صفقة القرن من خيار إلى أمر واقع في الأراضي الفلسطينية
تستغل الولايات المتحدة اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية لتهيئة الظروف لتمرير صفقة القرن، التي سبق أن سربت بعض تفاصيلها خلال الأشهر الماضية، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في حين تتعمد إسرائيل زيادة انتهاكاتها، وتكريس أمر واقع لإجبار الفلسطينيين على قبول الخطة الأميركية.
كشفت مصادر دبلوماسية أن صفقة القرن التي كثر الحديث عنها ولم تطرح بعد، لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى حرب سياسية للترويج إليها، بعدما قطعت شوطا كبيرا في تطبيق الكثير من مكوناتها، مستفيدة من انهماك الفصائل الفلسطينية في خلافات وصراعات مضنية، وانخراط السلطة الوطنية في حرب تصفية الحسابات مع خصومها، ودخول أطراف إقليمية على الخط بحجة المساعدة الإنسانية، بينما تقود التصرفات إلى تثبيت المفاصل الرئيسية للصفقة، بحيث يصعب التراجع عما تم إنجازه على أرض الواقع.
وقالت مصادر فلسطينية، إن فكرة الصفقة معقدة، وتتضمن تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، ويعتبرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإنجاز الوحيد الذي يستطيع تحقيقه الفترة المقبلة، ولن يتنازل عنها مهما زادت التحديات التي تواجه تنفيذها.
وأكد جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، أن واشنطن تأمل في الإعلان عن خطتها للسلام خلال شهرين، معربا عن أمله في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واعتبر أن “هذه الخطة ستبقي الإسرائيليين بأمان وتمنحهم مستقبلا جيدا، كما تعطي فرصة حقيقية وأملا للشعب الفلسطيني، حتى يتسنى له العيش بشكل أفضل”. وأضاف كوشنر “ثمة صراع قد بدأ منذ زمن طويل، وطريق حياة الناس الذين يعيشون في غزة أو الضفة الغربية في الوقت الحالي غير مقبولة، لذلك هناك الكثير مما قد نستطيع فعله من أجل تحسين جودة الحياة، وهذا الأمر يتطلب إيجاد حلول لبعض القضايا الأساسية”.
تمرير الصفقة
تستغل واشنطن الخلاف المحتدم بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة، لتمرير الصفقة، وترى أن هذه الأجواء مناسبة لتقليل الاعتراضات عليها.
وأوضحت هدى نعيم النائبة فى المجلس التشريعي الفلسطيني، أن “ما تقوم به السلطة الوطنية حيال غزة يصب = لصالح تمرير بنود صفقة القرن، وتكريس عملية الفصل المتعسفة لغزة عن الضفة الغربية”.
ولوح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأسبوع الماضي بحل المجلس التشريعي الفلسطيني واتخاذ قرارات جديدة تهدف إلى تقليم أظافر قيادة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007.
وأوضح جهاد الحرازين القيادي بحركة فتح، أن “المجلس التشريعي الفلسطيني يعيش حالة من الغيبوبة وأصبح فاقدا لدوره”، وعزا ذلك “لمرور أكثر من ثماني سنوات على انتهاء دورته التي بدأت عام 2006، فيما عطل تعنت حماس في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية صدور مرسوم رئاسي لإجراء الانتخابات”.
ويحافظ الرئيس الفلسطيني على موقعه بحكم الأمر الواقع والتوافق النسبي عليه، في ظل صعوبة إجراء انتخابات رئاسية، ويعتبر وجوده على رأس السلطة الوطنية ضرورة سياسية مع تزايد الانقسام الفلسطيني، وتوقع حدوث صراع عقب خروجه من المشهد.
وجاء تهديد عباس في ظل تحركات أميركية لوضع اللمسات النهائية على صفقة القرن على الأرض، وباتت بعض شواهد الصفقة ظاهرة من قبل الإدارة الأميركية، عقب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ومحاولة إسقاط حق اللاجئين عبر وقف تمويل واشنطن لوكالة “الأونروا” لدعم وتشغيل اللاجئين، وخلق كيان مواز في غزة يمثل الدويلة الفلسطينية بعد تآكل غالبية مدن الضفة الغربية بالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
وشددت النائبة هدى نعيم على أن مواجهة صفقة القرن تستوجب إنجاز المصالحة وفك الحصار عن غزة وتحمل السلطة الوطنية جميع مسؤولياتها في غزة والضفة والقدس، وأن “حماس لا تسعى لإقامة دولة في القطاع”.
ورفضت حماس أكثر من مرة اتهامها بـ“التواطؤ” مع صفقة القرن أو سعيها لإقامة دويلة في القطاع، لكن الخطوات التي تتخذها تؤكد أنها تريد بقاء الوضع على ما هو عليه.
ولفت مراقبون إلى أن ما يجري على الأرض في فلسطين ومخيمات الشتات يشير إلى أن الإعلان عن صفقة القرن أصبح وشيكا، وغالبا سوف يتم ذلك قبل بدء ماراثون انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020، لأن ترامب يريد الحصول على دعم كبير من اللوبي اليهودي في المعركة المقبلة، عبر مبادرات وصفقات ترسخ الوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وأكد الرئيس الأميركي في لقاء جمعه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك سبتمبر الماضي، أنه سيتم نشر بنود صفقة القرن في غضون شهرين إلى أربعة، فيما تشير الشواهد إلى إمكانية تأجيل الولايات المتحدة الإعلان عن الخطة بعد الانتهاء من المشاورات مع الجانب الإسرائيلي ومناقشتها مع الأطراف العربية الفاعلة.
وتستخدم الإدارة الأميركية ورقة الضغوط الاقتصادية كوسيلة لإجبار القوى الفلسطينية على قبول الصفقة، فيما اتخذ الرئيس الفلسطيني خط تجاهل الإدارة الأميركية بعد إقدامها على إجراءات تشير إلى البدء فعليا في تنفيذ بنود صفقة القرن، عبر اللجوء إلى المنظمات الدولية، ما يؤكد ضعف أوراق الضغط التي يملكها الرئيس أبومازن، الذي يحاول الهروب من أزماته الداخلية بالتصعيد نحو حركة حماس تارة وملاحقة المعارضين له داخل حركة فتح تارة أخرى.
ويرى البعض من المتابعين أن هناك تحركات عربية قد لا تنفصل عما يجري في الأراضي الفلسطينية، ففي خطوة هي الأولى في تاريخ الأردن، وافق مجلس الوزراء مؤخرا على السماح لـ“ربّ الأسرة من أبناء قطاع غزّة الحامل لجواز السفر الأردني المؤقت سنتين أو 5 سنوات، من فاقدي حقّ المواطنة، والمقيم بموجب البطاقة البيضاء ولا يحمل لمّ شمل، بتملّك شقة في عمارة أو منزل مستقل مقام على قطعة أرض لا تزيد مساحتها على دونم واحد، أو قطعة أرض فارغة بهدف بناء للسكن لا تزيد مساحتها على دونم واحد”.
وأوضح جهاد الحرازين أن هناك جهودا عديدة لتهيئة الظروف لتمرير صفقة القرن من خلال إجراءات اتخذتها الإدارة الأميركية، خاصة قرار ترامب المتعلق بمدينة القدس باعترافه بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، بذلك يكون قد بدأ الخطوة الأولى في الصفقة، وهي إزاحة ملف القدس عن طاولة المفاوضات وطمأنة إسرائيل.
وكشف الحرازين أن البند الثاني من الصفقة يشمل تخفيض المساعدات الأميركية لوكالة الأونروا ثم قطعها، في محاولة لإزاحة الملف الثاني المتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن.
وتزامنت الخطوات مع حالة التغول الاستيطاني في الضفة الغربية واستمرار عمليات التهويد المتواصلة لمدينة القدس، وزيادة معدلات شراء منازل الفلسطينيين، لقطع أي صله لهم بها.
تصب جهود الولايات المتحدة في خانة إقامة دويلة فلسطينية في غزة وتقديم بعض المشاريع الإغاثية وخلق ممر مائي بإشراف إسرائيلي في قبرص أو ممر جوي تشرف عليه إسرائيل، وبذلك تسقط من الأجندة قضية القدس وقضية اللاجئين وحق العودة والحدود وتحقق الأمن لدولة الاحتلال والتي ستكون صاحبة اليد العليا في المنطقة.
واتهم جهاد الحرازين حماس بالتهرب من اتفاقات المصالحة التي وقعت عليها بحجج واهية، أملا في كسب المزيد من الوقت والمناورة لتحقيق مكاسب ومساعدات قطرية وإيرانية، وترسيخ حكمها فى غزة، وكل الأموال التي تدفعها الدوحة حاليا تهدف إلى دعم حكم حماس وليس دعم الشعب الفلسطيني.
وكشف محمد العمادي رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار في غزة، أن الدوحة طلبت من الجانب الإسرائيلي بناء مطار في غزة يعمل تحت إشراف قطر، بحيث تقلع الطائرات وتذهب إلى الدوحة ومنها إلى أي بقعة في العالم ومن الدوحة تأتي إلى غزة ويتم الإشراف القطري عليها أمنيا. وأكد العمادي في حوار مع وكالة “سوا” الفلسطينية، أن الدوحة طلبت من إسرائيل حل مشكلة الكهرباء وتدشين ميناء في قطاع غزة.
ويعتبر البعض من المراقبين أن الدوحة باتت رأس حربة لصفقة القرن الأميركية، عبر طرح مشروعات اقتصادية تخدم الجانب الأميركي من خلال ترسيخ حكم حماس في قطاع غزة، وذلك بإدخال الأموال والوقود إليها، يمهد لمشروع إقامة دويلة في القطاع تحت حكم حماس، وبالتالي يمهد إلى تصفية القضية، لكن لا تزال هناك قوى فلسطينية وعربية حية، تستطيع مقاومة هذا المشروع، ما يعني أن خطط واشنطن والدوحة في انتظارها المزيد من التحديات.