سباق فرنسي إسباني لصدارة الشراكة الاقتصادية مع المغرب
رغم أن الموازين السياسية تشير في الأشهر الأخيرة إلى ترجيح محور العلاقات الخاصة بين باريس والرباط، إلا أن الموازين الاقتصادية تميل في الوقت نفسه إلى ترجيح كفة العلاقات نحو محور الرباط ومدريد، ما يجعل الميزان يميل إلى كل جهة تارة، ليبقى المحوران رهن التنافس.
ولم يعد يخفى على المراقبين السباق غير المعلن بين فرنسا وإسبانيا على تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية مع المغرب، والتي تتأرجح الصدارة فيها بحسب الملفات والمشاريع المطروحة والمصالح المتبادلة.
وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نوفمبر الماضي للانضمام إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في افتتاح القطار المغربي فائق السرعة، وهو الأول من نوعه في قارة أفريقيا، والذي مول قرض فرنسي 60 بالمئة من تكلفته البالغة 2.1 مليار دولار.
ورأى محللون أن مشروع قطار “البراق” الذي ربط إنجاز مرحلته الأولى بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، مثل نقلة نوعية جديدة للعلاقات الاقتصادية الخاصة بين باريس والرباط.
وبعد أقل من أسبوع على تدشين القطار وصل رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز إلى الرباط واقترح خلال لقائه العاهل المغربي أن يتقدم البلدان بمشاركة البرتغال بملف ترشيح مشترك لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030.
وخلف تلك التحركات الكبرى في عناوين الأخبار هناك سباق بين فرنسا وإسبانيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية التي سجلت قفزات كبيرة في السنوات الماضية.
ويرى تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، أن العلاقات المغربية الإسبانية والفرنسية تمثل أكبر محاور علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أنه بفضل العلاقات مع فرنسا وإسبانيا استطاع المغرب أن يتحول من مجرد شريك عادي للاتحاد الأوروبي إلى “مركز الوضع المتقدم” منذ عام 2008 وهو أعلى درجات الشراكة، التي مكنته من الحصول على تمويلات أوروبية كبيرة.
وأشار إلى وجود نوع من المنافسة التي قد تشكل في بعض الأحيان نوعا من التحدي للمغرب ولكل من إسبانيا وفرنسا، لكنها تصب في نهاية المطاف في مصلحة الجميع وتؤدي إلى تزايد تدفق الاستثمارات إلى المغرب.
وأكد أن فرنسا كانت لفترة طويلة الشريك الأوروبي الأول للمغرب اقتصاديا، ثم استطاعت إسبانيا أن تتفوق على جارتها، لتعود باريس بعد ذلك إلى استرجاع الصدارة.
ويرى الحسيني أن مشروع القطار فائق السرعة “يبقى نموذجا متقدما، لأنه جعل المغرب أول دولة أفريقية تستعمل هذا النوع من القطارات، التي سيتم تعميمها من دون شك في باقي الدول الأفريقية والعربية”.
وأكد أن هذا النوع من المشاريع، يُعزز دور المغرب كمنصة استراتيجية لنقل التكنولوجيا والاستثمار نحو بلدان أفريقيا ويعزز مشاريع أخرى مثل طريق الحرير الصيني، الذي سيمر حتما عبر المغرب.
وأشار إلى أن هذا السباق يضع المغرب في مركز “أساسي بفضل ما يتمتع به من استقرار سياسي واقتصادي يبرر هذه التنافسية الثنائية”.
وقال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة، إن علاقات المغرب مع إسبانيا شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث تبين أنه “لا يمكن تجاوز الجوار الجغرافي”. وأضاف أنه رغم تغير الأحزاب التي تقود الحكومة الإسبانية فإن العلاقات مع المغرب لا تتغير، لأن مستوى الاستثمار متقدم والعلاقات الاقتصادية هي التي تحكم المعادلة.
وأشار الشيات إلى أن القاطرة الاقتصادية هي التي تجر العلاقات السياسية المغربية الإسبانية وأدت لدعم مدريد في اتفاق الصيد البحري مع الرباط، ورفض احتضان جبهة البوليساريو في البرلمان الإسباني. وأكد أن تلك المواقف تمثل رسائل سياسية واضحة، تؤكد أن الروابط المتينة على المستوى الاقتصادي يمكن أن تؤثر في العلاقات السياسية بين البلدين.
وقال الشيات إن “العلاقات المغربية الفرنسية تبقى ذات طابع خاص، حيث يلعب الإرث التاريخي والاستعماري دورًا محوريا في المعادلة، إضافة الى أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن”. وأوضح أن باريس تقدم الدعم السياسي الأساسي للمغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء، وقد لوحت باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح المغرب في العديد من المناسبات.
ويقتضي المنطق أن تكون العلاقات الإسبانية المغربية هي الأكثر قوة، إلا أن المكانة الاعتبارية لفرنسا ومساندتها الكبيرة للمغرب تدفعانه لتغليب الكفة لصالح باريس على حساب المنطق الاستثماري التنافسي.
وأشار إلى أن هناك أبعادا سياسية في مشروع القطار فائق السرعة، الذي ستكون له تأثيرات تحدد مسار قضية الوحدة الترابية للمغرب في قضية إقليم الصحراء.
وقال إن “المنافسة تخدم المغرب، الذي ينوع شراكاته ولا يضع بيضه في سلة واحدة ويسعى لبناء مصالح عميقة مع كل الشركاء من أجل مصلحته الوطنية وبناء مجتمع دولي قائم على التعددية والحوار المشترك”.