حملة تخويف من المخاطر الأمنية لتبرير تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر
أشاعت التطورات المتسارعة في الجزائر، أجواء من الخوف قبل نحو ثلاثة أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية، خاصة مع رسالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للرأي العام عبر بوابة اجتماع الحكومة، وبيان وزارة الدفاع شديد اللهجة، المتزامن مع الأخطار الأمنية المتصلة بالهجرة السرية، التي كشفت عنها وزارة الداخلية في غضون هذا الأسبوع.
ولم يستبعد المحامي والناشط الحقوقي صالح دبوز أن تكون التطورات المتواترة في الجزائر، مؤشرا على تمهيد السلطة لإشاعة أجواء من المخاوف الأمنية، للتمكن من تمديد الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، بما أن حالة الحرب هي الحالة الوحيدة التي تسمح لرئيس البلاد بتأجيل موعد الانتخابات.
وذكر دبوز أن تزامن هذه التطورات عشية الانتخابات الرئاسية، يثير عدة تساؤلات حول “المغزى من هذا الشحن للجو العام بالخوف، من أجل تخيير الرأي العام بين المخاوف الأمنية وبين استمرار السلطة الحالية، أو افتعال حالة من اللاأمن أو القريبة من الحرب لتحقيق الغرض المذكور”.
وفي ردها على انتقادات منظمة الأمم المتحدة، التي أعقبت قرار ترحيل أكثر من مئة مهاجر عربي من جنسيات سورية ويمنية وفلسطينية، كشفت الحكومة الجزائرية عن معطيات جديدة تشير إلى انتماء هؤلاء إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد.
وصرح مدير دائرة الهجرة في وزارة الداخلية حسان قاسيمي بأن “السوريين الذين وصلوا برا من الجنوب في الآونة الأخيرة، هم أفراد من جماعات المعارضة السورية”، و”يشكلون تهديدا أمنيا، وأن الجزائر تواجه موجة هائلة من الهجرة غير الشرعية، حيث يتم تسجيل مهاجرين ينحدرون من 28 جنسية أفريقية بشكل يومي، بهويات مجهولة قادرة على ضرب الأمن القومي للبلاد في أي وقت وبصفة مباغتة”.
ولفت إلى أن “بلاده تجنبت وإلى غاية هذه الساعة إثارة اللغط حول الممارسات غير النظامية في إدارة ملف المهاجرين، من طرف منظمة الهجرة وبعض المنظمات الحقوقية، غير أن الوضع يتطلب منها اليوم في ظل الهجوم، الإفصاح عن معلومات خطيرة جدا في حوزتنا، بمجرد الانتهاء من الإجراءات القضائية الجارية”.
ولم يستبعد متابعون للشأن الجزائري إقرار السلطات تدابير أمنية مشددة على الشريط الحدودي الجنوبي تحت غطاء محاربة الهجرة السرية، ما سيساهم في رفع منسوب الهواجس الأمنية التي قد توظف لتمرير أجندة الانتخابات الرئاسية، خاصة مع الرسائل الجديدة التي أطلقتها مجلة الجيش لمن أسمتهم بـ”أصحاب التصرفات العقيمة والنوايا المبيتة”.
وكرس العدد الأخير من مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية)، في عددها الأخير، الرسائل التي أطلقها البيان الأخير لوزارة الدفاع، لضباط سابقين في الجيش أبدوا تحفظهم من أجندة السلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولا يزال الجنرال المتقاعد علي غديري، على رأس المستهدفين من طرف بيان وزارة الدفاع وافتتاحية مجلة الجيش، قياسا بالمواقف الصريحة التي أبداها في عدد من منشوراته تجاه الاستحقاق الرئاسي المقبل، ودور قيادة المؤسسة العسكرية في المرور بالبلاد إلى مرحلة جديدة بشرعية حقيقية.
وقالت المجلة إنه “لم ترق لبعض العابثين ضيّقي الأفق الذين دُفعوا من بعض الجهات المريبة، إلى تقمص أدوار تفوق كفاءاتهم”، وأن هؤلاء “استرسلوا بالدلو بدلوهم في كل المواضيع كالانتخابات الرئاسية القادمة وإتاحة الفرصة للشباب ودعوة نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بتحمل مسؤوليته في تعزيز المكتسبات الديمقراطية؟ والتشدق بالبراغماتية والواقعية ومحاولة تقزيم المكتسبات الأمنية والكثير من المواضيع والمسائل التي لا يفقهون أدنى أبجدياتها”.
وأدرج رئيس حزب قوة الجزائر فريد مختاري، الأجواء المشحونة في البلاد، في خانة حملة تخويف سياسية تستهدف التأثير في قوى المعارضة والشخصيات المستقلة، بشكل لا يكفل مرور أجندة السلطة دون إزعاج، رغم التخبط الذي تعيشه وحالة التنافر غير المسبوق بين أجنحتها.
وأضاف “هذه الأجواء تعيد إلى الذاكرة ما عاشته البلاد في 2014 عشية الانتخابات الرئاسية، بسبب المعارضة الشرسة للولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، حيث اشتكى مرشح السلطة علنا لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري آنذاك، من تهديد أحد المرشحين لاستقرار البلاد، ووجهت له تهم بالحصول على أسلحة من ليبيا لإثارة الفوضى”.
واشتركت رسالة وجهها بوتفليقة للرأي العام خلال اجتماع الحكومة والولاة خلال الشهر الماضي، في مفردات التهديد الضمني لمن وصفوا بـ”أصحاب النوايا المبيتة والأفق الضيق المتربصين بالمواعيد السياسية الكبرى”، مع مضمون بيان وزارة الدفاع وافتتاحية مجلة الجيش، وهو ما يؤشر إلى أن مخاوف السلطة باتت تنبعث من دوائرها الداخلية، أكثر من قوى المعارضة السياسية.
ووصف حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، في بيان توج أشغال دورة مجلسه الوطني نهاية هذا الأسبوع، ردود فعل قائد أركان الجيش بـ”الانتقائية”، في إشارة إلى الكيل بمكيالين في مسألة الحياد، وعدم الضلوع في الشؤون السياسية للبلاد.
وذكر بأن “الردود لا تساعد على طمأنة المواطنين حول حياد الجيش إزاء كافة القوى السياسية، ولا يحق تجاهل تصريحات أطراف غير رسمية، وإشهار عنوان الحياد تجاه البعض بكل لباقة، في حين يتم اللجوء إلى استعمال لغة التهديد والوعيد ضد استفسارات عبر عنها البعض الآخر”.