الابتعاد عن الشبكات الاجتماعية نموذج عمل يتطور في الصحافة
نماذج أعمال المؤسسات الإعلامية بدأت بالتغير مع الأزمات الاقتصادية التي شهدها قطاع الإعلام التقليدي بتأثير هجرة المعلنين إلى الإنترنت والشبكات الاجتماعية، لكن العديد من الصحافيين والقائمين على المؤسسات الناشئة ابتكروا حلولا للتأقلم مع الوضع تستند إلى مصادر التمويل المتعدد ومفتاحها الرئيسي بناء الثقة والمحتوى الجيد.
لم تعد النماذج التقليدية لوسائل الإعلام كافية لتحقيق النجاح والاستمرارية في مشهد يتسم بالمنافسة المتزايدة، والبقاء فيه لصاحب المحتوى المميز والمبتكر، وأثبتت منصات عديدة حول العالم، في بلدان تتشابه ظروفها مع واقع الدول العربية، قدرتها على الوصول إلى إيرادات مستدامة.
وقدم مجموعة من الصحافيين المحترفين في وسائل الإعلام في أميركا اللاتينية خبراتهم في الابتعاد عن مسارات الإيرادات التقليدية وقدموا نصائح لصحافيين آخرين يأملون بإطلاق مؤسساتهم الناشئة في ميدان الإعلام، وذلك خلال ندوة مباشرة عبر الإنترنت، وفق ما ذكرت شبكة الصحافيين الدوليين في تقرير.
وقالت تانيا مونتالفو، المحررة التنفيذية لمنصة “انيمال بوليتيكو” في المكسيك “يجب أن يكون لدينا مصادر تمويل متعددة في نفس الوقت، وفي حال بدأ مصدر ما بالشح من المهم جدا أن يكون لدينا مصادر أخرى”.
وأوضحت أن “انيمال بوليتيكو” تعتمد على منح المؤسسات، والتمويل الجماعي، ومشاركات في الكتابة والاستشارات للحفاظ على الاكتفاء الذاتي للمؤسسة. فلا يمكن أن يكون مصدر دخل واحد كافيًا، بل بجمعهم معا، تتمكّن من الاستمرار بإنتاج محتوى عالي الجودة.
وأضافت مونتالفو “استخدمت انيمال بوليتيكو التمويل الجماعي لسنوات، وتعلمنا منه العديد من الدروس حول ما علينا فعله في نموذج التمويل الجماعي”.
واقترحت مونتالفو إنشاء فريق متخصص لإدارة نموذج التمويل الجماعي، بدل استخدام الصحافيين لإدارته بشكل هامشي، وقالت “إنّ إدارة الحملة عمل صعب ويستهلك الوقت ويتطلب انتباهًا وخبرة كبيرين، لذا من المهم التعامل معه بهذه الطريقة”.
بناء ثقة الإعـلام مع الجمهور يتطلّب الابتعاد عن النماذج التي تعتمد على التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي
كما لاحظ فريق “انيمال بوليتيكو” أيضًا أنّ المستخدمين لم يتجاوبوا بشكل جيد لجمع الأموال على صفحات طرف ثالث، مثل “كيكستارتر”، ونصحت مونتالفو بالمقابل العمل على كيفية الحصول على منح عبر الصفحة الرئيسية.
وأضافت “إذا طلبت منحًا فإنّ الناس يشعرون بأنّك تتسوّل”. وأعطت درسًا إضافيًا تعلّمه الفريق خلال تجربتهم بالتمويل الجماعي وهو أنّ “الرسالة التي تلهم الجمهور فعليًا للتعاون هي أن تكون الدعوة إلى العمل كجزء من الفريق”.
من جانبهما، قدمت كل من بريسكيلا بريتو المشاركة في تأسيس “فيستيفالاندو”، وهو دليل سفر عبر الإنترنت للسياحة الموسيقية في البرازيل، وأورسولا أوكينغتون، المسؤولة الإقليمية لأميركا اللاتينيّة وأوروبا في سيفيل، نتاج تجربتهما في هذا الميدان، وأشارتا إلى أنّ التمويل الجماعي هو نموذج تستخدمه غرف الأخبار الخاصة بهما أو أنها تدرس استخدامه في المستقبل.
وتعد برامج العضوية ناجحة بسبب اعتمادها على هذه الدعوة إلى العمل وتتضمن بشكل عام دفعات على أساس منتظم.
كذلك تقول بريتو “بدأنا كمدوّنة لذلك كان لدينا طريقة خاصة في كتابة التقارير، هذه العلاقة الشخصية مع القرّاء هي عنصر قوي لـ’فيستيفالاندو’، وسيكون حاسمًا في قدرتهم على تطوير برنامج العضوية خلال العام 2019″.
وأشارت إلى أنّ الثقة هي عنصر أساسي في العلاقة مع الجمهور والحصول على إيرادات، إذ تسمح للصحافيين بإنشاء نموذج تمويل جماعي ناجح.
ويتطلّب بناء الثقة الابتعاد عن النماذج التي تعتمد على التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي وعدد المشاهدات للصفحة – كما يفعل نموذج الإعلانات – نحو تعزيز العلاقات الشخصية.
وعلى الرغم أن “انيمال بوليتيكو” بدأت كحساب على تويتر، فإن الفريق لم يعد يعتمد على هذه القنوات لنشر المحتوى. ووفقًا لمونتالفو فإنّ 10 بالمئة فقط من الزوار أتوا خلال 2018 عبر تويتر. بالمقابل فإنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل والتفاعل مع قرائهم.
ويعزز التواصل المستمر العلاقة مع الجمهور، فبدل تقديم خدمات القراءة للقراء فقط فإن الفريق يستخدم مداخلات القرّاء في القرارات التحريرية. وعلى سبيل المثال فإن “انيمال بوليتيكو” تركز في كل سنة على موضوع استقصائي معيّن يتم تحديده من قبل القرّاء.
الثقة هي عنصر أساسي في العلاقة مع الجمهور والحصول على إيرادات، إذ تسمح للصحافيين بإنشاء نموذج تمويل جماعي ناجح
إضافةً إلى ما تقدّم، فإنّ نماذج الأعمال ليست الأمر الوحيد الذي يتغيّر في ميدان الإعلام في أميركا اللاتينية، فانتشار المعلومات المزيفة والمضللة وانتخاب رئيس البرازيل، جائير بولسونارو – وهو منتقد صريح للصحافة – يؤثر على الطريقة التي ينظر بها الصحافيون والجماهير إلى مستقبل الصحافة.
ولفتت بريتو: “نعلم أنّ التوقعات ليست جيدة ولكننا لا نعلم مدى سوئها”.
مع ذلك، وعلى الرغم من تحديات المستقبل هذه، فإن أعضاء الفريق يقترحون استمرار التركيز على الجماهير والمحتوى النوعي الذي يريدونه.
وقالت مونتالفو: “المفتاح هو أولاً الحفاظ على جودة المحتوى، لأنّ المتابعين يعلمون أننا سنقدم محتوى مختلفًا عن باقي وسائل الإعلام”، مضيفةً “ستستمرّ انيمال بوليتيكو بجهود التثبت والتأكد من الحقائق لأنّ أزمة المعلومات تثير اهتمام وقلق الجمهور”.
وخلال الندوة، قالت أوكينغتون أيضًا “نحن نتطوّر إلى مسار في الصحافة، لكنّ مستقبله مبهم حتّى الساعة”.
ويستلهم العديد من الصحافيين قصصهم من خلال ما تتم إثارته على مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تُستخدم فقط للتغريد ونشر روابط كلّ 15 دقيقة كي يرى المتابعون التقارير والمقالات التي ينشرها الصحافي، بل الأهم فيها هو التفاعل مع الجمهور. لذلك على الصحافي أن يقرأ ما يغرّد به الجمهور والمواضيع التي يتجاوب معها، كذلك عليه الردّ على أسئلتهم وأفكارهم.
ويجب على الصحافي أن يدرك ما هي الاتجاهات المحلية حول القضايا البارزة، والتفاعل معها كما يفعل أي إنسان عادي. كما عليه أن يطرح الأسئلة أيضا.
وتسمح مواقع التواصل الاجتماعي للصحافيين والإعلاميين بالتفاعل مع الناس بغض النظر أين يتواجدون وماذا يفعلون. لذا على الصحافيين استخدامها بشكل جيّد، وأن يتفاعلوا مع الجمهور على الإنترنت كي يرى الصحافيين والمؤسسة أنّهم يمتلكون قلبًا إنسانيًا، كي لا يشعر المتابع أنّه يتواصل مع روبوت، وفق ما يؤكد خبراء الاتصال.