المغرب: انتصارات دبلوماسية خارجيا وتحديات أمنية واجتماعية داخليا
شهد المغرب خلال عام 2018 الكثير من الأحداث على الصعيد السياسي والاقتصادي، ورغم أنها اتسمت بالإيجابية لكن مازالت أمام المملكة تحديات تستوجب أن تتخطاها خاصة على المستوى الأمني كحال بقية دول المنطقة والعالم.
وقبيل طي صفحة هذا العام حاول الإرهاب أن يزعزع ثقة المغاربة في اعتدالهم وتعايشهم لكنه فشل. وعلى سفح جبل توبقال قتل متطرفون سائحتين صديقتين من النرويج والدنمارك غدرا. وأظهرت هذه الحادثة كيف أن الشعب المغربي بمؤسساته يلفظ قواميس الإرهاب ويستهجن التطرف بكل أشكاله ويستوعب في الأخير إرباكاته العابرة للحدود.
وقال وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت إن “الأفراد الواقفين وراء الحادث تشبعوا بأفكار فردية متطرفة”، ووصفهم بـ”الذئاب المنفردة التي تتحرك في الظل”.
وأكد لفتيت أن هذه الحادثة حصلت بوسائل بدائية متاحة للعموم وغير متوقعة، وبرهنت أن الإرهاب لا وطن له ويمكن أن يضرب في أي وقت من الأوقات مهما بلغ وعي الدولة والمجتمع به، مشددا على أن أول خطوة لمواجهته هي وقاية مجتمعنا من المخاطر، ومنع استغلال الدين لتحقيق أغراض دنيئة، بعيدا عن قيمه السمحة.
ويبذل المغرب جهودا حثيثة للقضاء على هذه الظاهرة وتطويقها، وتعمل المؤسسات الأمنية بصفة متواصلة لكشف وتتبع وتطويق أي عملية في طور الإنجاز، وذلك بحسب شهادات لمنظمات دولية.
وتشير الإحصائيات التي قدمها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، المعروف اختصارا بـ”البسيج”، إلى أن المغرب فكك 57 خلية إرهابية، بما في ذلك 8 خلايا خلال العام الجاري، ووصل العدد الإجمالي للخلايا التي تم تفكيكها في المغرب منذ عام 2002 إلى الآن 183 خلية، سعت إلى القيام بأعمال إرهابية في المملكة، كما حالت تدخلات “مكتب الخيام” الناجحة دون وقوع 361 عملا تخريبيا.
خبراء يجمعون على أن المقاربة الأمنية لا غنى عنها لكنها ليست الوحيدة لإنهاك التنظيمات المتطرفة، بل لا بد من الاستثمار في المعرفة الدينية
ويجمع خبراء على أن المقاربة الأمنية لا غنى عنها لكنها ليست الوحيدة لإنهاك التنظيمات المتطرفة، بل لا بد من الاستثمار في المعرفة الدينية بتخليص المقررات من كل ما يمكن تأويله بصفة خاطئة ومشوّهة لتعاليم الإسلام وقيمه المعتدلة. وتبعا لذلك ولحماية أحد مصادر الشريعة من أي تعسف في التأويل خدمة لأجندات متطرفة، أطلق العاهل المغربي الملك محمد السادس في نوفمبر الماضي “الدروس الحديثية” لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، حول الحديث الشريف.
وعلى صعيد اجتماعي عرف المغرب خلال هذه السنة الآيلة للأفول عدة احتجاجات شعبية تطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية وتوفير فرص عمل وتنمية عادلة. ودفعت الأوضاع الاجتماعية الصعبة الكثير من الشباب إلى الهجرة، ورغم حجم التحديات الاجتماعية تعمل المملكة في مجالات متعددة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من حاملي الشهادات، حيث تنبه أصحاب القرار إلى أن المغرب يحتاج إلى اليد الماهرة والعقول المكونة تقنيا وعلميا، وعليه لا بد من توفير المجال لاستثمار هؤلاء والحؤول دون هجرتهم.
وأكد وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المغربي حفيظ العلمي، تلقيه تعليمات ملكية صارمة من أجل تأهيل الشباب، مؤكدا بقوله “سنضاعف مجهوداتنا للنهوض بوضع الشباب”. وسبق أن حمل العاهل المغربي مسؤولية الوضع الاجتماعي إلى تقاعس الحكومة في تدبير الموارد اللازمة لاستيعاب هذه الشريحة من المجتمع في سوق العمل وتأهيلها علميا.
وتراجعت الثقة في الأحزاب المغربية بشكل خطير هذا العام ما أثر سلبا في دورها الوسائطي بين المجتمع والدولة، ولهذا دعا الملك محمد السادس أمام أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع شرط تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.
وقد ظهر هذا التهرؤ مركزيا ومحليا عندما اندلعت الاحتجاجات الاجتماعية بعدة مناطق، فقد عرفت سنة 2018 استقالة مفاجئة لرئيس حزب الأصالة والمعاصرة المعارض إلياس العماري، ورغم انتخاب قيادة جديدة لا يزال الحزب يعاني أزمة داخلية وتيها في التعاطي مع المرحلة المقبلة بكل تحدياتها ومنها سباق الانتخابات المقبلة.
ويعيش حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الذي يقود الحكومة بدوره مرحلة اضطراب داخلي، حيث فشلت كل محاولات الصلح في جلسات حوار بين تيارين متناقضين في الرؤى والتوجهات.
تراجع الثقة في الأحزاب المغربية بشكل خطير هذا العام ما أثر سلبا في دورها الوسائطي بين المجتمع والدولة
وطرحت محاكمة عبدالعالي حامي الدين، القيادي بالحزب على خلفية جريمة قتله أحد اليساريين بفاس في العام 1993، عدة تساؤلات حول اختيارات الحزب بين الانتماء إلى مشروع الدولة والمجتمع أو الانتصار لرؤية حزبية ضيقة مهما كانت الدواعي والأسباب، حيث عبر حزب العدالة والتنمية عن دعمه لحامي الدين، فيما وصف زعيمه ورئيس الوزراء سعدالدين العثماني قرار قاضي التحقيق بإعادة المحاكمة بأنه “غير مفهوم”.
ومثل هذا العام بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار المشارك في الحكومة امتحانا صعبا له، إذ أثرت في توازن أدائه السياسي حملة المقاطعة الشعبية لثلاثة منتجات استهلاكية من ضمنها أفريقيا غاز التي يملكها عزيز أخنوش رئيس الحزب. واعتبر مراقبون أن المستقبل السياسي للحزب تراجع نتيجة المقاطعة.
وفي ما يخص قضية الصحراء المغربية، فقد شهدت مستجدات جديدة قبيل نهاية السنة الجارية، حيث تفطن المجتمع الدولي إلى ضرورة إدماج الجزائر في أي عملية سياسية باعتبارها طرفا في الملف، وهذا ما تم عندما استضافت جنيف السويسرية مائدة مستديرة جمعت المغرب والجزائر وموريتانيا إلى جانب جبهة بوليساريو الانفصالية للتباحث كمقدمة تشجيعية من طرف الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات.
وحمل العام 2018 مبادرة مغربية لحلحلة العلاقات المتأزمة مع الجزائر إذ فاجأ العاهل المغربي قادة الجزائر بدعوة إلى حوار مفتوح دون حواجز ولا طابوهات، حوار يمتلك مقومات اللقاءات الحاسمة برؤية وأدوات سياسية واقعية لمغالبة مخلفات الماضي والذهاب بعيدا نحو مستقبل الاندماج والتضامن الحقيقي، في حين لم تبد الجزائر استعداداها لهذه الخطوة.
وعلى مستوى تشريعي قامت المملكة بإعادة هيكلة مؤسسات دستورية بإمكانها العمل على امتصاص الصدمات واقتراح الحلول ووقف أي نزيف يمسّ الجسم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي المغربي، كمؤسسة الوسيط ومجلس المنافسة والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. كما شكل إطلاق قمر اصطناعي ثان لدواع أمنية واستراتيجية مع تدشين أول قطار فائق السرعة الأول في المغرب والعديد من المشاريع الاستثمارية المهمة اقتصاديا وتجاريا، نقطة إيجابية في سجل السنة التي شارفت على الانتهاء.