درس مراكش: الكتب بارود الإرهاب الذي لا ينفد
ما حدث في ضواحي مراكش بالمغرب ، والمتمثل في اغتصاب الفتاتين الأسكندينافيتين واغتيالهما بطريقة بشعة، لا يمكن العثور على كلمة في اللغات جميعها لتوصيف هذا الحال المريض، ما جرى في مراكش يدعونا كنخب ثقافية وإبداعية إلى التفكير العميق الذي لا يجب أن نترك للعاطفة حيزا فيه، انطلاقا من ذلك علينا أن نعيد النظر في الكثير من المسائل التي أوصلت “المسلم” إلى مثل هذه الحالة “البهيمية” المعاصرة، وعلينا كنخب أن نتحلى بالشجاعة لتعرية الخلفيات التي تقف وراء مثل هذه العمليات المرَضِيّة، وأن نتساءل بكل حرية ومسؤولية تاريخية وفلسفية عمّن يقف وراء “مزرعة” الإرهاب هذه؟
ما في ذلك شك، إن هناك مالا كثيرا يصرف في الحفاظ على عملية “تفريخ” الإرهاب الإسلامي، وهناك عملية تبييض للمال الفاسد تذهب لتغطية هذه العمليات، ولكن قبل المال هناك “سوق” الأفكار التي ترعى “مزرعة” هذا الإرهاب رعاية متواترة، ومن أهم رعاة “الإرهاب” بل بارودها الذي لا يفنى ولا ينفد ولا يبلل، هي بعض الكتب التراثية المتداولة بين القراء من الجيل الجديد والتي تشجع بل وتسوغ الممارسات الإرهابية تحت غطاء ديني.
وما دامت النخب التنويرية والعلمانية التي تنتمي إلى هذا العالم الإسلامي المغاربي ساكتة أو غير جريئة على تسمية الأوضاع والأشياء بأسمائها، فإن الأجيال المتلاحقة ستظل غارقة في “بارود” الإرهاب أي الكتب القاتلة.
ما دمنا لا نتمتع بعد كنخب فكرية وإبداعية تنويرية بالشجاعة الفكرية الفردية والجماعية لإدانة وتعرية ومناهضة سلسلة “النسق الفكري” التي تبثها وتحرسها الكثير من الكتب التراثية التي هي بارود هذا الاغتصاب وهذا القتل الشنيع وما فرّخته من “بيض” فكري معاصر.
إذا لم تستطع النخب التنويرية المغاربية والعربية والإسلامية أن تعيد النظر في كتبنا التراثية وأن تكون لها الجرأة الفكرية العالية لتصنيفها وتنظيفها، وترتيبها حسب خطورتها وحسب حاجتنا إليها أو الاستغناء عنها، وذلك بالدعوة الفكرية الواضحة للحجر على الكثير منها و منعها من التداول بين الشباب الصاعد إن في العالم العربي أو بين الشباب المسلم في أوروبا وأميركا وآسيا، إذا لم تستطع النخب القيام بذلك فإنها وبكل صراحة ستكون كمن يمارس تغطية الشمس بالغربال أو مداواة السرطان بالأسبرين.
هناك ترسانة مرعبة من الكتب التي تمثل مصانع تدور عجلتها الإنتاجية ليل نهار وعلى مدى 365 يوما في السنة من أجل ممارسة غسيل الدماغ وتحريض الأجيال الجديدة على المغامرة في “ثقافة الموت” ومقاطعة “ثقافة الحياة”، و هي من إنتاج بشر يصيبون ويخطئون، وهم “فقهاء” عاشوا تحت رحمة سلطة سياسية دموية في غالبيتها وخدموها وكتبوا بأمر من سادتها.
إذا لم نتمكن من تخليص أطفالنا في المدارس من هذه الكتب، فإننا لن نستطيع أن نعيش بسلام وأمن ولن يستطيع العالم من حولنا أن يعيش هو الآخر بأمن وأن يتعامل معنا بمقاييس العصر والمصلحة المتبادلة.
إذا لم نستطع أن نخلص مكتباتنا من هذه الكتب التي هي بارود قاتل بين أيدي القراء فإننا نساهم في بناء “مفرخات” جديدة مع كل مكتبة جديدة.
إذا لم نستطع أن نخلص مساجدنا من هذه الكتب التي هي منبع ثقافة “الخوف” و”الكراهية” فإننا لن نستطيع أن نصنع مؤمنا مواطنا، بل مؤمنا- كاميكاز مستعدا لزرع الإرهاب والقتل في كل مكان.
إذا لم نستطع أن نقوم بذلك منطلقا من مسؤوليتنا كمثقفين ومفكرين تنويريين مهمتنا الأساسية هي إنتاج أفكار مضادة لأفكار الموت والخراب فإن ما حدث في مراكش سيتكرر غدا وبعد غد في أي مدينة أو قرية تقام فيها مكتبة أو مسجد أو مدرسة تقوم بتدريس هذه الكتب القاتلة.
و إذا لم نتمكن من القيام بذلك، بدعوى احترام الرأي، وحرية التعبير، أو بدعوى الخوف من أن نتهم “بالإسلاموفوبيا” فإننا سنكون شركاء في عملية الاغتصاب القادمة سنكون السكين الذي يذبح سائحا أجبيا مسيحيا كان أو يهوديا أو بوذيا أو لائكيا مسلما.
الصمت هو مشاركة في القتل.
إن الذين قتلوا السائحتين الأسكندينافيتين كانوا يتكئون على مضامين هذه الكتب وعلى صمتنا تجاه فكر إرهابي يحتفل به في منابرنا الدينية والمدرسية والجامعية والثقافية والإعلامية.