كوابيس 2018 تؤرق المقبلين على السنة الجديدة

يخيّم التشاؤم على انتظارات الناس من العام 2019 جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية واتساع دائرة الفقر، إضافة إلى انعدام المناخ الديمقراطي، وغياب أنظمة تحترم حقوق المواطنين وآراءهم في عدة بلدان عربية وغربية على حد سواء.

يودع العالم سنة 2018 التي وصفها السياسيون بـ”سنة الأزمات والاضطرابات”، لتلوح في آخر أيامها الكثير من الآمال والانتظارات المعلقة على المولود الجديد، المسمى سنة 2019، والذي سيكون مسرحا زمنيا آخر للأحداث التي ستكون مسارا جديدا لحياة الشعوب.

وبانقضاء عام 2018 ستكون الشعوب قد ودعت عاما حبست فيه أنفاسها أكثر من مرة، بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والاضطرابات والهجمات الإرهابية التي هزت مختلف دول العالم، وعجزت معظم الحكومات عن احتوائها وتبديد مخاوف الناس من المستقبل المجهول.

تقويمات مختلفة لعام واحد

منير المنستيري: أعتقد أن هناك متغيرات بصدد التشكل في الدول التي طالها الربيع العربي
منير المنستيري: أعتقد أن هناك متغيرات بصدد التشكل في الدول التي طالها الربيع العربي

ويعتبر الانتقال من الحادي والثلاثين من دجنبر إلى الأول من يناير لدى أغلب شعوب العالم بداية عام جديد، فيجتمع الناس في أماكن مختلفة في الليلة الفاصلة بين العامين، للاحتفال بطي صفحة العام الماضي، وفتح صفحة جديدة حافلة بالأمنيات.

ويعتمد توقيت هذا الحدث على التقويم الغريغوري المسيحي، الذي ترسخ في أوروبا في القرن السادس عشر.

ورغم انتشار التقويم الميلادي في أنحاء العالم المختلفة، إلا أنه ليس التقويم الوحيد، ورأس السنة الميلادية ليست نفسها بالنسبة للكثير من الأمم.

فشهر يناير – شأنه شأن بقية الأشهر في التقويم الغربي – وهو من ابتداع الرومان الذين كانوا أيضا أول من حدّد أوله كمطلع للعام الجديد، ولكن بعد ذلك دأبت الشعوب الأوروبية على الاحتفال بالعام الجديد في موسم أكثر منطقية بإعادة ميلاد الحياة بعد برد الشتاء، وذلك في مقدم الربيع.

ولكن في القرن السادس عشر، وفّق البابا غريغوري الثلاثين بين الأشهر الرومانية، وأعاد إرساء الأول من يناير على أنه يوم بداية العام الجديد.

وفي البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية استغرق الأمر أقل بقليل من قرن حتى تم القبول بالتقويم الجديد بالكامل، بينما لم يتم العمل بهذا التقويم في روسيا الأرثوذكسية حتى عام 1918.

وفي الصين يكون الاحتفال الأهم هو برأس العام الصيني، وليس من المثير للدهشة أن نفس الأمر يحدث في بلدان أخرى غالبية سكانها من غير المسيحيين، مثل اليابان، حيث يعد الاحتفال بالعام الميلادي الجديد من الأحداث البارزة، التي يتم المزج فيها بين تقاليد قديمة وحديثة. وفي بلدان العالم العربي والإسلامي يتم الاحتفال برأس السنة الهجرية أيضا، وبعضها تجمع بين الاحتفالين، أي بالسنة الهجرية والميلادية، ولكن ما زالت بعض الدول، مثل الصومال وإندونيسيا وإيران وطاجيكستان تفرض حظرا على احتفالات عيد الميلاد والسنة الميلادية، بدعوى أنهما لا يمتان بصلة إلى التقليد الإسلامي.

عادات ومعتقدات غريبة

هناك العديد من المعتقدات الغريبة التي ورثتها بعض الشعوب في الاحتفال بعيد الميلاد عن الحضارة البابلية القديمة، وترسخت في الأذهان مع الحضارة التنويرية، ورغم اختلاف الشعوب في أديانهم وأعراقهم فقد توارثوا نفس المعتقدات.

ومن بين المعتقدات، أن الشخص إذا ما احتسى آخر كأس من قنينة النبيذ بعد منتصف ليلة رأس السنة، فإنه سيكون صاحب الحظ السعيد، وإذا كان أعزب فإنه سيكون أول من يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة.

ومن الشؤم أن يدخل المرء أي منزل يوم العيد دون أن يكون مصحوبا بهدية، ومن المعتقدات السائدة أيضا أن كنس الغبار إلى الخارج يوم رأس السنة يعد كنسا للحظ السعيد، وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم نذير شؤم.

فيما يعد تقبيل الحبيب أو الحبيبة في منتصف الليل، استمرارا للمحبة بينهما. كما يجب على المحتفلين بالسنة الجديدة مغادرة الحفلة من الباب غير الذي دخلوا منه، وعليهم أن يتركوا الأبواب مفتوحة قبل منتصف الليل، حتى تتمكن السنة القديمة من المغادرة على حد اعتقادهم، إلا أن البعض من العادات قد اندثرت لأسباب اقتصادية واجتماعية وحتى قانونية أيضا.

ماذا عن شعور الناس تجاه حياتهم خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة؟

الألوان لسنة زاهية
الألوان لسنة زاهية

يبدو أن التفاؤل سمة غير جامعة بين من استطلعت “العرب” آراءهم من الأوروبيين، فمعظمهم يتفق على عدم الإسراف في التفاؤل، بل وأعلنوا أن السنة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي ستمتد آثارها إلى جميع أنحاء العالم.

وأكثر ما يسيطر على ذهن الإيطالي سلفانو مونتناري الهاجس الأمني وتقلبات المناخ وحال الجيل الشاب والأحداث الإرهابية التي شهدتها أوروبا خلال الأعوام الأخيرة.

وقال مونتناري لـ”العرب”، “لا أريد أن أبدو متشائما، ولكنني أعتقد، أن العام الجديد لا يمكن أن يحمل المسرة للجيل الشاب الذي أصبح منعزلا وحزينا، وسيطرت على حياته وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد قادرا على التواصل حتى مع أقرب الناس إليه”.

ويضيف رجل الأعمال الإيطالي، “لا أرى أن القادم سيكون أحلى فجميع المؤشرات على مستوى المناخ وحياة الناس العامة تؤكد أن العالم أصبح مليئا بالأنانية، والوعود باتت أكثر من الأفعال على جميع المستويات”.

إلا أن مونتناري عازم على عدم السماح لمثل هذه المخاوف بالحيلولة دون استمتاعه باحتفالات العام الجديد وعشاء اللحظات الأخيرة في أندية روما الشعبية.

واقتحمت السياسة حياة الناس في العالم العربي مع انتشار وسائل الإعلام بأنواعها ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح الكثيرون مجبرين ودون وعي على الغوص في عوالم السياسة وإفرازاتها، فآثر الكثيرون التحدث عما سيتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قرارات خلال العام الجديد، والطريقة التي سيتعامل بها مع قضايا الشرق الأوسط، بدل الحديث عن مشاغلهم الخاصة، في حين يراقب آخرون العلاقة بين موسكو وواشنطن، متوقعين عودة أجواء الحرب الباردة من جديد، وخاصة في ظل وجود العديد من المؤشرات على ظهور عالم متعدد الأقطاب.

التفاؤل يبدد التشاؤم

عام دافئ بالحب
عام دافئ بالحب

يبدو أن النظرة الايجابية يمكن أن تتعايش أيضا بجانب التشاؤم، إذ عبر الصحافي التونسي منير المنستيري في تصريحه لـ”العرب” عن تفاؤله بالمستقبل مبددا النظرة السوداوية التي رسمها البعض عن مستقبل العالم في عام 2019.

وقال المنستيري، “أعتقد أن هناك متغيرات بصدد التشكل في العالم العربي وتحديدا في الدول التي طالها ما يسمى الربيع العربي، والنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى”.

وأضاف، “يبدو أن الجميع قد تفطن إلى الفشل الذريع الذي منيت به تجربة الإسلام السياسي وعدم قدرة هذه الحركات الإخوانية على الفصل بين السياسي والدعوي، واكتساب الصبغة المدنية والولوج إلى عالم الحداثة وإرساء ديمقراطية حقيقية بين الشعوب.وواصل، “لقد بدأنا نرى الكثير من التغييرات في سياسات الدول الكبرى تجاه الدول العربية، مما يوحي ببوادر إيجابية داخل هذه الدول التي يبدو أنها ستتجه نحو تجميع إمكانياتها، وستفتح مجالات للتعاون والتشابك، بهدف إعادة رسم الخارطة العربية وإرساء علاقات إقليمية”.

الكثير من الآمال والانتظارات المعلقة
الكثير من الآمال والانتظارات المعلقة

واعتبر المنستيري في خاتمة حديثه، أن قبول الرئيس السوري بشار الأسد دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لحضور القمة العربية المقبلة في تونس، ونزول الرئيس السوداني عمر البشير ضيفا على سوريا خلال الأيام الماضية يمثل أكبر دليل على أن القادم أفضل، وأن تغييرات لصالح الديمقراطية داخل الدول العربية بصدد البناء.

الأمور لا تسير دائما حسب التوقعات والأماني، لذلك خيّر البعض التفكير في الخيارات المتاحة أمامهم على صعيد مساراتهم الحياتية، بدلا من تعليق الآمال على العام الجديد.

ورددت الطالبة المصرية ندى نعمان بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي “وما نيل المطالب بالتمني/ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”.

وقالت لـ”العرب”، “ما أجمل أن نرى منظر الناس وهم يشترون الهدايا ليقدمونها لبعضهم بمناسبة العام الجديد، وقد يشعرنا تلقي هدية بسعادة عارمة، ولكن هل فكرنا في الأشخاص الذين شردتهم الحروب وأبعدتهم عن ذويهم أو قتلت أهلهم، أعتقد أن السنوات قد تشابهت، لست متشائمة، ولكن هذا ما يقوله الواقع الحالي في عدة بلدان عربية”.

يبقى الأمل في العام الجديد قائما حتى تستطيع البشرية أن تستمر في الحياة، رغم كل الكوابيس التي خلفها لها العام 2018 رغم الحروب والتحدبات المناخية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: