المعركة ضد الإرهاب مستمرة في المغرب

سياسة أمنية مغربية استباقية خنقت الخلايا الإرهابية في المهد
بدم بارد وعن سبق إصرار وترصد جرى قتل سائحتين اسكندينافيتين على سفح جبل توبقال الذي يقع بجهة مراكش، وقد تم القبض على الجناة وثبت أنهم منتمون لتنظيم داعش وقدموا لزعيمه الولاء قبل ارتكابهم الجريمة المروّعة التي شهدتها منطقة إمليل بالأطلس الكبير الاثنين الماضي، واستنكرتها كل فئات الشعب المغربي دون استثناء.

لقد اتخذ أفراد الخلية الإرهابية خيارهم في تلك الليلة، فمن اللحظة التي أقسموا فيها بالولاء لداعش لم يعد يجمعهم رابط بالدولة التي نضجوا في ظلها، ولم يبالوا بما سببوه للمجتمع الذي كفروا به عندما رفعوا السلاح على ضيوفه، والمتوقع أيضا أنهم لم يكونوا سيتورعون عن سفك دماء آخرين من بني جلدتهم.

أربعة أنفار قدروا وفكروا وقرروا اتباع طريق الدم والقتل والإرهاب الذي لا يمكن العودة منه إلا بمشقة وصعوبة كبيرتين. قبل ذبح الضحيتين بالطريقة الداعشية انخرطوا في أيديولوجية التنظيم الذي دأب على تعظيم الدم والسلاح كمنهج وحيد للتواصل مع مخالفيه. أسلوب الرعب والترهيب هذا دأب عليه الداعشيون منذ العام 2014 ولن يتوبوا عنه في القريب.

أيفترض بهذا الأسلوب إخافتنا؟ أشك في هذا لأن هناك محطات خطيرة ومريرة مر بها الوطن والمواطن كانت امتحانا شاقا وطريقة شقية للتذكر والذكرى، نذكر منها الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء في مايو 2003 وتفجير أركانه المطلة على ساحة جامع الفنا بمراكش في العام 2011، والذي خلف مقتل 17 شخصا وإصابة 21 آخرين، أغلبهم سياح أجانب.

لا بد من أخذ الدرس من هذا الحادث الجهنمي بأن التطرف صناعة وأن التصدي لجرائمه غاية قصوى من الضروري أن تشمل كافة التراب المملكة دون استثناء، لمقاومة أي فعل إجرامي مستقبلي يحاول النيل من نموذج المغرب ونمط عيشه المتسامح والمعتدل.

الفكر المتطرف كان سببا في انتقال أربعة من المغاربة إلى الضفة الأخرى من الاعتدال والوسطية اللذين عرف بهما المغاربة منذ قرون، ليسقطوا في فخ عصابات تطرف وتعصب تصطاد في المياه العكرة.

لقد حان الوقت لإعادة التفكير في إعداد مشروع مجتمعي متكامل وعلى كافة المستويات والأصعدة يشارك فيه جميع من له القدرة على إيداع خطط الإنقاذ والتعامل مع الأزمات وفتح أبواب الأمل لغد أفضل لكل المغاربة دون إقصاء. مشروع له قدرة على إقناع المواطنين بأن طريق بناء الوطن والانتماء الصحيح هو الذي يجب أن يسلكوه ويتبعون سبيله.

على الرغم من وضوح العواقب، فقد سلك المجرمون الأربعة طريق الدم باندماجهم في سلك ما يعتبرونه إسلاما حقيقيا. قد تكون بعض الأيام أو الساعات أو اللحظات كافية لتكوين انطباع عاطفي مقنع حول الطريق الجديد الذي سلكوه دون أن يكلفوا أنفسهم بأنه سيكون وبالا عليهم وعلى معارفهم نفسيا واجتماعيا.

الخطير في الأمر أن يتم تصوير شريط فيديو خلال الأسبوع الماضي، يظهر الموقوفين الأربعة المتهمين بقتل السائحتين الأجنبيتين، وهم يعلنون بيعتهم لزعيم التنظيم الإرهابي داعش أبوبكر البغدادي، متوعدين بـ”الثأر” ممن وصفوهم بـ”أعداء الله” مع التعبير عن نيتهم القيام بأعمال إرهابية، بمعنى أن العملية الإرهابية التي قاموا بها عن سابق تخطيط وتصميم أرادوا من خلالها توقيع اتفاقية الانتماء إلى داعش بدماء الضحيتين من جنسيتين أجنبيتين.

إرادة سياسية عليا للحفاظ على الاستقرار وأمن البلاد
إرادة سياسية عليا للحفاظ على الاستقرار وأمن البلاد

ولهذا معنى كبير لدى منظري ومخططي تنظيم داعش بالدرجة الأولى يؤكدون من خلاله أن أيديولوجيتهم لازالت تحظى باهتمام الشباب، وثانيا أن مخططهم يستهدف أمن البلاد داخليا وأيضا ترهيب الأجانب حتى خارج جغرافيتهم الغربية.

التجنيد مستمر لأنصار تنظيم داعش وهذا واقع مؤسف يسقطُ داخل شبكته العنكبوتية أشخاص بتكوين جد بسيط ولا يستطيعون التمييز بين المد المتطرف في الخطاب وبين المنهج المتبع من طرف دعاة التنظيم للتأثير الأيديولوجي، والغالب أن يلعب فضاء الإنترنت الدور الأكبر والأخطر في عملية الاستقطاب التي تتم على مراحل.

هناك من يعتبر أن التراث الإسلامي في عمومه دون تحديد كان سببا في ترسبات مواقف وتفسيرات وتأويلات متطرفة غالبا ما تكون خارجة عن سياق النص والواقع، ولهذا قد تستطيع نظرية التراث الصمود في وجه الانتقادات الموجهة إليها إذا تمت إعادة تعريف هذا التراث بشكل علمي وبقواعد منهجية صارمة وأيضا إذا اعتبرنا أن المضي قدما في تنقية بعض الشوائب المتعلقة بمعالجة وتأويل وتفسير النص الديني الذي طالته لقرون من الممارسة السياسية والاجتماعية والفكرية.

لهذا نقول إن لا علاقة تجمع بين الدين الإسلامي كوحي وسنة وحضارة وبين التطرف كفهم وسلوك ومنهج. كما لا يمكن الاقتراب من ساحة الوحي بسلاح خفيف من الورع والتقوى والكثير من السذاجة ولا العلم، فهذا ينتج مسخا فكريا يتسبب في كوارث على المستوى الشخصي والعام.

عندما يطرح سؤال حول ما إذا كانت حرب استقطاب الدواعش آخذة في التنامي بين ظهرانينا، فإن معظم الباحثين المهتمين سيجيبون بـ”نعم”، ويبدو أن المنتمين للتنظيم اليوم يملكون الكثير جدا من القواسم المشتركة سيكولوجيا واجتماعيا وثقافيا تجعلهم يؤمنون بالأيديولوجيا المتطرفة بكل سهولة، وواهم من يعتقد أن دعاة التنظيم الإرهابي ليس لديهم استراتيجية عميقة في الاستقطاب والتجنيد رغم أن فقد الحيّز الجغرافي كمحطة لا بد من مقابلته باستراتيجية مضادة.

بالتالي نقول إنه عندما تجنب المغرب العديد من العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة نتيجة سياسة أمنية استباقية خنقت الخلايا الإرهابية في المهد، فهذا راجع أولا إلى يقظة السلطات، وثانيا لامتلاك المعلومة الفعالة التي ساهمت في  الاستقصاء حول الأشخاص والأماكن والمجموعات، ثالثا، لإرادة سياسية عليا للحفاظ على الاستقرار وأمن البلاد.

وهي استراتيجية أمنية لا بد من تطعيمها بنظرة متكاملة  بالاتجاه إلى تجديد الخطاب الديني وتقوية المناهج الدراسية وتطوير النموذج التنموي ومواكبة الإصلاح الإداري ودعم الوسائط السياسية ومحاربة كل طرق التحايل على مقدرات البلاد وثرواتها من طرف الفاسدين، وهذا هو الطريق السريع لتجفيف منابع التفكير المتطرف المؤدي إلى سلوك طريق الإرهاب والتقتيل.

 

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: