الهجرة تتحول من وسيلة للتنمية إلى مصدر للأزمات

يحتفل العالم في 18 دجنبر من كل عام باليوم العالمي للهجرة، إلا أن إحياء هذه الذكرى في السنوات الأخيرة تحوّل إلى مثابة الكابوس الذي يخيف العالم من أن تكون مسألة الهجرة أو ملف اللاجئين دافعا كبيرا لاختلاق نوع من الحروب الجديدة، فبعد أن كان سبب اختيار المهاجرين أو اللاجئين في السابق لمغادرة أوطانهم متأتيا بالأساس من الهروب من الحروب والصراعات، تنبئ كل التطورات بأن فعل الهجرة قد يكون في حد ذاته إحدى أولى الشرارات التي قد تدفع العالم إلى صراع مفتوح، فعصر اليوم هو حقبة جديدة لـ”حروب الهجرة” التي بدأت بالفعل.

أحيت الأمم المتحدة ذكرى 18 دجنبر المخصصة لليوم العالمي للهجرة، ورغم تشبث المنظمة الأممية بأهمية فعل الهجرة ودوره الكبير في تنمية بعض المجتمعات ومساعدتها على تخطي العديد من الصعاب، فإن الأرقام التي أظهرتها تقارير نشرتها الأمم المتحدة، تشير إلى بلوغ عدد المهاجرين في العالم، 258 مليون مهاجر اضطروا لترك أوطانهم والهجرة إلى بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل، تستدعي تفكيك هذا الرقم الضخم في وقت بات فيه ملف الهجرة عموما ومسألة اللاجئين بصفة خاصة محور نقاشات حادة بين الدول ستؤدي وفق بعض الملاحظين ربما حتى إلى إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة.

بحث عن الأفضل

تاريخيا، كانت الهجرة ووفق تعريفات الأمم المتحدة فعلا ممتدا في تاريخ البشرية تجلت تمظهراته في رغبة المهاجرين لأوطانهم في تنمية قدراتهم ومتطلباتهم الاجتماعية والاقتصادية التي تكون لها بالتوازي مع  الفائدة الشخصية لأي مهاجر مصالح اقتصادية كبرى لبلدانهم الأصلية.

الأمم المتحدة
الأمم المتحدة

لكن في السنوات الأخيرة، ولئن تحاول العديد من الدول التركيز فحسب على ملف اللاجئين الذين ارتفعت أعدادهم في أوروبا أو حتى في أميركا بفعل الحروب والصراعات الدائرة في بلدان مثل سوريا وليبيا، فإن ملف الهجرة بصفة عامة أصبح محط أنظار العالم بل وتحديا جديدا تنظم من أجله العديد من المؤتمرات الدولية للبحث عن آليات للحد منها مع تصاعد موجة الإرهاب والتطرّف التي اجتاحت خاصة أوروبا والتي في الكثير يكون منفذوها من أصول مهاجرة.

وبهذا المنطق الجديد الذي يتعامل به العالم مع ملف الهجرة، فإن العديد من التطورات الحاصلة تشير إلى أن حلم المهاجر قد تحوّل فعلا إلى كابوس، فبعد أن كان هدفه تحسين ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والعودة بالنفع على أسرته وموطنه الأصلي يجد نفسه يكابد ويسقط في مطبّات البطالة أو التسفير أو حتى إلى العنصرية لأسباب في مجملها تتعلّق بالأزمات الاقتصادية التي بدأت تنهك الليبرالية الأوروبية بصفة خاصة والغربية بصفة عامة والتي تحمّل اللاجىء أو المهاجر مسؤولية كل فشل.

ويرى العديد من المراقبين أن الهجرة بصفة عامة سواء كانت طوعية أو مفروضة بسبب الحروب والصراعات باتت تشكل فعلا توترات كبرى في أوروبا ولدى الدول الغربية، مما قد يجعلها وعلى غير العادة سببا رئيسيا في اندلاع حروب جديدة تحت مسمى “حروب الهجرة”.

هذا المأزق الجديد ترجمته على أرض الواقع معلومات صادرة عن مركز تحليل البيانات العالمية حول الهجرة لدى منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، الذي أكد أن عدد المهاجرين حول العالم زاد بنسبة 49 بالمئة خلال الفترة بين عامي 2000 و2017.

ووفقا لهذا، فإن عدد المهاجرين كان 173 مليون مهاجر في عام 2000، وارتفع في عام 2005 إلى 191 مليون شخص، وإلى 222 مليون مهاجر بحلول عام 2015، فيما وصل أعدادهم إلى 258 مليون مهاجر خلال العام الماضي.

وفي الوقت الذي كان فيه المهاجرون يشكلون 2.9 بالمئة من سكان العالم في عام 1990، فإن هذه النسبة ارتفعت إلى 3.3 بالمئة في عام 2015، ما يعني أن واحدا من بين كل 30 شخصا حول العالم مهاجر إذا ما تمت مقارنتها بعدد سكان العالم البالغ 7.3 مليار نسمة.

وإلى جانب هذا، فإن الرجال يشكلون 52 بالمئة من المهاجرين حول العالم، فيما بلغت نسبة النساء 48 بالمئة. وتتراوح أعمار أغلب المهاجرين بين 30 و34 عاما.

هذه المطبات التي وقع فيها العالم، حاول أن يضع لها مؤتمر مراكش  الدولي لاعتماد الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية خارطة طريق تقدم إلى الجهات الفاعلة تتضمن مبادئ توجيهية للتعاون وتقاسم المسؤولية عن الهجرة، إلا أن ذلك أثار انتقادات القوميين والمجموعات المناهضة للهجرة في أوروبا. وتحت ضغوط التيارات السياسية اليمينية المتطرفة المحلية، غابت ثلاثون دولة عن مؤتمر مراكش، على الرغم من دعمها للوثيقة سابقا.

وندد البابا فرنسيس بالزعماء القوميين الذين يلقون باللوم على المهاجرين في مشكلات بلادهم، بينما يعززون هم أنفسهم انعدام الثقة في المجتمع عبر اتباع سياسات تقوم على التخويف من الأجانب والعنصرية.

واختلف البابا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم اليميني ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء الإيطالي بشأن حقوق المهاجرين. وقال البابا “الخطب السياسية التي تميل إلى إلقاء اللوم في كل شر على المهاجرين وحرمان الفقراء من الأمل غير مقبولة”.

ورغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت بأغلبية ساحقة الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين لتقديم دعم أكبر للفارين من أوطانهم، وللدول المضيفة لهم، فإن موجة الشعبوية التي ضربت العالم خاصة مع وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية وصعود اليمين المتطرف بالعديد من الدول الأوروبية كإيطاليا وغيرها، جعلت من هذا الملف وقودا لحروب جديدة تؤدي إلى التدخّل في شؤون المواطن الأصلية.

الحل بيد الجميع

Thumbnail

قالت ماريا فرناندا إسبينوزا رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة إن اعتماد الاتفاق هو نجاح لتعددية الأطراف. وأضافت أنه ومن خلال “دعم جهد عالمي لضمان توفير المساعدة والحماية للاجئين حول العالم، نظهر أن الدول الأعضاء والأمم المتحدة لن ينسوا اللاجئين أو الدول المستضيفة لهم”.

وتابعت “اليوم هو يوم جميل للعالم، ولأولئك اللاجئين حول العالم، البالغ عددهم 25 مليون شخص، وللمجتمعات والدول التي تستضيفهم والتي ستحصل الآن على الدعم المطلوب الذي تحتاجه”.

ورغم كل ذلك يرى مراقبون أن من شأن التدفق الكبير للمهاجرين وخاصة اللاجئين سيكون محفزا أساسيا لإغراء الحكومات الغربية ودفعها للتدخل في الأراضي الأجنبية كبلدان المغادرة أو العبور مثل ليبيا، في محاولة للحد من هذه التدفقات، مثلما حدث من تدخل غربي في حروب البلقان في أوائل التسعينات.

وما يزيد في تعقيد أمر المهاجرين وخاصة المنحدرين من أصول عربية وشمال أفريقية هو تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في أوروبا والتي يكون في غالب الأحيان منفذها عربيا أو مسلما، وهو ما وجدت فيه بعض الحكومات الأوروبية ورقة ضغط كبرى لمحاولة فرض إملاءات على المواطن.

أكثر من نصف الطلاب الذين خرجوا من بلدانهم بهدف التعلّم، اختاروا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وروسيا كوجهة لهم

وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء أن مواجهة ظاهرتي الهجرة غير الشرعية والإرهاب، تفرض على أوروبا وأفريقيا التنسيق والعمل سويا للتوصل إلى حلول فعالة لتلك التحديات من خلال رؤية مشتركة تحقق طموحات الشعوب.

وقال السيسي، في إطار المنتدى الأوروبي الأفريقي رفيع المستوى بالعاصمة النمساوية فيينا، “نسعى اليوم لإيجاد حلول واقعية ومستدامة لعدد من القضايا التي تشكل أولوية للعمل الأفريقي المشترك وعلى رأسها تحديث وتنمية دول القارة والقضاء على مظاهر الفقر وظاهرة الهجرة غير الشرعية”.

وبعيدا عن تلك النظرة السوداوية تجاه المهاجرين، فإن تقرير الأمم المتحدة يثبت أنه في ما يخص أعداد الطلاب الدوليين حول العالم، فقد كان عددهم مليوني طالب في عام 2000، وبلغ هذا الرقم 3 ملايين و96 ألف طالب خلال عام 2011، ليرتفع إلى 4 ملايين و85 ألف طالب بحلول عام 2016.

وأكثر من نصف الطلاب الذين خرجوا من بلدانهم بهدف التعلّم، اختاروا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وروسيا كوجهة لهم. وتصدرت الصين قائمة أكثر البلدان المصدرة للطلاب الدوليين، تلتها على الترتيب الهند وألمانيا وكوريا الجنوبية ونيجيريا وفرنسا والمملكة العربية السعودية.

وفي عام 2017، بلغ حجم الأموال المرسلة إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، 466 مليار دولار، أي أنها ارتفعت بنسبة 8.5 بالمئة مقارنة بالعام الذي قبله. وتصدرت الهند قائمة أكثر البلدان التي تدفقت إليها العملات الأجنبية، تلتها الصين والفلبين والمكسيك ونيجيريا. وشهد عام 2016 تعرض مليونين ونصف المليون مهاجر غير نظامي لعمليات تهريب المهاجرين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: