الجزائر: تأجيل الانتخابات أو التمديد للرئيس بوتفليقة

كل الدلائل تشير إلى أن النظام الجزائري قد تراجع عن خيار العهدة الخامسة التي كان ينوي أن يخوض الانتخابات الرئاسية على أساسها أوائل عام 2019 حيث صرنا نرى أحزاب الموالاة وأجهزة السلطات التشريعية والتنفيذية التي يتحكم فيها قد شرعت في التمهيد قصد إعداد نفسية الشعب الجزائر لتقبّل تأجيل الاستحقاق الرئاسي، أو المضي مباشرة في تنفيذ سيناريو التمديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لمدة زمنية متوسطة أو تقترب قليلا من المدة القانونية للعهدة الرئاسية التي ينص عليها الدستور الجزائري والمقدرة بخمس سنوات.

الجدير بالذكر أن المناخ السياسي السائد في الجزائر لا يشجع على فتح أي نقاش جدي على مستوى النخب أو على مستوى المجتمع المدني، لأنه مناخ ملغّم ويتسم بعدم اليقين جزئيا وباللامبالاة غالبا، ويعود ذلك إلى فقدان المواطنين للثقة في السياسة والسياسيين على نحو يبعث على اليأس.

في ظل التطورات التي تعرفها هذه الوضعية المعقدة نشرت جريدة الفايننشال تايمز البريطانية مؤخرا مقالا دقيقا رسمت فيه صورة قاتمة بخصوص ما ينتظر الجزائر من صعوبات اجتماعية وتعقيدات سياسية، وجمود اقتصادي في عام 2019 لحد التشاؤم الدراماتيكي.

في هذا المقال شكك الكاتب في قدرة النظام الجزائري على تفادي ما سوف ينجم عن هذه الوضعية الصعبة من تحديات قد تؤدي إلى انزلاقات تعيد البلاد مجددا إلى ما يشبه مربع العشرية الدموية التي عصفت بالأمن الوطني وأدت إلى نتائج وخيمة.

سيناريو التأجيل أو التمديد للرئيس بوتفليقة يؤكد أن النظام الجزائري لم يتجاوز عاداته التقليدية المتمثلة في انتهاج سياسات الاحتواء المؤقت للمشكلات الكبرى الملحة، بدلا من حلها جذريا في الوقت المناسب وقبل أن تتحول إلى مصدر تنتج عنها الأخطار.

لا شك أن هذا النوع من السياسات العقيمة هي نتاج لظاهرة يمكن رصدها في غياب مؤسسات التفكير السياسي الذي تحتاج إليه الحياة السياسية الوطنية، ومما يؤسف له أنه منذ الاستقلال لم تتشكل مثل هذه المؤسسات في الجزائر فضلا عن تغليب العمل السياسي الفج الذي يقضي باستمرار على الجهود الإيجابية التي تبذلها الشرائح الوطنية التي تدعو إلى بناء القواعد الصلبة للعمل السياسي المعتمد على المنهجية التي تأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع الوطني التي لا بد من التعامل معها بحكمة، وفي المقدمة المزاج الشعبي المحبط ومطالب المواطنين التي لا تلبى بسلاسة.

وفي هذا السياق يلاحظ أن النظام الجزائري لم يأخذ العبرة من تجارب الماضي القاسية التي فجّرت النزاع المسلح على الحكم، حيث يكرر من جديد الثقافة السياسية القديمة والمرفوضة والتي لا تتعامل مع مطلب تداول الحكم وفقا للمنطق، وإنما بذهنية تكرس سياسات التحايل على المجتمع المدني والأحزاب المعارضة وبذلك تحشرهما معا في الزوايا الضيقة، وتعيد بلا وعي إنتاج الأسباب والآليات التي أفرزت ولا تزال تفرز ثقافة تسيير الأزمات والحكم الفردي.

في هذا المناخ النمطي ندرك أن قضية تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير محدد أو التمديد للرئيس بوتفليقة بدلا من إجراء الانتخابات الرئاسية في أوائل عام 2019، لا تمثل سوى سياسات الهروب باتجاه الهاوية سواء على المدى القصير والمتوسط أو على المدى الطويل.

بناء على هذا فإن المرء يستغرب أن بعض أحزاب المعارضة، وفي المقدمة حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي، تقف في نصف الطريق حيث لا تعارض تطبيق سيناريو التأجيل أو التمديد شرط أن يطلب ذلك الرئيس بوتفليقة شخصيا، علما وأنها تعرف تماما أن النظام الحاكم يريد شيئين اثنين من التأجيل أو التمديد، وهما المزيد من الوقت لترتيب بيته خاصة بعد التخلص من الكثير من المسؤولين الكبار التابعين له وتعويضهم بوجوه غير معروفة يعتقد أنها غير مكروهة شعبيا، ويريد الالتفاف على الانتخابات الرئاسية بواسطة عهدة متوسطة المدى قد تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام لتحقيق هدف مستقبلي متكون من بعدين، هما تجنب تنظيم الانتخابات الرئاسية التي يمكن أن تشعل أجواء الصراع الانتخابي في البلاد وتكون لها تداعيات خطيرة كأن تسفر عن صدام حقيقي بين السلطة وبين الشارع الجزائري، والتحايل على الرأي العام والمعارضة بواسطة استخدام جزرة التمديد لضمان بقاء الحكم بين يدي هذا النظام لمدة يتم فيها إعداد سيناريوهات أخرى تضمن له السيطرة على الحكم.

من المعروف أن المعارضة بكل أطيافها على دراية بأن تأجيل الانتخابات الرئاسية أمر غير مبرر، لأن الجزائر لا تمر بحالة طوارئ أو بظروف حرب أو تهديد أمني لسيادتها الوطنية. التمديد للرئيس هو إجراء يتعارض مع الدستور والإقدام عليه هو خرق سافر للقانون الذي تقوم عليه بروتوكولات الانتخابات والتعددية الحزبية في الجزائر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: