عبدالجليل الوزاني روائي مغربي يغامر في متاهات الشاطئ الأزرق
رغم أن رحلته في عالم النشر الروائي بدأت متأخرة، وتحديدا منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما حينما نشر روايته الأولى “الضفاف المتجددة – تيكيساس”، إلا أن الروائي المغربي عبدالجليل الوزاني تابع مشواره الأدبي والروائي منذ ذلك التاريخ، ليقدّم سبعة أعمال متتالية، نجحت في أن تحظى بقبول جماهيري ونقدي، وبجوائز محلية وعربية. “العرب” حاورت الوزاني حول أعماله الروائية ومشروعاته الأدبية المقبلة.
نشر الروائي المغربي عبدالجليل الوزاني أول عمل له عام 2003 بعنوان “الضفاف المتجددة ـ تيكيساس” في منتصف العقد الرابع من عمره، والحديث هنا عن التأخر في النشر وليس التأخر في الكتابة، إذ يلفت الكاتب إلى أن هذه الرواية كُتبت سنة 1990 إبان الأزمة العراقية الكويتية التي أدخلت العالم العربي في متاهات لم يخرج منها حتى الآن، وظلت كل هذه السنوات حبيسة درج مكتبه، تبحث عن منفذ للخروج، غير أن إكراهات ذاتية وموضوعية مادية ومعنوية حالت دون ذلك، منها التوجس من النشر والخوف من الفشل، وغياب ناشر أو داعم مادي ومعنوي يؤمن بهذا العمل وبصاحبه، ثم استقراره بمدينة صغيرة بعيدة عن المراكز الثقافية الكبرى بالمغرب حيث كان يعمل أستاذا بالتعليم الثانوي مما حال دون خروج النص الأول إلى القراء في وقته.
السرد والمرأة
“متاهات الشاطئ الأزرق” هي رواية عبدالجليل الوزاني الأخيرة إلى الآن في سلسلة إبداعه الروائي. ويلفت الوزاني إلى أن هذه الرواية تعد منعطفا جديدا في مساره الإبداعي، حاول من خلالها البحث عن صيغة جديدة لكتابة الرواية بالنسبة إلى تجربته الشخصية. وبالرغم من أن “الأسلوب هو الرجل” من الصعب أن يتجدد، فإن هناك أشياء أخرى قابلة للتجديد بالرغم أيضا من التقاطعات على مستوى الثيمات والمواضيع المتناولة في أعمال سابقة.
يقول الوزاني “رواية ‘متاهات الشاطئ الأزرق‘ تطرح أفكارا نقدية وآراء حول الكتابة الروائية من الزاوية الشخصية، وأيضا تطرح قضايا موازية كالتلقي وتفاعل القراء مع ما يُكتب، ومناقشة دور الكاتب والمشتغلين بالإبداع الفني المتنوع ومكانتهم في مجتمع متخلف مُثقل بالجهل والأمية والفقر والمعيقات الاقتصادية وغيرها.
فهي سفر نحو عوالم تمتزج فيها القضايا النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بموطن ومكان غير مصرح به، هو وطننا العربي المعاصر كما يُفهم من السياقات الروائية، كما أنها محاولة للتحرر من قيود المكان والزمان المخصوصين مكتفية بالاستعارة والمجاز الذي يجعلنا دائما أوفياء لزمننا ومكاننا اللذين لا نتطلع إلى التحرر منهما مهما حاولنا ذلك”.
في روايته “امرأة في الظل” سرد عن زينب، تلك الشخصية الحاضرة في رواية سابقة له بعنوان “احتراق في زمن الصقيع”، وهنا يُبين الوزاني أن “زينب” شخصية انبثقت في ذهنه أثناء كتابته لرواية “احتراق في زمن الصقيع”، وكان دورها محدودا، إذ أراد لها أن تملأ الفراغ الذي قد يحدثه انفراد جمال الأحمدي وهو في مخبئه هاربا من الشرطة إبّان حملة الاعتقالات التي تعرض لها بعض الطلاب، عقب أحداث يناير 1984 بتطوان، لكن مكانة هذه المرأة ستكبر فارضة نفسها عليه ككاتب وعلى جمال الأحمدي أيضا.
بعد نشر الرواية وتناولها من طرف بعض النقاد والدارسين كانت جل التأويلات تنصب في إدانة جمال الأحمدي ووصفه بالشخصية الثعلبية، واتهامه باغتصاب هذه المرأة في عقر دارها.
يأتي السرد في هذه الرواية على لسان امرأة، يقول الوزاني “كتابة الرجل بلسان المرأة ليس سهلا ومتيسرا للجميع، ولن يكلل دائما بالنجاح. فعندما قررت خوض مغامرة كتابة ‘امرأة في الظل‘، كنت مضطرا إلى أن أجعل زينب هذه هي التي تتحدث عن تجربتها، وعما حدث لها طيلة المدة التي غابت فيها عنه وعن القراء، وكانت الطريقة المثلى جعلها تسرد هذه الأحداث هي دون سواها، وأن تُصاغ في شكل رسالة تكتبها لجمال الأحمدي.
وجدتني أتقمص شخصيتها، وأستدعي الأحاسيس والمشاعر التي قد تتطابق وما تحسه امرأة في وضعها بقوتها وضعفها. ولعل تجربتي الطويلة في ميدان الكتابة واحتكاكي بالمرأة من طينة زينب وبيئتها جعلاني أوفق إلى حد كبير في التعبير عن نفسية المرأة ومكنوناتها إلى درجة التماهي”.
تتكرر شخصية الكاتب في بعض أعمال الوزاني الروائية، وهنا ينوه بأن هذا التكرار لا يعني أنه يكتب عن نفسه، فكل ما كتبه حتى الآن بعيد كل البعد عن سيرته الذاتية. الأمر يتعلق بالشحنات العاطفية الزائدة التي تميز بعض شخوص رواياته؛ أما تكرار هذه الشخصية فبعضه جاء بمحض الصدفة والآخر كان مقصودا، خاصة في روايتَي “ليالي الظمأ” و”متاهات الشاطئ الأزرق” حيث حاول مقاربة وضعية المثقف المزرية في المغرب خصوصا وبالعالم العربي عموما، وما يتعرض له من تهميش قد يكون مقصودا ممنهجا.
مهمة الكاتب
يشير الكاتب المغربي إلى أن الروائي قد يكتفي بملامسة موضوعات عاطفية أو اجتماعية وغيرها، لكن حسب تصوره “فالروائي الحقيقي هو الذي ينخرط في قضايا وطنية وقومية، بغض النظر عن ميوله الأيدولوجية والموقع الذي ينتمي إليه، وبالتالي لن يكون الكاتب كاتبا حقيقيا وهو في برج عاجي غير مبال بما يحدث حوله، فالبعد الجمالي الترفيهي للكتابة الإبداعية لم يعد كافيا في واقع مضطرب خاصة في عالمنا العربي.
فالرواية ما وجدت إلا لتلامس قضايا المجتمع سواء بشكل مباشر أو بطرق تلميحية، ودور الروائي ليس اقتراح الحلول وتقديم الوصفات الجاهزة، بل إثارة الانتباه وتسليط الضوء على مكامن الخلل كيفما كانت بيئته ومجتمعه بطريقة تبتعد عن الخطابية الفجة والتقريرية المملة”.
كان هيمنغواي يقول “محاولة كتابة شيء له قيمة دائمة وظيفة تقتضي التفرغ التام حتى إذا كنت لا تقضي في الكتابة الفعلية سوى سويعات كل يوم”.. ويتفق الوزاني مع هذا الرأي قائلا “بالفعل، الاشتغال بالكتابة يقتضي التفرغ التام، سواء كممارسة أو تفكير في ما ينبغي كتابته، لكن واقع الحال عكس ذلك في عالمنا العربي، فالكتابة لن تُغني الكاتب عن مزاولة عمل يقتات منه، فالمجتمع لا يعترف بما قد نسميه مهنة ‘كاتب’، بل حتى الذين تفرغوا للكتابة لا يعتمدون على دخلها، وإنما تكون لهم موارد مادية أخرى.
أضف إلى ذلك العلاقة المتوترة بين الكتّاب والناشرين عموما، فالكتاب هم الحلقة الأضعف في ما يتعلق بعائدات التأليف والنشر، بل والأدهى والأمر أن الفئة العظمى من المشتغلين بالكتابة ينفقون على ما ينشرونه من جيوبهم مكتفين بلذة الكتابة والنشر، وأحيانا بما يحققونه من نجاح معنوي”.
يختم عبدالجليل الوزاني بالحديث عن مشروعه الروائي قائلا “مشروعي الروائي متكامل تلتحم فيه عناصر وموضوعات مرتبطة بالانتماء الجغرافي للشريط الساحلي المتوسطي الغربي، وما يتفرع عنه من ثيمات مرتبطة بالشأن المحلي التي تحتفي بالبعد الإنساني في بيئة عرفت فراغا مهولا في المعالجة الإبداعية باختلاف أجناسها، دون إهمال البعد الأدبي الفني المتعلق بالبحث عن صيغ جديدة في كتابة الرواية تحمل خصوصيات وبصمة ذاتية في خضم الكم الهائل من الإنتاجات الروائية التي يزخر بها العالم العربي” ، لافتا إلى أن هناك روايتين له تنتظران النشر، هما “أوراق من ملفات مؤجلة” وهي الحلقة الثالثة والأخيرة ضمن سلسلة “احتراق في زمن الصقيع” و”امرأة في الظل”، بالإضافة إلى رواية بعنوان “صهوة السراب”، فضلا عن شروعه في كتابة عمل سيري بعنوان “على هدى خطوات دارسة“.