غليان الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر يخلط أوراق الأجندة السياسية
انتهت الهدنة الاجتماعية بين الحكومة وعدد من النقابات العمالية، بعودة التهديدات بالدخول في مسلسل احتجاجي جديد في قطاع التربية والتعليم، ويأتي ذلك عشية تركيز الأنظار على الاستحقاق الرئاسي المنتظر في أقل من أربعة أشهر، مما سيخلط أوراق السلطة، الساعية للحفاظ على استقرار الجبهة الاجتماعية، لتمرير أجندتها السياسية في هدوء.
قرر التكتل النقابي المستقل الدخول في مشاورات من أجل تحضير أرضية احتجاجات اجتماعية في القطاع، بداية من الأسبوع الداخل، للتنديد بمماطلة الحكومة في الوفاء بالالتزامات التي قطعتها خلال العام الماضي، لتلبية المطالب المهنية والاجتماعية التي رفعت آنذاك.
وجاء التلويح بورقة الاحتجاجات عشية الاستعدادات الجارية لتنظيم الانتخابات الرئاسية، المنتظر الإعلان عن موعدها خلال الأسبوعين القادمين، بقرار من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
وتفاقمت الأوضاع الاجتماعية في البلاد، خلال السنتين الأخيرتين، بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، وارتفاع مؤشرات التضخم، بسبب خيار التمويل غير التقليدي الذي لجأت إليه الحكومة لتغطية العجز المالي في البلاد، رغم تحذيرات الخبراء والمختصين من تبعات القرار على استقرار الجبهة الاجتماعية.
وشكلت ملفات التضييق على الحريات النقابية، ومراجعة القانون الأساسي لمنتسبي القطاع، وتراجع القدرة الشرائية، أبرز القضايا التي تناولها قادة التكتل النقابي المستقل، خلال لقاءاتهم التشاورية، فضلا عن بحث الآليات المناسبة لإطلاق المسلسل الاحتجاجي قريبا، بسبب ما أسموه بـ”تجاهل وزارة التربية لنتائج الاتفاق المتوصل إليه خلال الموسم الدراسي الماضي. وأكد الناطق الرسمي باسم نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية مسعود بوديبة، أن “المشاورات المفتوحة بين أعضاء التكتل، جاءت لإنذار وزيرة التربية نورية بن غبريت، من مغبة الاستمرار في سياسة الإصرار على التمادي في أساليب الهروب إلى الأمام، وتجاهل مطالب الطبقة العمالية في قطاع التربية”.
وأفاد المتحدث بأن “الوزيرة لم تبد إلى حد الساعة أي مبادرة للتهدئة أو نية للحوار مع الشريك الاجتماعي”، وهو مؤشر على بوادر قبضة حديدية بين الطرفين، لا سيما في ظل التجاهل الذي أبدته إلى حد الآن بن غبريت في التفاعل مع الحراك النقابي.
وجاء تصعيد التكتل النقابي في قطاع التعليم، بالتوازي مع تصاعد وتيرة الغليان الاجتماعي، في ظل الانهيار غير المسبوق للقدرة الشرائية لمختلف الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسة طبع النقود دون مقابل اقتصادي، والذي فاق 40 مليار دولار، رغم تحذيرات الخبراء والهيئات الاقتصادية الدولية.
وتعيش المنطقة الصناعية بالرويبة شرقي العاصمة، التي تتضمن عددا من المصانع والورشات الحكومية، على صفيح ساخن خلال الأسابيع الأخيرة، ولم يستبعد الفرع النقابي المحلي انفجار الأوضاع في المنطقة، بسبب مماطلة الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، وتدهور الوضع المعيشي للطبقة العاملة.
وتعتبر المنطقة الصناعية بالرويبة بؤرة اجتماعية كبيرة قياسا على تأثيرها في استقرار الجبهة الاجتماعية وسط البلاد، وتخوف الحكومة من الحراك النقابي الذي كان شرارة أولى لاحتجاجات اجتماعية كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
ولم يسلم القطاع الخاص من موجة الغضب الاجتماعي، حيث فجرت الإجراءات الإدارية والجمركية التي تطبقها الحكومة على مجمع “سيفيتال” الخاص، المملوك لرجل الأعمال يسعد ربراب، بمنع نزول تجهيزات لمصنع السحق الزيتي للبذور منذ عدة أشهر، حملة تضامن واسعة لدى الشارع في مدينة بجاية، وتنظيم مسيرتين شعبيتين في المدينة، تنديدا بما أسمته اللجان الشعبية لدعم مجمع سيفيتال، بـ”تصفية حسابات سياسية مع مالك المجمع، وحرمان الآلاف من الشباب من فرص شغل، نتيجة شل المصنع المذكور”.
وكان بيان للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين، قد حمل وزيرة التربية نورية بن غبريت مسؤولية أوضاع التململ في القطاع، بسبب ما وصفه بـ”سياسة التضييق على العمل النقابي، والوعود الكاذبة والتصرف الانفرادي في اتخاذ قرارات مصيرية، دون إشراك ممثلي النقابات”.
وأضاف “النقابة ستدرج ملفات عالقة تتصل بمراجعة الأجور المجمدة وتحرير الحركات النقابية ومراجعة قانون التقاعد، في جلسات التشاور مع أطراف التكتل النقابي المستقل”.
ولفت إلى أن “موظفي القطاع يعيشون وضعا اجتماعيا مأساويا، نتيجة انهيار القدرة الشرائية، وجمود الزيادات في الأجور منذ سنوات، وما يوازيها قرارات ارتجالية ولا مسؤولة من طرف الوصاية، فضلا عن التضييق الممنهج على الحريات النقابية”.
وكانت وزارة العمل والضمان الاجتماعي، قد سحبت رخص الاعتراف من عدد من النقابات، بسبب ما وصفته بـ”عدم التطابق مع مواصفات وشروط العمل النقابي”، وهو ما أثار استياء فاعلين نقابيين وسياسيين وحتى منظمة العمل الدولية.