عدوى السترات الصفراء تنتقل شرقا
تنظر دول عربية متعددة بقلق لاحتجاجات فرنسا خوفا من انتقال عدوى “السترات الصفراء” بسرعة إليها، خاصة أنها مقبلة على شهر يناير الذي مثل في أعوام سابقة مناسبة لاحتجاجات اجتماعية كبيرة، مثلما حصل في 2011 وأدى إلى سقوط حكم حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس.
وبدأت مصر وتونس والأردن تتهيأ لموجة الاحتجاجات على الإصلاحات الاقتصادية المجحفة التي تقوم على تحميل المواطنين مسؤولية خطط التقشف الصعبة، في الوقت الذي تلقى فيه موجة الاحتجاجات الفرنسية تجاوبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تشكل مصدرا رئيسيا في بناء مواقف الأجيال الجديدة من الشبان، وهي المتضررة بشكل أكبر من الخيارات الاقتصادية.
وفرضت السلطات المصرية بشكل غير رسمي منذ أسبوع قيودا على بيع السترات الصفراء للأفراد خشية انتقال عدوى التظاهرات الفرنسية إلى مصر، بحسب العديد من التجار الذين يبيعونها في وسط القاهرة.
وتواترت جهود الحكومة المصرية لمنع استغلال زخم التظاهرات الفرنسية وتحفيز المواطنين للاحتجاج على القرارات الاقتصادية. وجاء الإعلان عن وقف أي زيادة مقبلة في أسعار الوقود ليصاحب سلسلة طويلة من الإجراءات الاحترازية، منها عدم بيع السترات الصفراء للعامة ومهاجمة وسائل الإعلام للتظاهرات.
وأكدت الحكومة المصرية في بيان صحافي، الاثنين، أن ما تداولته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بشأن إصدار رئيس مجلس الوزراء قرارات بشأن أسعار البنزين (الوقود) غير صحيحة جملة وتفصيلا، ولم تصدر قرارات بشأن أسعار بنزين 95 أو غيره وما نشر بهذا الشأن غير صحيح.
وشدد البيان على جميع وسائل الإعلام ومرتادي وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة التأكد من صحة الأخبار قبل نشرها، حتى لا تحدث بلبلة في المجتمع، داعيا المجلس الأعلى للإعلام إلى تطبيق القانون على هذه المخالفات التي تستهدف نشر الشائعات في أوساط الرأي العام.
ومثل الموقف الرسمي المصري حلقة ضمن سلسلة إجراءات أطلقتها وسائل إعلام تابعة للحكومة، وحاولت استباق محاولة المعارضة أو النشطاء على مواقع التواصل من استغلال أي تشابه محدود في الأجواء والدوافع الاقتصادية بين فرنسا ومصر للدعوة إلى احتجاجات شعبية.
محمد الحامدي: الظروف مواتية للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
وعملت الكثير من وسائل الإعلام المصرية على تشويه الحراك السياسي الفرنسي ووصفته بـ”الفوضى الراديكالية التي تستهدف كيان الدولة واستقرارها”، وأطلقت على التظاهرات صفة “التخريبية” لإبعاد الناس عن التأثر بها.
وظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، حضّت على الخروج في تظاهرات يرتدي فيها المحتجون السترات الصفراء إحياء للذكرى الثامنة الوشيكة لثورة 25 يناير، والتي يرى الكثير من النشطاء أنها خرجت تماما عن مسارها السياسي الاجتماعي الذي اندلعت من أجله، ويجب التصحيح.
وحملت الدعوة محاولة تحفيز رواد فيسبوك وتويتر باستخدام تعليقات منبثقة من الأحداث الفرنسية تحثّ على ضرورة استغلال الزخم العالمي لوقف مساعي الحكومة “غير العادلة” بدعوى الإصلاح الاقتصادي.
وقالت إحدى الدعوات “انزل وشارك واعترض بصوت عال.. متخليش (لا تجعل) اللي (الذي) بياكل (يأكل) كروسون أحسن من اللي بياكل طعمية”.
وقالت شيرين فهمي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة، إنه رغم صعوبة الوضع السياسي والاقتصادي في مصر، لكن المؤشرات العامة لا تنذر بوجود حراك سياسي فعلي يمكن أن يفضي إلى وضع مشابه لما تعيشه فرنسا أو بلجيكا من احتجاجات قوية.
وأوضحت فهمي أن مصر لم تشهد احتجاجا واحدا منذ حوالي أربع سنوات، بسبب صعود مخاوف عامة من القبضة الأمنية ووجود قانون مجحف يمنع التظاهر، ويضع مجموعة من الشروط الصعبة والمعقدة على تنظيم مظاهرة أو أي وسيلة للاعتراض، علاوة على غياب المناخ السياسي المساعد لتحفيز المصريين على المطالبة بحقوقهم أو الاعتراض على القرارات الحكومية المتعاقبة.
وفي تونس، نجحت دعوات إلى ارتداء سترات حمراء في موجة الاحتجاج على غلاء نالأسعار وزيادة الضرائب بشكل غير مدروس في خلق مناخ من التوتر المحفز على النزول إلى الشوارع والاحتجاج على إصلاحات حكومية يقول مراقبون إنها جاءت في خدمة الأغنياء وممثلي الشركات الدولية وإن ضحيتها هو المواطن.
ودعت نقابة أساتذة التعليم الثانوي اليوم إلى مسيرات شعبية في كبريات المدن احتجاجا على الوضع المادي الصعب للمدرسين. وينتظر أن تنضم إلى هذه الاحتجاجات فئات كثيرة من الشباب العاطلين عن العمل، فضلا عن المئات من الطلبة.
وطالبت النقابة الأساتذة والإداريين في المؤسسات التعليمية إلى الخروج في مسيرات غضب في الجهات انطلاقا من مقرات مديريات التعليم باتجاه مقرات السيادة. كما دعت إلى مسيرة بوسط العاصمة تنطلق من مقر النقابة المركزية نحو شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي.
ولئن قلل محمد الحامدي، القيادي في التيار الديمقراطي الذي حاز على المرتبة الثالثة في الانتخابات المحلية، من تأثير عدوى السترات الصفراء، لكنه قال إن الظروف مواتية للاحتجاج على خلفية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وحث الحامدي في تصريح على الاحتجاج ضد قانون المالية وعزا ذلك إلى أن الحكومة ونواب الأغلبية البرلمانية “أثبتوا أنهم نواب اللوبيات المالية وليسوا نواب الشعب التونسي”.
من جهته، اعتبر أنيس معزون عضو حركة نداء تونس، في تصريح أن دعوات “السترات الحمراء” تدعمها مواقع اجتماعية غير مؤثرة، مستبعدا أن تنقل التجربة الفرنسية إلى تونس رغم الأوضاع الاجتماعية الصعبة.
وفي الأردن، يتجه محتجون أردنيون إلى اتخاذ “الشماغ الأحمر” رمزا لاحتجاجاتهم، ضد النهج الحكومي والسياسات الاقتصادية، مستلهمين فكرة “السترات الصفراء” في فرنسا، وذلك استجابة لدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجا على قانون “ضريبة الدخل” المعدل، بعد إقراره من قبل البرلمان بغرفتيه.
وشهد الأردن نهاية الأسبوع الماضي، احتجاجات شعبية بالعاصمة عمان، طالبت برحيل حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز، وحل البرلمان.
وأثار مشروع القانون قبل التعديل، في مايو الماضي، موجة احتجاجات عارمة في البلاد، استمرت لنحو 8 أيام متتالية على مقربة من مقر الحكومة بوسط العاصمة، دفعت رئيس الحكومة السابق هاني الملقي إلى تقديم استقالته، وتكليف عمر الرزاز خلفا له.