انهيار حكومة الائتلاف البلجيكية بسبب الميثاق الأممي للهجرة
نجحت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى حدّ ما في استثمار ملف الهجرة الذي يثير انقسامات عميقة داخل مجتمعاتها لتقويض استقرار الحكومات، وإذا كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد صمدت أمام الانتقادات لوقت معيّن فإنها لم يستطيع الاستمرار في الدفاع عن فكرتها باستقبال المهاجرين، وهاهو الموضوع نفسه يفكك حكومات أوروبية أخرى ويساعد في صعود التيارات الشعبوية.
حققت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية خلال العشرية الأخيرة “نجاحات” انتخابية تحسب لها مقارنة بنتائجها قبل ذلك، خاصة في بلدان تسيطر عليها التيارات اليسارية والليبرالية كألمانيا وإيطاليا.
وساهم ملف الهجرة واللاجئين المثير للجدل في كل من ألمانيا والنمسا وإيطاليا في وصول الشعبويين إلى الحكم أو الدخول في الائتلافات الحكومية وفرض توجهات بشأن ملفات الهجرة والسياسات العامة، ما أضعف الأحزاب التقليدية وقلّص قاعدتها الشعبية التي أخذت في التآكل تدريجيا.
ويعوّل الشعبويون على تذمّر الأوروبيين من بعض ممارسات الأجانب والمهاجرين، إضافة إلى ربط العمليات الإرهابية بالمسلمين لاستهداف القاعدة الانتخابية للأحزاب التقليدية.
وكانت الحكومة البلجيكية أخر ضحايا الشعبويين بعد أن أجبر الحزب الفلمنكي رئيس الحكومة شارل ميشيل على تقديم استقالته من منصبه، بعد مصادقته على الميثاق الأممي للهجرة.
وقدّم ميشيل الثلاثاء استقالته بعد أن قدّم الاشتراكيون والخضر اقتراحا بسحب الثقة من حكومة الأقلية التي يرأسها.
وأعلن ميشيل الاستقالة اثر نقاش في البرلمان دعا خلاله المعارضة إلى دعمه حالة بحالة في عدة ملفات أساسية لتمكين الحكومة من الاستمرار في عملها.
وقال في ختام النقاش في المجلس، وتحت تهديد مذكرة لحجب الثقة قدّمها الاشتراكيون وأنصار البيئة، “لم تتم الاستجابة له”.
وأضاف القيادي الفرنكفوني الذي قاد الحكومة منذ أكتوبر 2014 “أتخذ بالتالي قرار الاستقالة وأنوي التوجه فورا إلى القصر الملكي”.
ومنذ 9 ديسمبر تاريخ مغادرة الوزراء القوميين الفلمنك، حرم ميشيل من الأغلبية في مجلس النواب.
وطرح الحزب الفلمنكي بزعامة رئيس بلدية انتورب، بارت دي فيبر بعض الشروط لدعم حكومته وللتصويت على ميزانية 2019، لكن ميشيل اعتبر بعض هذه الشروط ومنها إمكانية إعادة فتح مباحثات دستورية “غير مقبولة”.
وقال أمام النواب “استنتجت أن هناك شروطا جديدة تهدد بإدخال البلاد في عملية هروب كونفدرالية إلى الأمام وانتخابات مبكرة، لم نقبل هذه الشروط، نقطة على السطر”.
وكانت الحكومة تحوّلت الأسبوع الماضي إلى حكومة أقلية بعد انسحاب حزب التحالف الفلمنكي الجديد أكبر حزب في ائتلافه بسبب خلاف حول التوقيع على اتفاق الأمم المتحدة للهجرة.
ويقول بعض الساسة الأوروبيين إن الاتفاق ربما يزيد أعداد المهاجرين في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا بشكل متزايد إلى فرض قيود على قبول اللاجئين والمهاجرين.
ويتشكل الائتلاف الحاكم برئاسة ميشيل حاليا من حزبه الليبرالي (الحركة الإصلاحية) الناطق باللغة الفرنسية وحزبين فلمنكيين آخرين.
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في مايو، ولذلك فقد يطلب الملك فيليب من ميشيل الاستمرار رئيسا لحكومة تسيير أعمال ذات صلاحيات محدودة. وربما يتحدث الملك أيضا مع زعماء سياسيين آخرين في محاولة لحل الأزمة الحالية.
وذكرت وكالة الأنباء البلجيكية “بلجا” الأربعاء أنه في أعقاب إعلان استقالة رئيس الوزراء، يقول معظم المشرعين البلجيكيين إنهم يعارضون النظر في إجراء انتخابات مبكرة، غير أنه ستتضح بعض الأمور الخميس، عندما يعقد المشرعون جلسة جديدة، وإذا تم استبعاد إجراء انتخابات، سيتعيّن أن يقرر البرلمان كيفية أداء عمله قبل الانتخابات.
وفي البداية، دعمت الأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي الاتفاق الأممي غير الملزم الذي يدعو إلى اتخاذ نهج عالمي مشترك حيال تدفق المهاجرين، لكن التحالف الفلمنكي الجديد غيّر موقفه في أواخر أكتوبر بعد انتقادات وجهها له المستشار النمساوي سيبستيان كورتس. وتواصلت الأزمة على مدى أسابيع قبل أن تظهر إلى العلن عندما توجه ميشيل إلى البرلمان إثر فشله في توحيد مواقف أعضاء حكومته حيال الميثاق.
ودافع رئيس الوزراء الليبرالي بشدة عن الميثاق، مشيرا إلى أن مصداقية بلجيكا على المحك في ما يتعلق بهذه المسألة.
ونددت زعيمة اليمين المتشدد الفرنسي مارين لوبن ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب السابق ستيف بانون بالميثاق الأممي خلال مناسبة استضافها “حزب المصلحة الفلمنكية” في بروكسل، قائلة “الدولة التي توقع على الميثاق إنما تبرم اتفاقا مع الشيطان”.
وتعدد الوثيقة الأممية 23 اقتراحا لفتح المجال أمام الهجرة الشرعية وإدارة موجة الهجرة العالمية التي تشمل نحو 250 مليون شخص يشكلون ثلاثة بالمئة من سكان العالم بشكل أفضل.