رحيل بوحجر آخر الشعراء الغنائيين في المغرب
رحل الشاعر المغربي عبدالسلام بوحجر في الساعات الأخيرة من سنة 2018، بعد معاناة ومكابرة في مواجهة المرض، ليُخلّد من ورائه تجربة شعرية زاخرة، ويُخَلّف مخطوطات شعرية ومسرحية، ودراسات نقدية. أعمال باتت في حاجة إلى نشرها، قبل أن يطالها النسيان، وقبل الوقوف النقدي عند خصائص هذه التجربة الشعرية المغربية، التي تألقت مغاربيا وعربيا، منذ ثمانينات القرن الماضي، ونحتت لها تمثالا فنيا وشعريا متفرّدا.
عبدالسلام بوحجر هو آخر شعراء القضية، وآخر الشعراء الغنائيين في المغرب، عندما درج في تجربته على غرار روّاد التحديث نزار قباني ومحمود درويش، في تجاربه الأولى، وعبدالرفيع جواهري في المغرب، وآخرين، وهم يترددون ما بين كتابة الشعر الغنائي وشعر القضية، على ما في ذلك من مغامرة جمالية صعبة المنال. وقد ارتبط الراحل بكتابة الشعر بحماسة وشغف كبيرين، وهو يجعل من الشعر القضية الفنية القادرة على إيجاد حل لكل القضايا الإنسانية المصيرية.
انتمى بوحجر إلى الهامش، مترددا ما بين مدينة الحسيمة، حيث ولد في قبيلة بني بوفراح في أقصى الريف المغربي، وما بين مدينة وجدة في أقصى الشرق، ومدينة تازة، بعيدا من فاس قريبا منها. وقد حمل الشاعر معه هذا الإحساس بالتهميش ومرارة الإقصاء وبثها في كل قصائده، حتى الغنائية منها. وتضاعف الإحساس على مستوى اختياره الشعري، وهو يلتزم قصيدة التفعيلة، بسبب نفسه الغنائي الذي أنشد به قصائده الشعرية، بما فيها القصيدة القضية، أو قصيدة فلسطين، رغم سياقها الملحمي والدرامي. والشعور بالتهميش والإقصاء في تجربة شاعر ينتمي إلى الهامش أصلا هو ما يعلن عنه في قصيدة صريحة “تُقصىَ…/ لأنك لا تهيئ وصفة شعرية تحت الطلب/ تُقصىَ كما يُقصى حصان من مدارِ سباقِهِ قَسرًا/ كأنكَ لستَ روحا/ لستَ عقلا/ لست شخصَا/ تُقصى لأنك شاعر متوحد بضميره وخياله/ روحا ونصا”.
إذا كان الشاعر قد شرع في نشر قصائده منذ 1973، إلا أن تجربته الشعرية تنتمي إلى الثمانينات، تبعا لخطاب التجييل الشعري في المغرب. لكن تجربة عبدالسلام بوحجر سوف تتأسس، بالفعل، استنادا إلى جيل السبعينات الهادر في تاريخ الشعر المغربي. وفي الوقت الذي انتصر فيه الشعراء المغاربة لقصيدة النثر، في مرحلة الثمانينات، كان بوحجر قد تعلّق بشعرية غنائية، تراهن على “الصوت الشعري” وتعلّق الآمال عليه في الوصول إلى الأمداء الأخرى. وهو الذي أسس سنة 1995 مهرجان الشعر والأغنية في مدينة تازة، مدينة أحمد بوزفور وإدريس الملياني. كما أن اهتمامه بالموسيقى عمق من هذه الغنائية في تجربته الشعرية. وهكذا، فقد دق بوحجر “أجراس الأمل”، وهو عنوان ديوانه الأول الصادر سنة 1985، معلنا عن شاعر مختلف في المشهد الشعري المغربي، في تلك الفترة، وأصدر بعده ديوان “إيقاع عربي خارج الموت”، سنة 1990. ثم “أزهار الحصار”، الذي قدم له الشاعر المخضرم محمد السرغيني سنة 1995، ثم “”قمر الأطلس” سنة 1999، و”ستة عشر موعدا” سنة 2006، و”الغناء على مقام الهاء”، سنة 2013.
وتوّج الشاعر بجائزة الجاحظية للشعر في الجزائر، كما توج بجائزة القدس الدولية الأولى للشعر سنة 2009. كما حظي بتكريم في عدد من المهرجانات الوطنية والعربية.
كتب الراحل المسرحية الشعرية أيضا، وقد أصدر “ملحمة القمر الأزرق” سنة 1993، بمدينة الدار البيضاء، بينما ترك الشاعر خمس مسرحيات مخطوطة منذ عام 1989، كما يؤكد في آخر لقاء معه. وهي نصوص من شأنها أن تثري مكتبة الشعر المسرحي في المغرب.
وفي آخر مشاركة شعرية له بمدينة وجدة، ضمن برنامج “ليالي الشعر العربي” الذي نظمته دار الشعر بتطوان في العاصمة الشرقية، احتفاء بمدينة “وجدة عاصمة للثقافة العربية”، ظل الراحل يوصي شعرا وخيرا بالأجيال القادمة، بعدما شكّل صلة وصل ما بين جيل السبعينات وجيل الثمانينات في المغرب.