غموض مصير بوتفليقة يزيد متاعب الجزائريين
لم يكن عام 2018 الذي يشارف على النهاية سهلا على الجزائريين، بسبب تراجع الاقتصاد وما رافقه من تردّ للأوضاع المعيشية، أمام مخاوف من أن يضع الغموض حول مصير الرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة وضبابية المشهد السياسي البلاد في حالة من التخبط غير المسبوق.
رغم ما علق من آمال على الأنفاس الأخيرة من العام 2018، ليكون منصة لمرحلة جديدة في مستقبل البلاد، إلا أن الخيبة التي انتهت إليها انتظارات الجزائريين أكدت أنه سينقضي كما انقضت باقي السنوات الأخيرة، مع منسوب زائد من اليأس والاحتقان، واللحظة الفارقة التي انتظرها الجميع من بوتفليقة، ليخلّد نفسه وينقذ البلاد من تخبط غير مسبوق لم تحن بعد.
وقد تضاربت مشاعر الجزائريين، الخميس الماضي، بين حزن على ذلك الشاب عياش محجوبي الذي قضى في بئر ارتوازية (بئر عميقة جدا) في بلدة الحوامد بمحافظة المسيلة، وبين أمل علّق على اجتماع مجلس وزراء، أحيط بكثير من الجدل والتكهنات، حول إصداره لقرارات هامة تتعلق بمستقبل البلاد، غير أن الخيبة كانت كبيرة، فلا شيء تحقق إلا بعض الطقوس الروتينية.
وحتى نكهة الاحتفال بالعام الجديد لدى الجزائريين، اختفت من الواجهة، وباستثناء بعض الأثرياء والأوفياء لتلك اللحظات التي تعودوا على قضائها خارج الوطن، فإن مسحة الحزن واليأس هي الرداء الذي يلتف به الجميع، وسيحفر في ذاكرتهم، مأساة الشاب عياش، الذي كان يرفض نزع قبعة زي الخدمة الوطنية من رأسه، احتراما للوطن، أنه قضى ثمانية أيام بلياليها في بئر ارتوازية، وبين أمل الحياة ومصير الموت، وتضامن الجزائريين، عجز الوطن عن إنقاذه.
ووشّح العام 2018 صدره، بدموع ومآسي العشرات من العائلات الجزائرية، المكلومة بالنهاية المأساوية لأبنائها في عرض البحر المتوسط، بعد فشل مغامرتهم تحت أسباب مختلفة، في تحقيق حلم المرور إلى الضفة المقابلة، والهروب من وطن لم يعد يحضنهم ويحن عليهم، ولا يعتبرهم إلا مجرد أرقام في لوائح الاستحقاقات الانتخابية، أو الخدمة العسكرية.
الجزائر: عام الانقلاب غير المعلن على الدستور والتشريعات
ومن ساحل ضاحية “لابوانت” بالعاصمة، إلى ساحل الشلف الذي تلقف في بحر هذا الأسبوع جثثا بالعشرات فلتت من أسماك القرش، ورمتها أمواج البحر، والعشرات من الحوادث المماثلة في مدن الساحل الجزائري، تقف العشرات من الأمهات والأهالي على الشواطئ وقد شخصت أبصارهم في أفق لا ينتهي، أملا في أن تقذف موجة من أمواج البحر، ابنا أو قريبا، أعادته الأقدار جثة هامدة.
وطغت أخبار وشائعات الهجرة السرية على المقاهي والساحات العمومية في الأحياء الشعبية بالعاصمة، وكبريات المدن الجزائرية، وظهرت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، تهتم وتتداول أخبار المغامرات البحرية، منافسة بذلك وسائل الإعلام المتفرغة للشأن السياسي ولجدل الاستحقاق الرئاسي.
وتبقى المأساة عميقة والجرح غائر، فالوطن الذي تمسك به أبناؤه في ذروة العشرية الحمراء، لما كانت الدماء تتدفق والجثث تترامى، انتهى إلى هروب غير مسبوق لشبابه وأبنائه، الذين صاروا يفضلون المغامرة فوق قوارب الخشب، على البقاء رهائن لدى ممارسات الإقصاء والتهميش والظلم.
ورغم ما لتفاقم الظاهرة بشكل لافت في السنوات الأخيرة، من دلالات سياسية تدين السلطة والحكومات المتعاقبة التي فشلت في احتضان أبنائها والتكفل بهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فإن إحصائيات المنظمات الحقوقية، جاءت صادمة ومؤثرة.
وكشفت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، عن تواجد نحو 20 ألف جزائري في معتقلات التوقيف الأوروبية، ووصول أربعة آلاف شاب إلى السواحل الإسبانية في العشرة أشهر الأخيرة، وتسجيل هجرة عشرة آلاف في نفس المدة، ووفاة العشرات في البرد والجوع في الأحراش والغابات في رحلات الانطلاق من اليونان لبلوغ عواصم الشمال المتوسطي.
ولا زالت السلطة تتملص من مسؤوليتها السياسية والأخلاقية على أبنائها وعلى سمعة البلاد التي تديرها، ويبقى خطاب المؤامرة طاغيا على تبريرات الجهات الوصية لظاهرة الهجرة، التي تنامت بشكل مذهل في السنوات الأخيرة، ولم تمنعها حتى التقلبات الجوية في هذا الفصل البارد، فبدل الاعتراف بالمسؤولية وبالفشل، والنزول من الشجرة لمواساة الأهالي، يتم ترصد وتطويق تظاهرات الشباب الغاضب على تعاطي الحكومة مع الظاهرة.
وبالموازاة مع المستجدات المؤلمة لظاهرة الهجرة السرية، التي تعززت بعائلات بكاملها، وبنساء وأطفال ومسنين انضموا إلى قوافل الشباب، تبقى الأنظار مشدودة إلى ما سيفضي إليه الجدل القائم حول الاستحقاق الرئاسي، ومستقبل السلطة في البلاد.
وسيبقى الجزائريون يتذكرون هذا العام جيدا، قياسا بما حفل به من حراك سياسي وصراعات قوية، بدأت بفضيحة شحنة الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران خلال نهاية شهر مايو الماضي، وينتظر أن ينتهي إلى تحول سياسي غير مسبوق في مسار البلاد منذ استقلالها في 1962.
وتفاجأ الرأي العام المحلي، المنغمس آنذاك في الطقوس الرمضانية، بأخبار الفضيحة التي أفضت إلى زلزال عميق في مؤسسات الدولة، بسبب ضلوع شخصيات وأقارب وأبناء مسؤولين سامين من مختلف المؤسسات الرسمية كالقضاء والإدارة والأمن والجيش، وإلى رأس مدبرة (تاجر اللحوم كمال شيخي) أوهمت الناس بالأعمال الخيرية وتشييد المساجد.
سيتذكر الجزائريون هذا العام جيدا، قياسا بما حفل به من حراك سياسي وصراعات، بدأت بفضيحة شحنة الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران في مايو الماضي، وينتظر أن ينتهي إلى تحول سياسي غير مسبوق في مسار البلاد منذ استقلالها في 1962
وفتحت الحادثة تحوّلات مفصلية في أجهزة الدولة، بدأت بتنحية المدير العام للأمن الوطني الجنرال عبدالغني هامل، المحسوب على جناح الرئاسة، وسلسلة من التغييرات العميقة والهامة في المؤسستين الأمنية والعسكرية، بدأت في يونيو الماضي، ومست جنرالات وضباطا سامين وقادة نواح عسكرية ومديرين مركزيين في وزارة الدفاع.
وفيما كان نائب وزير الدفاع الوطني وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، يبرر معاركه بالجدارة والكفاءة في التداول على مناصب المسؤولية، تضاربت التأويلات والقراءات للأبعاد والدلالات للحركة العميقة في صفوف المؤسسة العسكرية، خاصة وأنها تزامنت مع بداية ترتيبات الأجنحة النافذة في السلطة لخوض الاستحقاق الرئاسي.
وجاءت قضية إحالة خمسة من كبار جنرالات الجيش على السجن في شهر أكتوبر الماضي، بتهم الفساد واستغلال الوظيفة، وإطلاق سراحهم بعد أسابيع، لتؤشر على وصول الصراع بين أجنحة السلطة مرحلة متقدمة، خاصة وأن مصدر قرار الإيداع وإطلاق السراح يبقى مجهولا لحدّ الآن، ولو نسب إلى الرئيس بوتفليقة، الذي يمرّ بحالة صحية قاهرة.
وتشير موجة التوقيفات والاعتقالات التي طالت عددا من الإعلاميين والفنانين والمدونين والناشطين، على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأخيرة، أحد تجليات الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، وانعكاس ذلك على وضعية الحريات الأساسية في البلاد، وهو ما كرّسه توجه الأذرع السياسية للسلطة، إلى انتهاج أسلوب خرق الدستور وانتهاك التشريعات والنصوص الناظمة لمؤسسات الدولة، والتأسيس لما أسماه رئيس الوزراء وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، بـ”سياسة الأمر الواقع”، لتبرير الانقلاب على رئيس البرلمان المبعد سعيد بوحجة، في أكتوبر الماضي.
وأعقبت ذلك تنحية أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس، منتصف الشهر الماضي، وحل مؤسسات وهياكل الحزب، وتعويضه بالرئيس الجديد للبرلمان معاذ بوشارب، كمنسق عام له.
وينتظر أن يبصم العام 2018 قبل أن ينقضي، على تحول غير مسبوق في مسار البلاد، يقوم على انقلاب غير معلن على وثيقة الدستور، فكل الخيارات المطروحة لتجاوز أزمة الاستحقاق الرئاسي، تقود إلى انتهاك لدستور لم يمض على تعديله إلا سنتين فقط.