ملاحظات حول الأصل في قضية حامي الدين
يقول عالم السياسة الأمريكي ج. واتربوري وهو أحد أكبر المتخصصين في نظام الملك الراحل الحسن الثاني والنخبة الحاكمة بالمغرب إن طبيعة التحالفات وتكوينها يتغيران عدة مرات في حياة السلطان الواحد، فأعداؤه قد يتحولون إلى حلفاء للمخزن، ليصبحوا من جديد أعداء له وهكذا دواليك. كما يقول المؤرخ س. شار أنه يتبدى لدارس ماضي المغرب أن «التوترات كانت ممأسسة». وطبعا فإن من يقرر التحالف مع هذا أو التعادي مع ذاك هو في الغالب الأعم النظام، حسب مصالحه وحسب ميزان القوى. وإذا اقتصرنا على القرنين الأخيرين، وذلك لأن تاريخ هاته الفترة هو الأكثر درسا وتمحيصا من لدن المؤرخين وهو كذلك الأغنى توثيقا من طرف مراكز الأرشيف والمكتبات، فإن المخزن السلطاني كان غالبا ما يتحالف مع الأضعف ضد الأقوى وذلك بكل بساطة لأن القوي قد ينتهي بالطمع في الحكم أو هو على الأقل يتوفر على قدرة تفاوضية قد تفرض تنازلات مخلة بالنسق القائم. طبعا هناك استثناءات، فإذا اعتبرنا أن السلطان يوسف بن الحسن قد ساند الفرنسيين والإسبان إذ هم الأقوى، ضد أمير الريف عبد الكريم، فإن ابنه السلطان الوطني محمد الخامس قد تحالف مع الوطنيين المغاربة ضد الاستعمار رغم جبروته.
المخزن لم يحد عن هذه القاعدة العامة إلا نادرا وذلك حتى اليوم، فهو يعتبر خطا أحمر كل محاولة لبناء جبهة تجمع كل معارضيه، خصوصا إذا كان بينهم أقوياء. وحاليا، أي خلال ربع قرن الأخير، فإن النظام يعتبر أن كل تقارب بين المعارضتين الإسلامية والعلمانية خطر عليه وعلى المغرب لأن ذلك قد يخفض التوترات التي يجب أن تبقى حية حتى يبقى الأمر مستتبا للنخبة المتحكمة في الأمور.
نورد كل هذا بمناسبة التقاتل الإعلامي والسياسي الهائل الذي يتواجه فيه اليوم بالمغرب جزء من التيار اليساري مع الإسلاميين وذلك بمناسبة قرار قاضي التحقيق بمتابعة البرلماني الإسلامي عبد العالي حامي الدين بتهمة المساهمة في القتل العمد في قضية شهيد الحركة الطلابية اليسارية بنعيسى أيت الجيد الذي قتل سنة 1993.
وهذا بالرغم من أن حامي الدين سبق أن حوكم من أجل نفس الوقائع منذ حوالى ربع قرن و قضى عقوبته التي أقرتها محكمة النقض وهي سنتان سجنا نافذا.. و بالرغم أيضا من أن هيئة الإنصاف و المصالحة المكونة من شخصيات يسارية وحقوقية أصدرت مقررا تحكيميا سنة 2005 انتصرت فيه لحامي الدين معتبرة أنه تعرض لإعتقال تعسفي و أن محاكمته كانت معيبة بل و قضت على الدولة بجبر الضرر الذي ألحقته بحامي الدين بسجنه سنتين كاملتين. وهنا يجب الإشارة إلى أن القانون المغربي لا يتيح محاكمة الشخص على نفس الفعل مرتين حتى و لو وصف بأوصاف قانونية جديدة و ينص أيضا، على أن الدعوى العمومية تسقط بصدور مقرر قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به. وأن لا رقابة لقضاء أدنى درجة على قرار لمحكمة النقض، بينما متابعة حامي الدين جعلت لقاضي التحقيق سلطة على محكمة النقض بما أن قراره يلغي قرار محكمة النقض.
النظام يعتبر أن كل تقارب بين المعارضتين الإسلامية والعلمانية خطر عليه وعلى المغرب لأن ذلك قد يخفض التوترات التي يجب أن تبقى حية حتى يبقى الأمر مستتبا للنخبة المتحكمة في الأمور
كما أن الفصل 126 من الدستور ينص على أن «الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع».
الغريب في الأمر أن القضاء اعتمد على شهادة شاهد واحد وهو متهم سابق وخصم لحامي الدين وقضى بالسجن سنتين مثله مثل خصمه في أواسط التسعينيات على أساس تبادل الضرب والجرح المفضي إلى الموت. ما يزيد الطين بلة بالنسبة لصورة القضاء المغربي ويجعل القضية تبدو وكأنها استهداف سياسي لحامي الدين أن نفس الشاهد الذي يشهد اليوم أن البرلماني الإسلامي شارك في القتل العمد، صرح ـ حسب محاضر المحاكمة ـ أمام قاضي التحقيق مرتين ثم أمام الغرفة الجنائية الابتدائية ثم أمام الغرفة الجنائية الاستئنافية ثم من جديد أمام هاته الأخيرة بعد النقض، أن القاتل كان يسمى عمر محب وهو عضو في جماعة العدل والإحسان وكان يذكر ثلاثة أسماء تتغير كل مرة ولم يذكر من بينها ولا مرة حامي الدين. الأنكى من ذلك أن تصريحات الشاهد امتدت على مدى خمس سنوات أي بين 2006 و2011 أي لا يمكن أن نعتبر محتواها نتيجة لسهو أو ضغط وقت. لقد حكم على عمر محب اعتمادا على هاته الشهادة بمدة طويلة من السجن وهو مازال إلى اليوم رهن الاعتقال.
نفس الشاهد قدم أمام العموم سنة 2015 شهادة ـ لازالت موجودة إلى اليوم على الشبكة الافتراضية ـ تناولت جزئيات واقعة النزاع الذي أفضى إلى استشهاد المناضل الطلابي أيت الجيد ولم يذكر أبدا اسم حامي الدين. فما السبب إذن في أن لا يتهم «الشاهد» سنة 1993 ـ 1994 أي شخص بالقتل العمد ليتهم بعد إثنتي عشرة سنة عمر محب بأفعال تعتبر قتلا عمدا ثم بعد أثنتي عشرة سنة أخرى ينسب نفس أفعال محب لحامي الدين؟. اعتقد شخصيا أن الشاهد واقع تحت ضغط رهيب. لماذا أظن أن هناك ضغطا لا يقهر وليس مشكلا أو دافعا آخر؟ أولا لأن أغلبية من كانوا في الثمانينيات والتسعينيات يحاولون تحريك الجامعة ضد الاستبداد كانوا من خيرة وأشجع الشباب ومنهم الشاهد اليساري وحامي الدين الإسلامي. وثانيا لأن القرار بالمتابعة في حق عمر محب كان في عز التوتر الشهير بين جماعة العدل والإحسان والسلطة سنة 2006 خصوصا وأن محب كان قد دخل في شنآن كبير مع السلطات المحلية بفاس أثناء تنظيمه لمعرض كتب، اعتقل على إثره. كما أنه، تمت لأول مرة المطالبة بفتح الملف ضد عبد العالي حامي الدين عبر فاكس مقر حزب مقرب جدا من الدولة، وُجه ـ أي الفاكس ـ للإعلام في بداية أيلول/سبتمبر 2012، مباشرة بعد تصريح ناري للمعني هاجم فيه السلطات العليا. وقد أُغلق الملف وهاهو يفتح اليوم من جديد بعد تصريح جديد لحامي الدين منذ أسابيع لا يقل نارية عن تصريح 2012. وكل ما نقول هنا متاح بالصحافة وعلى الأنترنيت. إن قتل الطالب القاعدي، منذ ربع قرن، كان عملا إجراميا وشنيعا ولكن أن يستعمل دمه وكأنه قميص عثمان لتصفية حسابات مع خصوم سياسيين لا يقل شناعة. إن الظلم لا يمكن أن يزيد في مشروعية النظام بل أنه قد ينسفها نسفا. وليعلم من يقرر في هاته الأمور أن خلق التوترات ومنع أي تقارب من أجل الديمقراطية بين أطياف المجتمع المغربي لن يفيد الشيء الكثير في عصرنا الحالي؟