جزائريون يطالبون الجيش بالعودة إلى صناعة رؤساء البلاد

حذّرت وزارة الدفاع الجزائرية، ضباطها المتقاعدين من محاولات توريط المؤسسة العسكرية في تجاذبات الاستحقاق الرئاسي، وجددت بذلك موقفها المحايد في الصراعات السياسية، أو الانجرار وراء الأصوات المتصاعدة من طرف قوى سياسية وشخصيات مستقلة، للمساهمة في تحقيق انتقال سياسي في البلاد، ينقذها من المأزق الذي تتخبط فيه.

وتوعدت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان صدر لها، الأحد، باللجوء إلى القضاء لوقف ما أسمته بـ”حملات توريط المؤسسة العسكرية في التجاذبات السياسية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد أقل من أربعة أشهر”، في إشارة إلى بعض الأصوات المتعالية من أجل تدخل العسكر لإنهاء حالة الانسداد السياسي في هرم السلطة.

وألمح البيان إلى بعض الضباط المتقاعدين، الذين جهروا في بعض منشوراتهم ومداخلاتهم الإعلامية، بضرورة تدخل العسكر للمساهمة في حلحلة الأزمة السياسية، وانتقدوا ما وصفوه بـ”الحياد غير المبرر للمؤسسة والتخلف عن أداء دورها في إنقاذ البلاد”.

وكان الجنرال المتقاعد علي غديري، قد دعا في مساهمات نشرها في صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، إلى ضرورة تحرك المؤسسة العسكرية لإنهاء حالة الانسداد القائم في السلطة، وانتقد ما وصفه بـ”صمت قائد هيئة أركان الجيش الجنرال قايد صالح، إزاء الوضع الغامض الذي تعيشه البلاد، بسبب تخبط السلطة في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي”.

وعبر الضابط المتقاعد، الذي يوصف بـ”مثقف الجيش”، عن رغبته في التقدم لخوض غمار الانتخابات الرئاسية لصالح مقاربة تنهي مرحلة الشرعية الثورية، وتمكن الشعب من حرية اختيار مسؤوليه ومؤسساته، بدل الوصاية الممارسة من طرف الدوائر النافذة في هرم السلطة.

ويعد البيان الصادر نهار أمس، عن وزارة الدفاع، الثالث من نوعه الذي حمل لهجة حادة، فقد سبق للمؤسسة العسكرية أن هاجمت بشدة تصريحات لمسؤولين وسياسيين سابقين، في صورة الوزير السابق نورالدين بوكروح، ورئيس حركة حمس الإخوانية عبدالرزاق مقري، وأمس هدد أحد ضباطها المتقاعدين باتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

الجنرال علي غديري: ضرورة تحرك الجيش لإنهاء حالة الانسداد القائم في السلطة
الجنرال علي غديري: ضرورة تحرك الجيش لإنهاء حالة الانسداد القائم في السلطة

وذكر بأنه مع “اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، يحاول بعض الأشخاص، ممن تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة، إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية، ويمنحون أنفسهم حتى الحق في التحدث باسمها، باستغلال كافة السبل، لا سيما وسائل الإعلام”.

وأضاف “إذ يتصرفون على هذا النحو، فإن هؤلاء الأشخاص الناقمين وضيّقي الأفق، الذين لن يتوانوا عن استعمال وسائل غير نزيهة، يحاولون عبثا التأثير في الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم، ولكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، فإنهم إذ يحاولون دون جدوى تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، كخيار أخير”.

وكانت المؤسسة العسكرية قد أصدرت العام 2016، قانون التحفظ العسكري، الذي يعاقب الضباط المتقاعدين أو المسرّحين عند الخوض في المسائل العسكرية والسياسية، إلا بعد مرور مدة معينة، وذلك بعد الضجة التي أثارتها تصريحات للجنرال بن حديد، حول ما أسماه بـ”تجنيد الجيش لأفراد وقيادات مما كان يعرف بالجماعة الإسلامية المسلحة في تسعينات القرن الماضي، لتنفيذ مجازر جماعية ضد السكان العزل”.

وتفاعلت عدة قوى سياسية مع المقاربة التي طرحها الجنرال علي غديري للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد، ووصفه رئيس حزب قوة الجزائر فريد مختاري، بـ”الصوت النابض في قلب السلطة، الذي يمكن أن يغير الموازين بسلاسة”، وأهلته تلك القوى لأن يكون مرشح الانتقال الداخلي، وصوت الرافضين لانحراف بارونات المال السياسي.

ويراهن الكثيرون في الجزائر رغم التقليد الراسخ في البلاد والمتمثل في صناعة العسكر لرؤساء البلاد، من أجل الانسلال من الوضع الذي كرسته سلطة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة طيلة العقدين الأخيرين، خاصة بعد التغييرات العميقة والمتواصلة التي أجراها في مؤسستي الجيش والاستخبارات، والتي قلصت من ثقلهما ونفوذهما في القرار السياسي.

ومع تشديد بيان وزارة الدفاع على لجم أصوات منتسبيها السابقين، وترويج الجنرال قايد صالح، لحياد العسكر والالتزام بالصلاحيات الدستورية، فإن التسريبات المستمرة حول دور الجيش في الجدل القائم حول الإخراج النهائي لمرشح السلطة في الاستحقاق القادم، تكرس وجود خطابين مهنيين وسياسيين داخل المؤسسة الواحدة، وقد تكون اللهجة الحادة ضد هؤلاء من قبيل قطع الطريق، بعد توسع دائرة قبولهم الشخصي والسياسي لدى قطاع عريض من الرأي العام المحلي.

وتأسّف بيان المؤسسة العسكرية على ما أسماه بـ”هذه الأفعال التي تكون من صنيع بعض العسكريين المتقاعدين، فبعد أن خدموا مطولا ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، التحقوا بتلك الدوائر المريبة والخفية، قصد الوصول إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة”.

وأضاف “إن هؤلاء الذين خانهم حسّ التقدير والرصانة، الذين يدّعون حمل رسالة ودور ليسوا أهلا لهما، ويخوضون دون حرج ولا ضمير، في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية تدفعهم إلى حدّ الادعاء بالمعرفة الجيدة للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما ينم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى”.

ولفت إلى أن “عدم الانسجام الذي يطبع الخطاب الذي يسوقه هؤلاء، لا سيما في ما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاح، مسألة إتاحة الفرصة للشباب لتبوّء مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، الذي يمليه عليهم على الأرجح عرابوهم، إنما هو تضارب يفضح نواياهم الحقيقية ويعري مقاربتهم العرجاء، ذلك أن هذه المسألة بالذات غير مطروحة أصلا، باعتبار أن غالبية الوظائف العليا في الدولة يشغلها حاليا إطارات من جيل ما بعد الاستقلال”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: