العدالة والتنمية المغربي يخوض معركة مع القضاء دفاعا عن أحد قيادييه
أثار قرار محكمة مغربية محاكمة عبدالعالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية بتهمة “المساهمة في القتل العمد” جدلا لدى الطيف السياسي في المغرب. وتباينت وجهات نظر الأحزاب بين من اعتبرها مسيّسة وبين من رأى أن الملف تحكمه ضوابط قانونية وإجراءات قضائية لا شبهة فيها.
وقضت محكمة الاستئناف بفاس ، الاثنين الماضي، بمحاكمة حامي الدين، وهو أيضا عضو في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، أمام غرفة الجنايات في المحكمة، بتهمة “المساهمة في القتل العمد”، على خلفية مقتل طالب جامعي يساري، عام 1993.
ويحرج هذا القرار حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي بالمملكة الذي تعصف به أزمة داخلية قادت إلى تراجع شعبيته، وقد نفى حزب العدالة والتنمية، الأربعاء، مناقشته الانسحاب من الحكومة على خلفية قرار المحاكمة.
وأكد سعدالدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية، في افتتاح الندوة الوطنية الرابعة للحوار الداخلي للحزب، السبت، أنه لا يوجد هناك خلاف داخل الحزب حول هذه القضية بل هي محاولات للتشويش عليه واستهداف عافيته الداخلية. وأكد أن أعضاء الحزب مجمعون على موقفهم من محاكمة حامي الدين، مبرزا أنه “لا مجال للتشكيك في هذه المسألة”.
وقال العثماني إن الأمانة العامة لحزبه أصدرت بيانا واضحا، “عبرت فيه عن استغرابها من إحالة الملف على غرفة الجنايات، على الرغم من أنه سبق البت النهائي في القضية منذ عام 1994، وأيضا صدر القرار التحكيمي الذي طوى صفحة الماضي”، ليخلص على هذا الأساس إلى أن “الإحالة غير مفهومة قانونيا وحقوقيا”.
وأكد العثماني أن العدالة والتنمية سيتابع هذه القضية لأنه عضو قيادي في الحزب وسيدافع عنه، مستنكرا إعادة فتح قضية سبق وأن صدر في حقها قرار نهائي.
واحتج الجسم القضائي المغربي على ما أسماه تدخلا في استقلاليته من طرف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، حيث هاجم الأخير جهاز القضاء في البلاد ردا على محاكمة زميله من نفس الحزب.
واعتبرت عدة جمعيات قضائية ممثلة في “الودادية الحسنية للقضاة”، و”الجمعية المغربية للنساء القاضيات”، و”رابطة قضاة المغرب” و”الجمعية المغربية للقضاة”، أن “المس بكرامة القضاة خط أحمر لا يقبل أي تنازل أو تهاون أو تخاذل”. وشجبوا استعمال “جهات مسؤولة داخل الحكومة لمصطلحات غير لائقة تشكل مسا خطيرا باستقلال السلطة القضائية وتحريضا غير مسؤول ضد القضاء”.
وسبق لمصطفى الرميد أن وصف قرار إحالة قضية حامي الدين على غرفة الجنايات بفاس بأنه “لو قدر له أن يصمد أمام القضاء فسيكون ذلك انقلابا على مسار العدالة بالمغرب”. ولوح أعضاء الجمعيات القضائية بالتقدم بشكاية ضد الوزير الرميد؛ وذلك بعد تدارسهم للموضوع مع هياكل المنظمات التي ينتمون إليها.
واعتبر عبدالحق العياسي الوكيل العام للملك بالمحكمة التجارية رئيس الودادية الحسنية للقضاة، أن مثل هذه التصريحات “غير محسوبة العواقب وغير مسؤولة، تسيء إلى سمعة المملكة أمام المجتمع الدولي وتبخر مجهوداتها المبذولة في مجال الحقوق والحريات”. مشيرا إلى أن المرحلة وتحدياتها “تقتضي من كافة السلط المساهمة بشكل إيجابي في تكريس استقلال السلطة القضائية وصيانة حرمتها، خدمة للمشروع المجتمعي المتقدم الذي يقوده العاهل المغربي الملك محمد السادس”.
ورفض المحامي حسن العلوي، إعادة فتح ملفات طالها التقادم، وصدرت فيها أحكام باتة غير قابلة للطعن وتلاشت أوراقها في أرشيف المحاكم، ونفى توظيف القضاء في الصراعات السياسية.
ويعتقد المحامي عبداللطيف وهبي أن الخلاف يتجاوز شخص حامي الدين، موضحا أنه يتعلق بمدى احترام القانون وتطبيق المبادئ الدستورية والقواعد المتعارف عليها منذ أكثر من 100 سنة بالمملكة، حين أصبح لهذا البلد قانون جنائي وقانون للمسطرة الجنائية”، وشدد وهبي على أن تعليل قاضي التحقيق مخالف لدوره الأساسي كقاضي التحقيق في “مراقبة حسن تطبيق القانون وحماية المتهم”، لافتا إلى أن حقوق المتهم هي “حقوق مقدسة لأنها حقوقنا جميعا في إطار دولة القانون وليس فقط حق حامي الدين”.
وشدد وهبي بناء على مجموعة من الإحالات القانونية على أن قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس القاضي بمتابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالعلي حامي الدين، بتهمة “المساهمة في القتل العمد” للطالب بنعيسى آيت الجيد، “صائبا”، لافتا إلى أن الملف أخذ مسارا طويلا.
وقرر القضاة تشكيل لجنة مشتركة لتتبع تطورات هذه القضية استنكارا للمساس باستقلال السلطة القضائية ومحاولة التأثير على القضاء، مؤكدين أن دفاعهم عن استقلالية السلطة القضائية “لا ينطلق من مبدأ الفئوية، أو التحامل على أي جهة أو شخص، وإنما من منطلق الإيمان الراسخ باستقلال السلطة القضائية كما ضمنه الدستور والقوانين”.