إخوان الجزائر يتحالفون مع السلطة لإنجاح خيار تأجيل الانتخابات الرئاسية

أكدت التطورات السياسية الأخيرة في الجزائر أن عودة الإخوان إلى حضن السلطة، لم تعد مجرد تأويلات محللين سياسيين، بعدما تجسدت في اتصالات غير معلنة بين مسؤولين في حركة مجتمع السلم، وبين جهات نافذة في محيط الرئاسة، من أجل الإسهام في إخراج السلطة من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه.

وتتحدث مصادر متطابقة في الجزائر عن اتصالات جرت في الأيام الأخيرة بين قادة حركة مجتمع السلم الإخوانية، وبين رجل الظل في السلطة الجزائرية، المستشار الشخصي وشقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، بغرض البحث عن أرضية اتفاق للخروج من المأزق السياسي المتفاقم، خاصة مع دخول موعد الاستحقاق الرئاسي مرحلة العد التنازلي.

وأشارت المصادر إلى أن مبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها حركة “حمس″، القائمة على تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية بعد عامين، جاءت بناء على صفقة غير معلنة بين الحركة وبين جناح الرئاسة، وروجت لها “حمس″، على أن تكون فرصة لإرساء انتقال سياسي سلس في البلاد، تشارك فيه جميع الأطراف، سواء كانت موالية للسلطة أو من المعارضة.

وبات الرجل الأول في تيار الإخوان عبدالرزاق مقري، عراب خيار تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية في الآونة الأخيرة، رغم تنافيه مع نصوص الدستور المعدل عام 2016، حيث يذكر البند 110 أن تأجيل الانتخابات الرئاسية لا يتم إلا في ظرف قاهر واحد وهو الحرب، مما سيفضي إلى تعديل جديد لتمرير التأجيل.

وما زالت “حمس″ تتكتم عن الاتصالات المذكورة، كما أنها لم تنف ما يتم تداوله في دوائر سياسية وإعلامية محلية، الأمر الذي يرجح الفرضية، خاصة أن عبدالرزاق مقري، ألمح في تصريح صحافي إلى أن “مبادرة التوافق الوطني تستمد ضماناتها من رغبة متبادلة لدى السلطة في الذهاب إلى تأجيل الموعد”.

وكان المحلل السياسي عبدالعالي رزاقي، قد كشف عن “اتصالات جرت بين مقري وبين سعيد بوتفليقة، من أجل التوصل إلى توافق على سيناريو التأجيل”، وذلك بعد استشعار الطرفين لخطورة استحواذ جناح من الأجنحة المتصارعة على قصر المرادية، حيث برزت مخاوف من صعود تيار معاد للإسلاميين لدى الأول، وتقلص حظوظ الولاية الخامسة لبوتفليقة بالنسبة إلى الثاني.

ويرى مراقبون للشأن السياسي في الجزائر أن محيط الرئاسة الذي دأب على استقطاب جميع القوى السياسية حوله، مهما كانت تلويناتها السياسية والأيديولوجية، لا يتحرج من التقارب مع الإخوان من أجل ضمان استمراره في السلطة، وأن مبدأ ترجيح المصلحة لدى الإخوان لا يثبّت مواقفهم في موقع معين، ويمنحهم خاصية التلون مع جميع الوضعيات، بما في ذلك وضع اليد بيد خصوم الأمس.

وقد يكون طيف رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى، المدعوم من جيوب جهاز الاستخبارات المنحل، الذي يمثل الدولة العميقة في الجزائر، وراء التقارب بين جناح الرئاسة والإخوان، بهدف قطع الطريق على طموحات “التيار الاستئصالي” في شغل قصر المرادية بعد أبريل القادم.

وذكرت تسريبات في الجزائر أن رجل الظل سعيد بوتفليقة، حمل رسائل تحذير جدية لعبدالرزاق مقري، من تنامي نفوذ أويحيى في المرحلة الحالية، والخطر الذي يشكله على الطرفين في حالة استحواذه على السلطة. وبغض النظر عن مواقفه غير المعلنة من جناح الرئاسة، فهو يعتبر خصما لدودا للإسلاميين، وظل لسنوات يوصف بالذراع السياسية للتيار الاستئصالي المناوئ لهم.

وذهب مصدر في معسكر الموالاة، إلى أن “مبادرة التوافق الوطني لحركة حمس، ومبادرة الندوة الوطنية لتجمع أمل الجزائر (تاج)، لهما مصدر واحد في هرم السلطة، يناور عبر ولاء تاج ومعارضة حمس، لتمرير خيار التأجيل، الذي يفضي إلى تمديد الولاية الحالية لبوتفليقة، رغم تنافي المسعى مع مضمون الدستور”.

وتشير التلميحات إلى سعيد بوتفليقة، الذي يكون قد استشعر خطر ذهاب السلطة من أيدي العائلة، في ظل تشدد الأجنحة المتصارعة في مواقفها، ودخول أطراف غير موثوق فيها على مستقبل الرئاسة، في صورة رئيس الوزراء الحالي، وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، ومنسق الأجهزة الأمنية (الاستخبارات) الجنرال بشير طرطاق.

ونفى النائب مصطفى نواسة، من حزب “تاج”، أن “تكون مبادرة الندوة الوطنية المفتوحة، سطو أو استنساخ اجتهادات الآخرين”، في إشارة إلى مبادرة التوافق الوطني لحركة “حمس″، بسبب تشابه الآليات والأهداف، التي تبدأ من دعوة إلى مشاركة كل الأطراف، وتصل إلى إرجاء موعد الانتخابات الرئاسية.

وأكد نواسة أن “مبادرة تاج  تهدف إلى فتح نقاش وطني تشارك فيه جميع القوى السياسية والمجتمع المدني والنخب والشخصيات المستقلة، لبلورة مشروع وطني يكون في مستوى التحديات الداخلية والخارجية، ويفضي إلى إجماع وطني حول جزائر جديدة”.

وذكرت تقارير إعلامية محلية أن “اتصالات جارية بين فاعلين في مبادرة عمار غول، ومسؤولين في الرئاسة، لوضع الخطوط العريضة للندوة، المنتظر عقدها في مطلع الأسبوع الثاني من الشهر المقبل، وهو التاريخ الذي يتزامن مع نفاد مهلة دعوة رئيس الجمهورية إلى الهيئة الناخبة لموعد الانتخابات الرئاسية، وفق مقتضيات دستور البلاد، وهو ما يفضي آليا إلى تأجيل الموعد الرئاسي”.

وألمحت التقارير إلى تعديل دستوري في الأفق، يسمح بتأجيل الانتخابات الرئاسية، ويستحدث منصبا لنائب أو نواب لرئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فضلا عن تعديلات طفيفة تتعلق بالحريات وصلاحيات المؤسسات والمناصب المستحدثة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: