بين الأمازيغ أحفاد طارق بن زياد… وحُماة المنشار المقدس وفقهاء السلطان!
يحقّ لأحفاد طارق بن زياد، القائد الأمازيغي المسلم المنتمي للمغرب الأقصى، أن يستهجنوا الكلام السفيه الذي يروج هذه الأيام عبر المنصات الإلكترونية، صوتا وصورة، وهو لشخص ذُكِرَ أنه إعلامي سعودي، يحمل منشارا يهدد به العرب جميعا، ويشتمهم، ويقول إنهم مجرد “عرب شتات الرومان” و”البربيكو”، وأنهم أمازيغ أحفاد طارق بن زياد، لهم لغتهم وثقافتهم الخاصة.
ويحق لهم أن يتبرؤوا منه قبل أن يتبرأ منهم، خاصة وأن فكره المريض أوحى له أن العربية والعروبة لا توجد سوى في السعودية فقط. وإذا أراد “عرب الشتات” و”الأمازيغ” اكتساب “جينات” عربية نقية، فما عليهم سوى الاحتماء بهذه الدولة والاستظلال بظلها، وعدم الطمع في بترولها، كما يزعم. أمّا إذا أصرّوا على “رومانيتهم” و”أمازيغيتهم” فلا حاجة للسعودية بهم، وليتّجهوا نحو “علمانية” الأتراك و”مجوسية” الفُرس.
طبعا، لم يكن ذلك المعتوه يتحدث بلغة عربية فصيحة وسليمة، وإنما ظلّ يرطن بلكنة أعرابية ركيكة. وكان حديثه الغارق في عصبية الجاهلية التي عفا عنها الدهر، مصحوبا بإشهار تهديداته بوسطة المنشار، إذ قال إنه سيقطع العرب من جسم السعودية كما تُجتزأ قطع لحم “الشوارمة”، مُصرًّا على تشخيص هذه العملية!
ليس في الأمر أية غرابة، لأن ذلك المعتوه تعلم من أسياده “فنون” الغدر، وهو هنا يُذكّر بجرح غائر عصيّ على الاندمال: جريمة اغتيال الشهيد خاشقجي. لكن وجه الاستغراب أن تتكرس هذه الصورة البشعة المنحطّة ممّن يزعمون الانتساب إلى الحرمين الشريفين؛ والحال أنهم أضافوا المنشار إلى اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى!
وعملاً بالمثل الشهير “خالفْ تُعرف”، فإن صاحب المنشار تعدّى بمشهده المصوّر شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية والصحف الإلكترونية ومواقع الفيديو، حتى وصل إلى بعض القنوات التلفزيونية العربية، ومن ضمنها قناة “الشرق”، حيث أفرد له معتز مطر فقرة في برنامجه الشهير، أشبعَه فيها سخرية وتندرا. ومع ذلك، فهذا الإعلاميّ المصري، وقد كشف ضحالة صاحب المنشار، استدرك موضحا أنه لا يمكن أن يؤاخَذ الجميع بجريرة سفيه، فذلك الكلام لا يعبّر حقيقة عن السعودية ولا عن طيبة السعوديين وأخلاقهم.
بيد أن شرذمة من السعوديين اختلط عليهم الولاء للوطن ـ الذي هو حق وواجب ـ بالانصياع المطلق لمسؤولين صارت سِيرهم على كل لسان. والمسؤول إنسان ككل الناس، قد يصيب وقد يخطئ، وقد يهيمن عليه الوسواس الخناس. والفرق واضح بين احترام وليّ الأمر وبين تقديسه ورفعه إلى منزلة تفوق البشر وتنزيهه عن كل نقيصة! ومن فرط تقديس “البعض” لحكّامهم، فإنهم يزدادون ضآلة وصَغارا، حتى وإن حاولوا أن يظهروا أمام باقي العرب أنهم أفضل منهم وأرقى وأنبل. وما كلام صاحب المنشار في الفيديو الشهير سوى دليل على جنون العظمة التي يحاول المحكوم أن يحاكي به الحاكم! والحمد لله أن ذلك الكلام يدخل في حكم الشاذّ الذي لا يُعتدّ به.
أساتذة “فقه الخضوع” !
وجه آخر من وجوه “تقديس” أولي الأمر، يتجلى في ما درج عليه بعض رجال الدين هذه الأيام في بلاد الحرمين الشريفين من سلوك غريب، حيث حولوا الخطب في المساجد والأحاديث التلفزيونية إلى تمجيد للحكام وتملق لهم واصطفاف بجانبهم، في محاولة لتلميع صورتهم أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي، ولا سيما بعدما تأثرت تلك الصورة سلبا بحادث اغتيال خاشقجي واعتقال العديد من الأئمة والدعاة والمفكرين والحقوقيين المعارضين.
واستغل صالح المغامسي (إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة) مشاركته في برنامج “الصورة” على قناة “روتانا” الخليجية، ليقحم الدين في السياسة، إذ زعم أن الله تعالى ينجي ولي العهد الأمير بن سلمان بأمرين، أولهما رباطة جأشه، والأمر الثاني “قد يكون ثمة شيء بينه وبين الله”…! ما هو هذا الشيء الموجود بين بن سلمان وربه؟ إنها التبرعات المالية التي يرسلها إلى الإمام المذكور من أجل توزيعها “سرا” على الفقراء والمحتاجين.
ألم يدر المغامسي وهو يقول هذا الكلام، أن أجر الصدقات (إذا صح وجودها) قد ذهب ولا ينتفع به ولي أمره، لأنه رفع السرية عنها؟ الطريف في الحكاية أن الغمامسي شرح لنا كيفية توزيع التبرعات المالية، حيث قال في البرنامج التلفزيوني المشار إليه: “نمرّ على الشباب الذين يعملون في الصيدليات ليلا، ونسلمهم نقودا، إنهم يعملون ليلا لأنهم محتاجون.” وهل بالضرورة أن كل من يعمل ليلا فهو مُحتاج وتجب عليه الصدقة؟ فليتصدقوا، إذنْ، على الأطباء والممرضين ورجال الأمن وأصحاب المداولة الليلية في كل الإدارات الحكومية والخاصة… !
ومن فقهاء السلطان الآخرين الذين امتلأت بهم بعض القنوات التلفزيونية، السديس إمام الحرم الملكي الذي طالما أبكى المصلين خلفه بتلاوته للقرآن الكريم ودعائه الطويل في رمضان المعظم وخلال موسم الحج. صار هذه الأيام حديث المجالس بإقحام الدين في السياسة وتملقه للحكام. وأخيرا استغل منبر البقاع المقدسة للحديث عن ولي العهد بن سلمان، حيث وصفه بـ”الشاب الطموح، والمحدث الملهم، صاحب رؤية تجديدية صائبة ونظرة تحديثية ثاقبة، رغم التهديدات والضغوط…”، وهو كلام نقلته القنوات التلفزيونية الدينية الموالية للنظام هناك. ولا شك أن المصلين اختلط عليهم الأمر، فلم يدروا هل هم ينصتون إلى موعظة دينية، أم إلى خطبة سياسية؟
مواقف السديس أثارت عليه حفيظة الكثيرين، سياسيين وإعلاميين ورجال دين، فهذا الإمام التونسي الشيخ بشير بن حسن التونسي، يرى أنه عوض أن يكون منبر الحرم صوت الحق والدفاع عن المظلومين، أمسى مجالا للمتاجرة بالدين. والدين أغلى من أن يتاجر به.
وبرأي صالح الأزرق، الإعلامي الشهير في قناة “الحوار” فإن مثل هؤلاء الشيوخ والدعاة والأئمة صاروا متخصصين في صناعة آلهة من بشر. وتساءل: هل بات هؤلاء أساتذة في “فقه الخضوع”، إذ يلحّون على أن طاعة وليّ الأمر واجبة، مهما أجرم أو اعتدى على الحرمات؟
ومن جهة أخرى، أورد الأزرق في برنامجه رسالة إلكترونية توصل بها من مواطن مغربي تتضمن الاقتراح التالي: نطالب السديس أن يضيف دعاء إلى أدعية ختم القرآن الكريم في رمضان، بالقول: اللهم احفظ أبناء السعودية داخل قنصليات بلادهم، وأبعد عنهم شر المنشار والأشرار”!
ومن فقهاء السلطان في البلدان العربية أيضا الداعية المصرية الشيخ خالد الجندي، الذي وصف عبد الفتاح السيسي بـ”الرئيس الجميل”، لماذا لأنه ـ كما قال ـ “جعل أيامنا أشبه ما تكون بعيد” (ويا له من عيد!) وطبعا، هذا الكلام لم يرد في برنامج سياسي، بل في برنامج ديني يحمل عنوان “لعلهم يفقهون”.
ويتذكر المغاربة المحاضرة التي ألقاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الراحل عبد الكبير العلوي المدغري على شكل درس ديني أمام العاهل الراحل الحسن الثاني، حيث اختار لها عنوان “السلطان ظل الله في أرضه”، وهي محاضرة أسالت مدادا كثيرا ما بين مرحب بها ومنتقد لها. وإمعانا في إغاظة معارضيه، أدرج الوزير الراحل المحاضرة في كتاب بعنوان “ظل الله”، جاعلا من الدين مطية لتوطيد الولاء للحكام. وذلك ديْدنُ فقهاء السلطان في كل زمان ومكان!