كيف يكون الإسلام رسالة عالمية؟

إن الاعتقاد السائد عن الإسلام هو أن هذا الدين إرث عالمي. لكن ما الذي يعنيه وصف عالمي؟ وما الذي يستند إليه تعريف الإسلام بأنه عقيدة عالمية الطابع؟

بتحليل أدبي سريع سنجد أن العالمية في حالة الإسلام تستند إلى وجود الدين في الكثير من المناطق الجغرافية ولدُن عدد كبير من الثقافات المختلفة. وهناك أيضا منظور آخر وهو أن الإسلام رسالة عالمية – بما أنّ ما أتى به من مفاهيم – صالح للإنسانية جمعاء.

بين المنهجين قاسم مشترك. فلو أن عقيدة عالمية لمجرد أنها حاضرة في الكثير من الأماكن وبين الكثير من المجموعات، فإن أي فكرة يمكن وصفها بأنها عالمية. بل إن منهج تفكير كهذا سيكاد يجعل من جميع الأفكار رسائل عالمية.

لقد ظل الإسلام منهج تفكير عالمي تقليدي قبل القرن الثالث عشر. وفي تلك الفترة ارتبط كثير من الدارسين الإسلاميين بالفلسفة اليونانية وأثمر هذا الارتباط أوراقا بحثية مهمة غيّرت تاريخ الفكر الإنساني.

لم يقتصر الأمر على فلاسفة مسلمين مثل الفارابي وابن سينا، بل امتد ليشمل مفكرين مثل أبوحامد الغزالي، الذي يحظى بتقدير كبير بين عموم المسلمين. هؤلاء جميعا اشتركوا في مناقشات فكرية مع الفلسفة الإغريقية. بالطريقة نفسها وبعد القرن الثالث عشر، كان الإسلام طرفا في مبارزة فكرية أخرى كبرى مع الثقافة الساسانية.

ورغم أن ثمرة هذه المرحلة كانت نتائج سلبية في علاقة الدولة بالمجتمع بين المسلمين، فإنها كانت مؤشرا آخر على أن الإسلام بالفعل نظام عالمي.

ما نراه اليوم باعتباره العصور الذهبية للمجتمعات الإسلامية كانت أزمنة دخل فيها الإسلام في حالة حوار مع تقاليد أخرى.

على سبيل المثال، كان هناك البيروني – الذي اعتبر رمزا للحقبة الذهبية للمجتمعات الإسلامية في العلوم – وكان هو نفسه طرفا في المشاركة الفكرية للإسلام مع تقاليد أخرى، بينها على سبيل المثال الثقافة الهندية. بل إنه ألّف كتابا عن الثقافة الهندية والمجتمع هناك بعد أن قضى بعض الوقت في الهند في أوائل القرن العاشر.

لم يكن الإسلام مجرد حضارة عاش فيها المسلمون داخل حضارات منغلقة دون تداخل مع ثقافات أخرى. بل على النقيض تماما، فالمسلمون في الأزمنة المعاصرة يملكون رصيدا فكريا سيئا في التعامل مع الثقافات الأخرى. فالإسلام اليوم نظام شديد الانغلاق على نفسه وعلى أفكاره، لأسباب بينها المجموعات المعاصرة من المسلمين التي تعارض الانخراط الفكري مع الثقافات الكبرى الأخرى.

وفي الواقع، فإن التيارات المعاصرة سعيدة بالاستفادة من حالة الانغلاق التي يعيشها الإسلام إذ إنها مكنّت الإسلاميين من تعزيز وضعهم في الدوائر الانتخابية.

لن يكون التداخل الفكري مع ثقافات أو أنظمة أخرى بغرض إعداد أوراق بحثية ممكنا إلا لو باتت المجتمعات مستعدة للتعلم من غيرها.

لكن الحركات الإسلامية المعاصرة تعرّف الإسلام في الأغلب على أنه نظام منغلق الأفكار لا يحتاج للتعلم من الآخرين. وبالتالي، تعاني عالمية الإسلام حالة ضعف حادة.

على الإسلاميين أن يدركوا أن امتلاك بعض الشبكات في العديد من البلدان ليس كافيا لزعم أنهم يحققون العالمية. فأصل الموضوع هو امتلاك المسلمين للقدرة على بدء مشاركة فكرية مع تقاليد أخرى، أو إن كانت لديهم هذه النية من الأساس.

ولعل مصطلح “المجتمع الجاهلي” الذي أتى به سيد قطب في أواخر أعماله يصبح مفيدا لفهم مدى عدم اكتراث اللاعبين الإسلاميين المعاصرين بالمشاركة الفكرية مع تقاليد أخرى.

فالمفهوم الذي نحته سيد قطب، رغم ما به من ثغرات على الكثير من المستويات، لعب دورا بالغ الأهمية بين المسلمين في العصور الحالية. وبالتالي، فالحالة التي تعيشها الكثير من المجتمعات في العالم، بما في ذلك مختلف المجتمعات الإسلامية، هي الجهل.

والحالة التي يشترك فيها الكثير من المجتمعات، وبينها مجتمعات مسلمة، هي الجهل. فبالاتساق مع مفاهيم قطب، طوّرت شخصيات إسلامية معاصرة تفسيرا شديد الانغلاق للإسلام لا يكترثون فيه بالتعلم من الآخرين؛ وبدلا من ذلك، باتت الأولوية بالنسبة لهم هي تعليم هذا الشعب “الجاهل”.

يخطئ كثير من المسلمين في الاعتقاد بأن العالمية هي حالة لا تفنى. هذا خطأ. فالأفكار والتقاليد ربما تفقد صفاتها العالمية بمرور الوقت. والإسلام اليوم يعاني لامتلاك خصائص عالمية وللدخول في حوار فكري مع غيره من الثقافات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: