أيضا كرة القدم والمنتخبات الوطنية

قال أحد الملاكمين من داخل معسكر أسود الملاكمة أن ظروفا صعبة يعيشها الملاكمون المغاربة دفعتهم إلى الهروب، موضحا أن الأجر الشهري للملاكم الواحد ضئيل للغاية 3000 درهم مغربي (الدولار الأميركي يساوي 10 دراهم) ولم يحصلوا عليه منذ مدة.

وأضاف أن مصروف جيب العناصر المتواجدة بشيفلد لم يتعد 450 درهما لقضاء فترة 10 أيام، مبرزا أن العناصر التي اتخذت قرار الفرار من المعسكر الإعدادي تعدّ من أهم الأسماء المعوّل عليها لحجز بطاقات التأهل إلى أولمبياد ريو 2016.

وفي يناير 2018، وبينما كان المنتخب المغربي لكرة اليد، يستعد للبطولة الأفريقية، في إحدى المدن الإسبانية، تفاجأ الجميع، بغياب كل من هشام بوركيب، لاعب مولودية مراكش، ويوسف الطماح، لاعب نادي وداد السمارة، ليتأكد هروبهما، ويعود المنتخب من دونهما.

وفي يونيو الماضي، قالت اللجنة الأولمبية المغربية في بيان لها إن ثلاثة من الرياضيين المشاركين في دورة ألعاب البحر المتوسط في إسبانيا اختفوا عن الأنظار مما شكل صدمة للبعثة.

وغادر لاعب التايكوندو إبراهيم بورقية بطل المغرب في وزن أقل من 68 كيلوغراما القرية المتوسطية دون إذن مدربه أو أعضاء البعثة المغربية تاركا جواز سفره وأمتعته.وسبقه المصارعان المغربيان أيوب حنين وأنور طانغو قبل خمسة أيام بعد تسلم جواز السفر إذ كان من المقرر أن يخضعا لفحص طبي قبل الاختفاء.

وأشارت اللجنة الأولمبية المغربية إلى أن هذا التصرف “أثار استياء جميع أفراد البعثة المغربية في دورة الألعاب المتوسطية لأنه يمس من صورة المغرب”.

وبرر أيوب وأنور مغادرة القرية المتوسطية عبر فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، “بغياب الاهتمام المالي” وعدم الاستفادة من التدريبات في المركز الدولي للمصارعة بمدينة الجديدة.

من جهته، أكد فؤاد مسكوت رئيس الجمعية الملكية المغربية للمصارعة أن “ظاهرة ‘الحريك’ التي تتم من حين لآخر في بعض التظاهرات الدولية التي تشارك فيها البلاد، لا تخص فقط الرياضيين المغاربة، بل تتعلق أيضاً بلاعبين محسوبين على منتخبات عدد من البلدان العربية”.

واعتبر مسكوت أن ” قرار الهروب من القرية الأولمبية بإسبانيا، الذي اتخذه ثلاثة أبطال مغاربة في رياضة المصارعة والتايكواندو، قرار غير بريء، حيث لم يستبعد احتمال وجود تنسيق مسبق بين هؤلاء الرياضيين وبعض الجهات التي سهلت عليهم عملية الهروب”.

اللجنة الأولمبية المغربية تندّد بتصرفات الرياضيين التي تمس من صورة البلاد
اللجنة الأولمبية المغربية تندّد بتصرفات الرياضيين التي تمس من صورة البلاد

وتكررت وقائع الاختفاء مع ثلاثة من الرياضيين التونسيين بنفس المنافسات. حيث صرح سامي القصريني مدير رياضة النخبة وممثل وزارة شؤون الشباب والرياضة في تونس، أن عدد الرياضيين التونسيين الذين لجؤوا إلى الهجرة غير الشرعية انطلاقا من الأراضي الاسبانية بلغ ثلاثة عناصر.

وأوضح القصريني الذي رافق البعثة إلى إسبانيا، أن البعثة التونسية تفاجأت بتعمد لاعب الجمباز وسيم الحريزي الفرار وهو بصدد القيام بالعمليات الإحمائية حيث استشار مدربه للذهاب لقضاء حاجة بشرية ليغيب بعد ذلك عن الأنظار. وفي أغسطس، أقدمت مريم بوحيد لاعبة المنتخب الوطني المغربي النسوي لكرة القدم، على الهروب ومُغادرة بعثة الفريق الوطني في إسبانيا، بعد إسدال الستار على المشاركة في دوري كوتيف ألكوديا الدولي.

وتوّجهت بعثة الفريق الوطني إلى المطار للعودة للمغرب، وفور وصولها لم تعثُر على بوحيد التي اختفت عن الأنظار، ما تسبب في حالة من الهلع وسط أعضاء البعثة.

وفتحت الجمعية المسؤولة تحقيقاً حول كيفية حصول اللاعبة على جواز سفرها، كما تم إخبار السفارة المغربية بإسبانيا بذلك، بينما انقسم الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعية بين مشجّع للفكرة ومعارض لها.

وأثارت هذه الحوادث التي يطلق عليها المغاربة اسم “الحريك” في صفوف الرياضيين المغاربة على هامش مشاركتهم في منافسات دولية، استياء عميقا لدى الجمعيات الرياضية المعنية بظاهرة هروب لاعبي منتخباتها الوطنية من معسكرات التدريب الدولي، كما فتحت باب النقاش حول واقع الرياضة في المغرب ومدى قدرته على تحقيق طموح اللاعبين على الصعيد المادي والاجتماعي، لثنيهم عن اللجوء لأندية غربية تضمن لهم ظروف أفضل.

ولم يعد قلق القائمين على الشأن الرياضي المغربي مقتصرا فقط على تحقيق النتائج الإيجابية في مختلف المنافسات والتظاهرات الدولية، التي تقام خارج المغرب، بل أصبحت تتعداها لمخاوف من هروب اللاعبين جماعيا أو فرديا.

ولا يقتصر هروب الرياضيين فقط على الألعاب الأقل شعبية، كالمصارعة والملاكمة وفنون الحرب، التي تعاني ضعف الإمكانيات، وضعف المردود المالي بالنسبة إلى رياضييها في المغرب، بل باتت تشمل أيضا لاعبي ولاعبات كرة القدم والمنتخبات الوطنية.

وقال الملاكم أشرف خروبي (بطل أفريقيا في الوزن الخفيف)، إن غياب الاهتمام والدعم المادي هما العاملان الأساسيان، اللذان يدفعان اللاعبين إلى اقتناص فرصة المشاركة في فعاليات دولية، من أجل الهجرة غير النظامية نحو الخارج.

وأضاف “تهميش الأبطال المغاربة وعدم تقديرهم ماليًا يجعلهم ينتظرون أول فرصة للهروب خارج الوطن، خاصة في أوروبا، بحثًا عن فرص جديدة، أو عيش كريم”.

واعتبر أن “حلم الهجرة أصبح أكبر من حلم الاحتراف الرياضي، وذلك عندما يغيب الاهتمام بالرياضيين، ولا يعكف المسؤولون على مساعدتهم على المستوى الاجتماعي”. ولم يُبد خروبي تفاؤلا بالحد من الظاهرة في ظل الظروف الراهنة وقال “لن يتم الحد من هروب الرياضيين إلا إذا قام المسؤولون بتوفير جميع شروط وظروف الممارسة لتأهيلهم للاحتراف، والمشاركة في بطولات تعود عليهم بالنفع المادي”.

واقع محبط للرياضيين

مستقبل الأبطال المحترفين ذوي الإنجازات لا يختلف عن السواد الأعظم للشباب المغاربة
مستقبل الأبطال المحترفين ذوي الإنجازات لا يختلف عن السواد الأعظم للشباب المغاربة

وأيّد محمد داوود، المسؤول في الاتحاد المغربي للتايكواندو، ما صرّح به بطل الملاكمة، واعتبر أن انتشار ظاهرة الهروب وسط الرياضيين المغاربة يعتبر أمرا عاديا؛ نتيجة للظروف الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها حوالي 90 بالمئة من نجوم الرياضة في البلاد.

وأضاف “يجب التفكير منذ الآن في صيغ لمنح مكانة اعتبارية للأبطال؛ فلا يمكن أن يخوض البطل 200 يوم، في معسكر إعدادي، ويشارك في تظاهرات دولية، ويفوز بأربع بطولات أفريقية متتالية، وتطالبه باجتياز مباريات التوظيف شأنه شأن باقي المتبارين”. وأكد على أنّ “الرياضي كالجندي يقاتل ويغامر من أجل الوطن؛ لذلك علينا أن نمنحه مكانة خاصة وأن نعطيه الأمل في المستقبل”.

لا تختلف آراء المشجعين والجمهور عن آراء اللاعبين والمحترفين حول حالة الإحباط التي يعيشها قطاع الرياضة إجمالا في دول المغرب العربي، ويبرر الكثير منهم هروب الرياضيين في قوارب الموت، رغم  الحوادث الكثيرة التي دفع خلالها رياضيون حياتهم ثمنا للمحاولة وكان آخرهم البطل المغربي في رياضة الكيك بوكسينغ، أيوب مبروك.

وبعد ما يقارب الشهرين من وفاته في رحلة للهجرة السرية من المغرب نحو إسبانيا، أعادت السلطات الإسبانية جثة مبروك إلى بلاده، إلى جانب جثة مهاجر سرّي آخر قضى في الرحلة ذاتها.

واعتبر متابعون أن أيوب مبروك، عنوان فاجعة انقلاب قارب للهجرة السرية كان يقلّ أكثر من عشرين شابا مغربيا.

ولا يتجاوز عمر مبروك 21 سنة، وحاصل على بطولة المغرب في رياضة الملاكمة لثلاث مرات، وكان مثله الأعلى بدر هاري الذي أصبح من أشهر الملاكمين في العالم، قبل أن يقرّر بشكل مفاجئ وسري الهجرة إلى أوروبا عبر “قوارب الموت”.

وقصّت عائلة مبروك تفاصيل رحلة تقفّي أثره بعد هجرته سرا، حيث تعرفت عليه أمه عبر صورة جثته، التي تناقلتها وسائل الإعلام الإسبانية، قبل أن يغمى عليها وتنقل إلى المستشفى، دون أن تستوعب حجم الكارثة.

وكانت “رحلة الموت”، التي انقلب خلالها قارب المهاجرين السريين المغاربة في السواحل الإسبانية، قد عرفت بفاجعة “لوس كانوس”، حيث كشفت وسائل إعلام إسبانية صورا لضحاياها، ما مكّن عائلات “الهاربين” من التعرّف على جثث أبنائها.

وعلق الشاب محمد الطالبي على هذا الواقع قائلا، “ماذا تنتظر من شباب مهمشين من قبل المسؤولين، يرون مستقبلهم الفاشل في بلدهم أمام أعينهم، فرغم ما حققوه من بطولات وإنجازات، إلا أن المستقبل مظلم وتذهب تضحياتهم أدراج الرياح مع تقدّمهم قليلا بالعمر”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “روح هذا الشاب وأمثاله من الأبطال في رقبة المسؤولين الفاسدين الذين قتلوا روح المبادرة عند الشباب، يجهضون آمالهم ويزرعون الإحباط ويكرّسون البؤس والكآبة لقتل روح المبادرة فيهم”.

ويعتبر المدافعون عن فكرة هروب الرياضيين أنّ من بين أسوأ ما يعيشه الشباب هو افتقادهم لحياة كريمة، والرياضي الذي يضحي بمسيرته هو واحد من الذين يعيشون مقابل ضمان هذه الحياة الكريمة، ويتمنون أن يلقوا رعاية وعناية خاصة من المسؤولين عنهم رياضيا، حتى إن البعض قرر أن يتخلّى عن جنسيته بسبب فقدانه لمتطلباته سواء كانت مادية أو معنوية.

ويرى عبدالجبار شكري الباحث في علم النفس والاجتماع، أن مبررات الهروب “الحريك” في صفوف الأبطال الرياضيين، ترتبط بثلاثة عوامل أساسية، هي البحث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي المادي والبحث عن المعاملة الجيدة والراحة النفسية وبلوغ الطموح الذي يتطلع له الرياضيون على مستوى الممارسة الاحترافية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: