ثقافة الفساد عميقة الجذور
تلتهم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية حياة أجيال بأكملها وهم أحياء في دول عدة، من دون أن تكون هنالك إجراءات صارمة تتخذ لمعالجة الأسباب الحقيقية، التي تجعل بعض البلدان، وخاصة العربية تغرق في الديون، وتعاني من انعدام الاستقرار والنزاعات الداخلية والحروب وتحديات الإرهاب وغيرها.
ويبدو أن الفساد يمثل أساس جميع المشاكل في مختلف بلدان العالم، لكن أوجه الفساد في المجتمع المغربي معقدة وغير مرئية وتستشري بعمق في الثقافة الاجتماعية، وأكبر بكثير مما يمكن للحكومة عدم الاعتراف به، والتغاضي عن محاربته ومحاسبة الفاسدين، سواء كبارا كانوا أو صغارا.
ووفقا للأمم المتحدة يعد الفساد “ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة، تؤثر على جميع البلدان، وتقوض المؤسسات الديمقراطية وتبطئ التنمية الاقتصادية، وتسهم في الاضطرابات الحكومية، وتضرب أيضا في أسس المؤسسات الديمقراطية، بتشويهها العمليات الانتخابية، مما يحرف سيادة القانون عن مقاصدها، ويؤدي إلى ظهور مستنقعات بيروقراطية لا بقاء لها إلا من خلال الرشى”.
وأشارت منظمة الشفافية الدولية في تقرير لها إلى أن أغلب الدول العربية تراجعت في مجال مكافحة الفساد رغم مرور سنوات على اندلاع ثورات ما عرف بالربيع العربي التي علق البعض عليها الآمال بأن تكون بداية التغيير في المنطقة.
وذكرت المنظمة أن 90 في المئة من هذه الدول حققت أقل من خمسين درجة، على مؤشر يبدأ من صفر للدول الأكثر فسادا إلى 100 وهي الدول الأكثر شفافية.
لكن ما درج عليه الناس منذ سنوات عدة هو رفع أصابع الاتهام باتجاه الحكومة ورجال السياسة باعتبارهم سبب كل فساد إداري أو مالي، إلا أن الحقيقة تقول إن الدور الذي يلعبه الأشخاص العاديون في هذه الظاهرة، هو دور محوري في الكثير من الأحيان.
فرغم أنه من المعيب جدا في الثقافات الاجتماعية أن يوصم الشخص بأنه مرتش أو راش أو فاسد، فإن استغلال العلاقات والاستفادة غير المشروعة من أصحاب النفوذ أو دفع رشاوى لقضاء مصلحة معينة، يعد واحدا من أكثر تجليات الفساد المبررة والمقبولة في معظم المجتمعات العربية.
وقد كشفت منظمة الشفافية العالمية أن قرابة ثلث سكان العالم العربي قد دفعوا رشى نظير الحصول على خدمة معينة في المؤسسات العامة.
ويبدو أن تكرار مثل هذه الممارسات داخل الأوساط الأسرية والاجتماعية قد جعلها تبدو وكأنها مباحة، فالناس يميلون في الغالب إلى تقييم الأفعال التي رأوها من قبل على أنها مقبولة عموما، بغض النظر عما إذا كانت كذلك أو لا، ويبدو أن السبب الوحيد هو أنها قد أصبحت مألوفة بالنسبة إليهم.
ويُظهر ذلك شيئا في غاية الأهمية يتعلق بالطريقة التي نقوم من خلالها بتحديث معتقداتنا. فممارسات الفساد باتت أكثر انتشارا، رغم أنها تتناقض مع المبادئ الاجتماعية والقيم الأخلاقية للناس، نتيجة تكرارها بين الناس، وهذا ما قد يؤثر على ما نؤمن به من قيم وما يمكن أن نورثه للأجيال القادمة.
لذا، رجاء فكروا مليا قبل أن تدفعوا رشوة، فشراء الذمم له ثمنه ومزاياه، ولكن تبعاته خطيرة على الأوطان والأجيال.
هل أبدو مثالي وأنا أدعو إلى ذلك؟ ربما! في مجتمعات عربية تهدر فيها الكرامات علنا في الشوارع، من سيحاسب الفاسدين؟
لكن مدونة القيم عندما تسود بين الناس لن يسمح للفاسدين بخرقها.