الإرهاب في حوز مراكش بين روايتين
منذ اندلاع الربيع العربي وتفاعل السلطة السياسية في المغرب مع حراك 20 فبراير ودخول المغرب في صيغة الإصلاح في إطار الاستقرار، لم يعرف المغرب حدثا إرهابيا، فباستثناء العمل الأمني المطرد الذي باشر عمليات تفكيك الخلايا، وتنزيل الرؤية الاستباقية في مكافحة الإرهاب، بقي المغرب بعيدا عن أي تهديد إرهابي على الرغم من استهداف الإرهاب لعدد من العواصم الغربية، وورود أسماء مغاربة ضمن لائحة المشتبه في ارتكابهم هذه العمليات.
بيد أن حدث مقتل سائحتين أجنبيتين (نرويجية ودنماركية) بمنطقة إمليل بحوز مراكش، أربكت فترة الحصانة الطويلة هذه، وأدخلت معها أسئلة كبيرة بخصوص علاقة تنظيم الدولة الإسلامية بهذا الحادث، وما إذا كان المغرب قد دخل مربع الدول المخترقة بهذا التنظيم.
المغرب، ومن خلال تصريحات رسمية أمنية، ينفي لحد الآن الرواية التي تؤكد ضلوع تنظيم الدولة الإسلامية في هذه العملية، ويعتبر أن الأمر لا يتعدى القرار الشخصي من خلفيات داعشية.
الدانمارك والنرويج، من خلال أجهزتها الاستخبارتية، تؤكدان بأن الأمر يتعلق باستهداف تنظيم الدولة الإسلامية للسائحتين، وبوجود خلفيات سياسية وراء ذلك.
المعطيات المتوفرة لحد الآن عن الحادث، لا تتجاوز الفيديو الذي تم تسريبه، والذي وثق للجريمة، والإفادات التي تؤكد مبايعة المشتبه في ارتكابهم الجريمة لتنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن معطيات مكثفة تتوفر عليها أجهزة الأمن المغربية حول هوية المشتبه فيهم وعلاقاتهم السابقة بالإرهاب.
المصادر الأمنية المغربية، تؤكد أن ثلاثة من بين الأشخاص المعتقلين على خلفية الحادث، لهم سوابق تتعلق بالإرهاب، وأن أمير الخلية (عبد الصمد إيجود) سبق أن تم اعتقاله سنة 2014 على إثر محاولته الالتحاق بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بسوريا، وأنه احتفظ بخلفية الجهادية وأسس خلية إرهابية، رغم استفادته من تخفيض عقوبته السجينة والإفراج عنه، وأنه هو الذي كان يتحدث في الفيديو الذي تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويظهر مبايعته لتنظيم داعش.
لكن على الرغم من كل هذه المعطيات التي دفعت المصادر الاستخباراتية الدانماكية والنرويجية للقول بأن الأمر يتعلق بتنفيذ تنظيم داعش لهذه العملية، فإن المغرب احتفظ بروايته الخاصة، والتي تنفي أي اتصال للخلية بهذا التنظيم، سواء كان بالعراق أو سوريا أو ليبيا، وأن الأمر تم بخلفية جهادية، لكن بقرار شخصي.
المشكلة غير بعيدة عن سؤال العلاقة بين السلطة والثروة، وما ينتج عنها من تباعد المسافة بين المركز والهامش، ومن خلق كل الشروط التي تتغذى منها الظاهرة الإرهابية
الواقع، أنه ليست لدينا معطيات دقيقة حول الدوافع التي جعلت المغرب يميل إلى أن هذه التفسير، لكن من المؤكد أن اختلاف الروايتين يعكس اختلاف المسافة بين المغرب وبين الدنمارك أو النرويج في التعاطي مع الحدث. فالمغرب، الذي تمت به العملية الإٍرهابية، يمتلك معطيات دقيقة عن المشتبه فيهم، ويمتلك أرشيفا مهما يتضمن معطيات عن عناصر شاركت في خلايا تم تفكيكها، أو عناصر تم اعتقالها على خلفيات إرهابية، ثم عادت من جديد للعمل الإرهابي، ومن الطبيعي أن يوضعوا ضمن دائرة التركيز الأمني من حيث علاقاتهم وتواصلهم بالخارج، وهو ما لا تتوفر عليه الدوائر الغربية إلا ما تتيحه فرص التنسيق بين المغرب وجيرانه الأوروبيين عندما تستهدف بحدث إرهابي يتطلب إسنادا أمنيا معلوماتيا مغربيا.
لكن مع كل هذه المسافة بين الروايتين، فإن ثمة دوافع قد تكون وراء تشديد المغرب على نفي الصلة العضوية بين الخلية وتنظيم داعش، وترجيح فرضية القرار الشخصي من خلفيات جهادية، ذلك أن الإقرار بوجود تواصل تنظيمي بين الخلية وداعش يعني حصول اختراق للمغرب، كما يعني من جهة أخرى وضع النموذج الأمني في دائرة المساءلة، وهو النموذج الذي تكثف الطلب عليه غربيا وعربيا طيلة العقد الأخير، بسبب كفاءته الاستباقية في مكافحة الإرهاب، كما يعني من جهة ثالثة، طبع الصورة الأمنية للمغرب بطابع غير مستقر، وهو الوضع الذي يمكن أن يؤثر على السياحة وتدفق الاستثمار الأجنبي، كما يمكن أن يدخل العلاقة بين المغرب وأوروبا، بل وحتى أمريكا في دائرة الضغط، ذلك أن حدود أوروبا معلقة بشمال المغرب، والاتحاد الأوربي، ما فتئ عن خرج من تسوية مالية مع المغرب لتدبير قضية الهجرة السرية، فبالأحرى أن تتضخم التحديات الأمنية، ويصير التهديد الداعشي على مقربة من حدوده.
الدنمارك والنرويج لا يحكمهما أي اعتبار من هذه الاعتبارات، وما يؤطر وجهة نظريهما هي الحقيقة التي تطلبها عائلتا السائحتين، ومن ورائها الرأي العام الاسكندنافي، وهما مثل جميع الدول الغربية، وبفعل الصناعة الإعلامية الضخمة، مسكونتان بالخطر الإرهابي الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية، في حين، تحكم هذه الحقيقة المغرب واعتبارات أخرى إضافية تهم الطمأنة وتحصين الأمن والاستقرار والصورة الأمنية للبلاد.
وزير الداخلية المغربي، السيد عبد الواحد لفتيت، أكد في تصريح رسمي ما سبق أن أكدته الأجهزة الأمنية من أن الحادث ليس له علاقة بتنظيم إرهابي كبير، مما يعني تبنيه لفرضية خلية إرهابية محلية، قامت بعمل الإرهابي بقرار شخصي دون تواصل مع تنظيم الدولة الإسلامية، والمصادر الأمنية المغربية، وفرت معطيات معلوماتية دقيقة عن أمير الخلية، والتي تدعم هذه الفرضية، كونه يحمل فكرا جهاديا، وكونه سبق له محاولة الالتحاق بتنظيم داعش ففشل واعتقل، ثم عاد لنفس الطموح بعد الإفراج عنه، وأسس خلية محلية لهذا الغرض.
لكن مهما يكن الخلاف بين الروايتين المغربية والاسكندنافية، فإن المرجح أن هذه العملية، بالافتراض المغربي، ستطرح أسئلة كبيرة على المقاربة المندمجة التي تبناها المغرب. ففضلا عن الأسئلة التي ستطرح على النموذج الأمني لو تأكد حصول الاختراق الداعشي للمغرب، فإن المقاربة المندمجة ستدخل برمتها لدائرة المساءلة، لاسيما ما يتعلق بوضعية الهامش، ودورالسياسات العمومية في التقليص من الفواق الفئوية والاجتماعية والمجالية، ومحورية سؤال توزيع الثروة في المغرب، فالأحداث التي تقع، فضلا عن هويات المشاركين في الخلايا المفككة، والاحتجاجات التي تم التعبير عنها مؤخرا في عدد من الهوامش، واضطرار السلطة السياسية في البلاد إلى الإعلان عن انتهاء مدى النموذج التنموي المغرب واستنفاد أغراضه، والتردد الذي يمس المسار الديمقراطي، والردة والنكوص الذي يداهمه ما أن يقترب لفك معادلة هذه المفارقات الصارخة، كل هذه الاعتبارات، سيتم استعادة السؤال بشأنها في فهم هذا التهديد الإرهابي الجديد للمغرب.
صحيح أن ثمة من يحاول أن يقصر الموضوع في البعد الديني، ويحاول أن يسيس القضية، ويرجع المغرب إلى نفس المربع الذي كان فيه عقب أحداث 16 ماي حين تم توجيه الاتهام لفاعل سياسي بالمسؤولية المعنوية عن الإرهاب، لكن في المحصلة، فإن المتضرر من هذا التعاطي سيكون هو النموذج الديني الذي انخرط فيه المغرب منذ تم الإعلان عن إصلاح الحقل الديني سنة 2004، إذ سيتم اتهامه بالفشل عن بلوغ أهدافه ومراميه البعيدة.
التقدير، أن المشكلة توجد بعيدا عن النموذج الأمني والنموذج الديني، مع ما يتطلبه الأمر من تطعيم وتطوير لهما لمواجهة التحديات والتحولات الرقمية المتسارعة. المشكلة في اعتقادي غير بعيدة عن سؤال العلاقة بين السلطة والثروة، وما ينتج عنها من تباعد المسافة بين المركز والهامش، ومن خلق كل الشروط التي تتغذى منها الظاهرة الإرهابية.