‎أوقفوا الحرب على الهجرة  ‎نعم لميثاق عالمي يحمي الحقوق الإنسانية للمهاجرين

في 10 و11 دجنبر 2018، رؤساء الدول والحكومات مدعون بإشراف من الأمم المتحدة للتوقيع بمراكش على «الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة، والمنظمة والنظامية». آمال كبيرة عقدت على قدرات الأمم المتحدة لوضع معايير حمائية دولية لحقوق المهاجرين/ات ولتعزيز حرية التنقل.

هذا الميثاق يثير ردودا مختلفة وفي اتجاهين متعاكسين. فبعض منظمات المجتمع المدني تعتبره النص حمائيا بينما البعض الآخر يرفضه بشكل قطعي ويقدمون نقدا لنص الميثاق، مسجلين عليه ليس فقط قلة الطموح بل أنه يمثل تراجعا عن الحقوق الحالية. وبعض الحكومات الأوروبية التي تهيمن عليها تشكيلات قومية، شعبوية أو معادية للأجانب ترى في الميثاق مسا بسيادتها. فعدة دول من الاتحاد الأوروبي تعارض استقبال اللاجئين، مثل هنغاريا، بولونيا، النمسا أو التشيك، الذين أعلنوا رفضهم للميثاق. هذه البلدان تسيرها أحزاب هي في حرب مفتوحة على الهجرات وترى في الميثاق إمكانية لإعادة النظر في السياسات التي تنهجها الموغلة في التقييد وإغلاق الحدود. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فدونالد ترامب يرتكن إلى رفض كل مقاربة مبنية على التعددية ويعلن منذ زمان رفضه للميثاق. 

بالإضافة إلى تسجيل عدم توقيع أغلبية الدول الأوروبية على اتفاقيات منظمة العمل الدولية والإتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، فإن المجتمع الدولي يفتقر إلى إطار قانوني خاص يأخذ بعين الإعتبار قضية الهجرات. والمصادقة على الميثاق العالمي كان من المفروض أن تسد هذا الفراغ. في حين أن التوافق الحاصل في المفاوضات يتجه لوضع آلية غير إلزامية تتماشى ومصالح الدول الصناعية ذات الدخل المرتفع والتي تتجاهل حاجيات المهاجرين/ات القادمين/ات من دول الجنوب الأقل تقدما.

ورغم وعينا وكوننا مع ضرورة إقامة إطار قانوني دولي يضمن ويحمي حقوق المهاجرين/ات، فإننا لا نعتقد أن نص الميثاق يشكل جوابا في مستوى متطلبات حماية المهاجرين/ات في العالم. فالنص المقترح مطبوع بشكل كبير بالمصالح والمقاربات الأوروبية والأمريكية الشمالية في مجال الهجرات. 

فهل يمثل الإتفاق العالمي قانونا دوليا لحرية التنقل؟ وهل يمكن من حماية فعالة لحماية المهاجرين/ات كما هو حال الإتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم؟ وهل سيمكن من تجنب تزايد مقابر المهاجرين الذين يموتون على حدودنا؟ وهل سيقضي نهائيا على اعتقال المهاجرين/ات ومراكز الإحتجاز؟ هل سيمكن من إعادة النظر في السياسات والقوانين التي تجرم المهاجرين/ات؟ هل سيجنب نهب الثروات البشرية والمادية للبلدان الفقيرة واللجوء إلى الهجرة المنتقاة؟ هل سيتجه إلى أبعد من النوايا الحسنة في مجال التنمية عبر وضع أهداف قابلة للقياس وآليات لتقييم المساعدات؟ هل سيتجنب منطق المراقبة والتتبع وبالأخص تجميع وتخزين المعطيات البيومترية للمهاجرين/ات بما فيها قاعدة البيانات المشتركة والموحدة؟ 

جوابنا على كل هذه الأسئلة هو قطعا بالنفي!

في النهاية يبقى هذا الاتفاق العالمي مجرد اتفاق غير ملزم تمت مناقشته على مستوى الحكومات في ظل ظروف تتسم بالنزاعات وغياب التضامن بين دول صامتة بشكل خاص بسبب هواجس مراقبة أمنية. إنه اتفاق لا يواجه منطق سياسات الحد من الهجرة، البعيدة عن تقليص عدد المهاجرين الوافدين، والتي تساهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذه السياسات مكلفة على المستوى الإنساني وتشجع إستراتيجيات أكثر تعقيدا وخطيرة للإجتياز غير القانوني للحدود. فهي توفر عشا للشبكات المافيوزية وتضيف مشاكل أمنية جديدة في مناطق تعرف هشاشة كبيرة بفعل نزاعات ذات أسباب متعددة.

يهدف الميثاق إلى وضع لأول مرة إطارا متكاملا من أجل حكامة عالمية للهجرات الدولية . كما هو منصوص عليه في نسخته النهائية، ويسعى إلى حد أدنى من التوافق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، والذي يضمن في المقام الأول حرية مواصلة التدبير الأمني للحدود. إلا أن نص هذا الميثاق في الواقع لا يساهم في التأكيد على حرية التنقل كحق غير قابل للتصرف كما تنص عليه المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بل بالعكس يمكن أن يشرعن ويبرر التراجعات على مستوى حقوق المهاجرين/ات عوض المساهمة في حكامة تحترم الحقوق الإنسانية للمهاجرين/ات. 

وبحكم أنه لا يمنع، فيمكن أن يستعمل لتبرير سياسات إبعاد وتجريم المهاجرين/ات وتشكيل إطار لرغبات دول الشمال في تعزيز الهجرة المنتقاة، التي تفرغ دول الجنوب من طاقاتها، ويمأسس للهجرة الممكن التخلص منها.

معاً، ندعو لمقاومة تجريم المهاجرين واللاجئين!

معا،  لنعبئ ونعمل للدفاع عن حقوق الإنسان لجميع المهاجرين واللاجئين وتعزيز التضامن عبر الوطني.

مراكش في 10 دجنبر 2018

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: