خيبات الحصاد السياسي الجزائري لعام 2018
اعتادت وسائل الإعلام في الدول الديمقراطية المتطورة على فسح المجال في نهاية كل سنة لعرض وتقييم الحصاد السنوي العام للبلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. لكن الوسائل الإعلامية الجزائرية تفتقد إلى هذا التقليد المهم الذي يلعب دورا محوريا في تنشيط النقاش وتفعيله على مستوى النخب ودوائر الاختصاص وعلى المستوى الشعبي من أجل الكشف عن النقائص وإبراز السبل الكفيلة بحل المشاكل التي تعترض مسار التنمية الوطنية ومحاسبة رئيس الدولة ومختلف الأجهزة الإدارية التي تشرف على إدارة شؤون البلاد.
وهنا نتساءل: لماذا لم يتمكن النظام الجزائري من إيجاد الحلول للمشكلات المتراكمة بما في ذلك مشاكل عام 2018 وخاصة قضية العهدة الخامسة ومرض الرئيس بوتفليقة وغلاء المعيشة الذي ينذر بالانفجار الاجتماعي وتقهقر مستوى التعليم وجمود التعددية الحزبية في ظل الحكم الفردي؟
لا شك أن الحجر على ممارسة النقد الذاتي في الجزائر من طرف النظام الحاكم هو المسؤول المباشر على نشر آفة التخويف من مناقشة مثل هذه القضايا العالقة ومن المحاسبة. علما أن الأنظمة الوطنية في الكثير من الدول الديمقراطية تشجع ممارسة تقييم وتقويم حركة التنمية والمشرفين عليها وتعتبر ذلك عيدا ثقافيا متحضرا يدخل ضمن إطار حق المواطنة.
ينبغي التأكيد هنا على أن تعطيل المساهمات في مجال متابعة الشأن السياسي الجزائري في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تسبب دون أدنى شك في تعقيد المشكلات القائمة.
وفضلا عن ذلك التعطيل، فقد عرقل السير على الطريق المؤدية إلى إخراج الجزائر من تخلفها البنيوي الذي لم يقدر النظام الجزائري أن يتجاوزه وأن يحقق النقلة النوعية باتجاه تشييد معمار التحديث والعصرنة في جميع المجالات بما في ذلك الإنسان باعتباره الرأسمال الجوهري.
مما يؤسف له أن أحزاب المعارضة الجزائرية المشتتة لا تملك وسائل صنع الهيمنة التي تعني قيادة الشعب بالرضا مثل المنابر الإعلامية الحرة والمتطورة والفعالة التي تلعب دور الراصد النقدي الإيجابي الذي يتابع بالتحليل والتوجيه وتيرة التنمية الوطنية ويحلل المشكلات والعراقيل التي تعترضها، وفي المقدمة مشكلة غياب مشروع الدولة الحضاري بكل أركانه.
وهكذا، فإن من يتأمل حيثيات الواقع الجزائري يتأكد بكل موضوعية أن النظام الجزائري لم يحقق في عام 2018، مثلا، أي تحوّل نوعي على صعيد بناء منظور يفضي إلى إنشاء الدولة العصرية بأسسها الثقافية، والاقتصادية، والتربوية والتعليمية، والعلمية والفكرية ما عدا بعض الترقيعات الشكلية في ميادين الصحة والإسكان وذلك في ظل تمدّد البطالة، وتدهور أشكال تنظيم المجتمع وتفشي الفساد المالي والإداري.
ومن يمعن في حيثيات الواقع الجزائري يلاحظ أيضا عن تعميم الجمود في العمل السياسي وطمس التعددية الحزبية التي فشلت في التحول إلى إطار نوعي لتربية الكفاءات الوطنية التي توكل إليها أمور تسيير الدولة، وتحديث مناهج وأساليب بناء قواعدها الصلبة.
وفي التحليل الأخير فإن الظاهرة السائدة في سنة 2018، وفي السنوات التي سبقتها أيضا، هي الدوران في هوّة الأزمة السياسية المركبة، منها أزمة مرض رئيس الدولة، الأمر الذي تسبب حقيقة في تكريس مظهري عدم الثقة لدى المواطنين في المستقبل المنظور واجتياح الكآبة في النسيج العام للمجتمع الجزائري.
لا شك أن مرض الرئيس بوتفليقة وندرة نشاطه الميداني الفاعل على مستوى الجزائر العميقة أثرا عميقا وبشكل دراماتيكي في نفسية الشعب الجزائري.
يبدو ذلك جليا في السلوك العام وفي جميع مفاصل الحياة الجزائرية اليومية إلى حدّ يمكن القول إن المعلم الأساسي لعام 2018 هو تفاقم القلق الشعبي على مصير الوطن والدولة خاصة في ظل غياب أي خطة جدية للتعامل مع الفراغ السياسي الذي ما فتئ يلقي بظلاله على البلاد.
أما المعلم الثاني البارز في الحياة السياسية الجزائرية لعام 2018 فيتمثل جوهريا في دخول الجزائر في نفق التقشف الاقتصادي وتداعياته المعقدة على حياة المواطنين اليومية.
والأزمة الاقتصادية ليست مجرد عرض طارئ لهبوط أسعار المحروقات كما تردد أحزاب الموالاة وإنما هي إحدى التجليات الصارخة لانعدام استراتيجية التنمية الشاملة التي قوامها الاستثمار في الإطارات البشرية المتعلمة والفاعلة في مجالات الصنع الذاتي للثروة المادية والثقافية والروحية فضلا عن الابتكار في شتى حقول مصادر هذه التنمية مثل الفلاحة والزراعة والسياحة والصناعات الخفيفة والثقيلة ذات الرأسمال الوطني فضلا عن تضاؤل مردودية القطاعات الاقتصادية المهمة وفي الحقول الفنية والثقافية والعلمية والتكنولوجية.
من الموضوعية القول إن السنوات الأولى من حكم الرئيس بوتفليقة ساهمت فعليا في وقف الدماء التي سالت في الجزائر طوال الفترة الزمنية المدعوة بالعشرية الدموية.
لكن وقف الدماء لا يعني أنّ المرحلة التالية كانت إقلاعا لمشروع حضاري على مستويات المعمار العصري المؤسس على أعمدة الهوية الوطنية عبر التاريخ، وصنع الثقافة الحديثة، وابتكار نمط الاقتصاد الوطني الناجح والقادر على إشباع حاجيات المواطنين وعلى المنافسة إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى تربية الإنسان الجديد في مجتمع مؤسس على وازع مركب من الثقة والاحترام والشراكة والفاعلية الحضارية المميزة.
وفي الحقيقة فإن الجزائر لم تحدث فيها نقلة راديكالية على مستوى معالجة وتغيير مختلف البنيات المادية والرمزية الجزائرية المتخلفة التي لعبت، ولا تزال تلعب، دورا محوريا في إفراز العنف المادي والرمزي في الواقع السياسي الجزائري المريض بالأحادية والفردية اللتين تتنافيان مع أدنى شروط الدولة العصرية الديمقراطية.
عمليا فإن الذي تحقـق بوضوح هو هزيمة التعددية الحزبية حيث حولت الأحزاب إلى غطاء للحكم الفردي وذلك في ظل تعميق الممارسات والذهنيات العشائرية والشللية والجهوية في الحياة السياسية الجزائرية.