الملحفة تاج مرصع بسحر الألوان للمرأة الصحراوية في المغرب

رغم انفتاح العالم على بعضه وما خلفه من تغيرات طرأت على سلوك الكثير من شباب اليوم من حيث العادات والتقاليد والملابس، إلا أن النساء الصحراويات في الجنوب المغربي ما زلن يحتفظن بلباس الملحفة التي توافق الصحراء حيث إنها صممت لتناسب المناخ الحار والجاف، فأغلب هذه الملابس فضفاضة ومن أثواب خفيفة وصيفية ذات ألوان زاهية تناسب مناخ البلاد، وتعتبر الفتيات الصحراويات ملابسهن بالغة الأهمية لأنها تميزهن عن بقية نساء العالم وهي في الوقت نفسه انعكاس للتاريخ والتراث والعادات.

لكل منطقة داخل المملكة المغربية خصوصيتها في المأكل والمشرب وحتى في الملبس، فالاختلاف هو الذي يميز كل جهة عن الجهات الأخرى، فمثلا للمنطقة الجنوبية عدة خصوصيات تغطي مناحي الحياة كلها بما فيها جانب اللباس، إذ تعد الملحفة الخاصة بالنساء والدراعة بالنسبة للرجال، من الألبسة التقليدية التي يزخر بها المغرب عموما، والمنطقة الصحراوية على وجه الخصوص.

فالمجتمع الصحراوي لا يمكنه أن يتخلى عن هذا الزي التقليدي الذي اشتهر به لعدة عقود من الزمن وهو اللباس الذي يشبه ما هو متداول في عدد من الدول الأفريقية مثل موريتانيا والسودان وغيرهما.

أما في ما يتعلق بالنساء، فهناك حرص كبير على الالتزام بالملحفة كقيمة من القيم التي تتشبث بها بنات المنطقة الجنوبية الصحراوية، فالملحفة رمز من رموز الثقافة التي توارثها الصحراويون جيلا عن جيل وذلك على مدى مرور قرون من الزمن.

وشكلت الملحفة على مر الزمن ليس فقط شكلا من أشكال اللباس، بل رمزا من رموز الجمال والأناقة الأنثوية للمرأة الصحراوية أيا كان انتماؤها القروي أو الحضري أو مستواها التعليمي ومكانتها الاجتماعية، فالملحفة حاضرة بين نساء الصحراء بمختلف الأعمار والانتماءات الطبقية، غير أن هناك تمايزا داخل صفوف الصحراويات بين من تتشبث بارتداء الملحفة ولا شيء سوى الملحفة، وبين من تتنازل بين الفينة

والأخرى، ولا تجد بأسا في اللجوء إلى اللباس العصري أو إلى الجلباب، إلى جانب حرصها على الملحفة في أغلب الأحيان.

ملحفة

بشرى عبدالدائم، 30 سنة وتنتمي إلى منطقة اسا زاك (جنوب المملكة)، هي من الفتيات التي لا تجد أي حرج في ارتداء ملحفتها عند الذهاب إلى الدوائر الرسمية والمكتبات أو لحضور ندوات وطنية.

تقول، إنها كأي فتاة تنتمي إلى المنطقة الجنوبية الصحراوية التي تعتبر الملحفة “من الضروريات الأساسية في حياتي اليومية، فإضافة إلى كونها زيا تقليديا صحراويا، فهي تناسب جميع النساء”، وتؤمن بشرى إيمانا راسخا بأن “الملحفة تبقى بمثابة الزي الصالح لجميع المناسبات”.

بين الفينة والأخرى تفضل بشرى ارتداء لباس عصري، لكن في الغالب ما يتم هذا خلال فصل الشتاء ومع سقوط الأمطار، لكن المهم بالنسبة إليها، فإن ارتداءها للملحفة يكون له أكثر من دلالة.

في المقابل، تبقى فاطمة الغالية، سياسية وناشطة جمعية تنتمي إلى مدينة العيون ، متشددة في تعاطيها مع موضوع الملحفة، إذ تدخل هذه المرأة ضمن زمرة باقي النساء الصحراويات اللواتي لم يسبق أن تخليت عن ارتداء الملحفة، فتجدها كذلك في الاجتماعات السياسية التي تحضرها وداخل البرلمان عندما كانت ممثلة في الغرفة الأولى وفي غيرها من المحافل والمناسبات الرسمية وغير الرسمية.

حبها للملحفة كبير، وهو شعور لا تخفيه إذ تعتبر أن “ارتدائي للملحفة اعتزاز بانتمائي للمنطقة الصحراوية الحبلى بالتاريخ المجيد للمملكة المغربية”، فالملحفة في نظر الغالية انعكاس لأصالة المرأة الصحراوية.

وتعترف الغالية أن ثمن الملحفة يتباين حسب أنواعها وجودة ثوبها.

وتضيف، أن الزي التقليدي يناسب الطبيعة والمناخ وأسلوب العيش، لذلك فهو لا يزال يحافظ على مكانته رغم غزو الألبسة الأوروبية وتأثر الشباب بالموضة الحديثة.

وعمليا وحسب ما هو متعارف عليه بين النساء الصحراويات اللواتي يرتدين الملحفة، فإن هناك أنواعا كثيرة تتجاوز العشرين نوعا، لكن يمكن إجمالها في ملحفات منخفضة الثمن مثل ملحفة كاز، وملحفة كنيبة التي، شأنها شأن ملحفة بيرسي، إلى جانب ملحفات ذات جودة عالية وأثمنة مرتفعة. يمكن أن يتعدى ثمنها 40 ألف درهم مستوردة من الخارج.

ملحفة

وبالنسبة إلى ملحفات المناسبات، فهي عديدة لكن أشهرها ملحفة الشكة التي تتميز بثوبها الرقيق وملحفة الصواري وملحفة القصيري ذات الجودة العالية التي يبدأ ثمنها من مبلغ 500 درهم ويمكن أن يصل إلى 1000 درهم حوالي (مئة دولار أميركي). وهي ملحفات يمكن أن يتعدى ثمنها 5 آلاف درهم ما يعادل 500 دولار أميركي، لأنها مصنوعة من مادة الحرير الخالص، إذ أن أغلب الملحفات ذات الجودة العالية تستورد من الإمارات العربية المتحدة أو من موريتانيا أو من الهند.

وتحرص النساء الصحراويات المنتميات إلى عائلات برجوازية على التألق في المناسبات (الأعراس والسهرات) بارتداء ملحفات من المستوى الجيد.

وحسب صحراويات، هناك أنواع أملتها الموضة كملاحف حريم السلطان وملاحف الملكة وغيرها، فالانتماء الاجتماعي للمرأة الصحراوية في الغالب ما يعرف من نوعية الملحفة التي ترتديها، فهذا يبقى مؤشرا كافيا للتعرف على الوسط الاجتماعي لكل واحدة.

ومن بين تقاليد سكان الصحراء وبالتحديد نساءها الاعتناء بالبشرة وبالجمال، إذ تخصص ملحفات تسمى ملحفة النيلة وهي التي تستعمل خصيصا للوقاية من أشعة الشمس لأنها تطلق لونا أزرق داكنا على الجسم الغرض منه تفتيح البشرة، وتلجأ النساء الصحراويات إلى هذه الملحفة بين الفينة والأخرى حفاظا على جمال البشرة.

عموما، يمكن القول إن المرأة الصحراوية تحرص كل الحرص على أن تظل وفية لملحفتها البسيطة -لأنها لا تخضع لخياطة بل فقط يتم الاقتصار على وضع عقدتين في الأعلى تمكن صاحبتها من إخراج رأسها ولف يديها- والجميلة في الآن نفسه. فالملحفة ليست مجرد قطعة قماش بألوانها الأنثوية، بقدر ما أنها ترمز إلى نوع من السمو والحشمة التي تعرف بها المرأة الصحراوية.

ولم يحدث تغيير كبير على طريقة لباس الملحفة، وتنحصر التغييرات على نوع الثوب الذي تصنع منه الملحفة، حيث أصبحت العديد من الأثواب الأجنبية تغزو الأسواق، كما أدخلت عليها تطورات تساير الركب الحضاري الذي عرفته المرأة.

ملحفة

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: