حكيم بنشماس سياسي مغربي يضع نصب عينيه فضح مشروع الظلاميين
يجمع بين التنظير السياسي والتطبيق العملي، فهو أستاذ جامعي في العلوم السياسية وسبق له ترأس محافظة يعقوب المنصور في الرباط، الأكبر في المغرب. دخل إلى الغرفة الثانية في البرلمان بعد انتمائه لحزب الأصالة والمعاصرة، ليجري تنصيبه على رأس مجلس المستشارين، وأعيد انتخابه مرة ثانية في أكتوبر 2018 بعدما فاز على منافسه الوحيد نبيل الشيخي عن حزب العدالة والتنمية بفارق كبير، وهو الآن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة.
حكيم بنشماس القادم من شمال المغرب بدموع المعاناة وآمال المستقبل، يصف طفولته بالقاسية، فقد تعرّف مبكرا على أبجديات العمل النضالي، بعدما شهد اعتقال والده وأخاه الأكبر بين عامي 1958 و1959. وذاق، وهو لا يزال فتيّا، رطوبة السجن وحرارته في العام 1984 كتجربة مؤلمة، خاض فيها إضرابا عن الطعام من أجل الدفاع عن الحق في الدراسة.
كان بنشماس يقطع المسافة بين مكان سكنه في الريف والمدرسة مشيا على الأقدام، قبل أن يكَبُرَ ويلتحق بالحسيمة، كأول عهد له بالمدنية، وقبل أن ينضم في الجامعة إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ضمن فصائل يسارية متطرفة، كان من المؤسسين للشبيبة الاتحادية في الحسيمة.
مشاركته في إنقاذ ضحايا زلزال مدينة الحسيمة في شهر فبراير سنة 2004، فتّحت عينيه على العمل السياسي بقواعد واقعية وممارسة على أرض الواقع إلى جانب من يقتسمون معه مبادئه التي تربى عليها في المدرسة اليسارية، وأن مقاطعته لا تخدم سوى رموز وقوى الفساد.
لقد أعجب بنشماس وهو المعتقل السابق بهيئة “الإنصاف والمصالحة” التي أسست في يناير من العام 2004 والتي أطلقها الملك محمد السادس وحازت اهتماما وزخما محليا ودوليا، كان الهدف منها طي صفحة ما يعرف بسنوات الرصاص، وبعد سنوات من المعارضة والنضال اقتنع بأن العمل السياسي والمجتمع المدني هو الأسلوب الواقعي والأسلم لبناء مؤسسات الدولة والمضي قدما في مسار المسلسل الديمقراطي الحداثي كما يرى.
تجربة “الإنصاف والمصالحة” تعد الأرضية التي قرّبت بنشماس بشكل مباشر من أبعاد وقضايا الملفات التي اشتغلت عليها الهيئة، باعتباره كان واحدا من ضحايا الاعتقال التعسفي لمدة ثلاث سنوات ووالده أيضا تعرض لعذاب شديد واعتقال تعسفي لما يزيد عن خمس سنوات، لكنه يعترف بأن ما عشناه قليل جدا بالمقارنة مع معاناة الآخرين، الذين يرجع إليهم الفضل في ما وصل إليه المغرب اليوم، وما قطعه من خطوات على درب الديمقراطية وحقوق الإنسان.
رهانان صعبان
قبل مساهمته في تأسيس حزب “الأصالة والمعاصرة” كانت الخطوة الأولى الانضمام إلى مشروع “حركة لكل الديمقراطيين”، وهي حركة ضمت مجموعة من التقدميين واليساريين لتحقيق المشروع الحداثي بالمغرب، وعرفت العديد من الانتقادات والشكوك، ومن أجل إثراء ودعم المشروع الديمقراطي الحداثي انخرط في التجربة السياسية رغم المراوغة والنفاق، كما يقول بنشماس.
يمر بنشماس هذه الأيام بتداعيات أزمة تمرّد داخل حزبه “الأصالة والمعاصرة”، فهل ستكون هذه الأزمة بداية تفكك مشروع حزب كان دائما يقف ضد الإسلام السياسي؟ أم أن الرجل سيستعمل كافة أسلحته التنظيمية لإعادة تشكيل هذا التنظيم؟ سؤال يقضّ مضجع بنشماس الذي يجمع بين الرئاستين، حزب الأصالة والمعاصرة ومجلس المستشارين، سيكون أمامه رهانان؛ الأول كيف يضبط المعارضة داخل الحزب وتحقيق ما وعد به، والثاني كيف سيدبّر المرحلة الفاصلة بين 2018 و2021 وقت إجراء الانتخابات والانتصار لمشروعه الحداثي مقابل مشروع الإسلام السياسي.
خصوم “الأصالة والمعاصرة” يقولون إنه حزب الملك، على اعتبار أن أحد مؤسسيه الأوائل مستشار في القصر، وهذا ما ينفيه بنشماس ويقول إنه كلام لا أساس منطقيا يدعمه، فالملك وفي كل خطاباته يتبنى ويدعم هذا المشروع. ويضيف بنشماس “لقد أطلق الملك الكثير من الديناميات في السنوات العشر الأخيرة تنحو نحو ترسيخ الخيار الديمقراطي الحداثي”، وتأسيس الحزب جاء لاعتبارات يراها بنشماس موضوعية تتوخى دعم المشروع الحداثي والديمقراطي استشعرها عدد من الكفاءات التي انحدرت من مشارب سياسية متنوعة بقواسم مشتركة.
حداثي في مواجهة الإسلام السياسي
مواجهة التيار الظلامي والأمراض التي أصيب بها اليسار تعدان من بين أسباب تأسيس “الأصالة والمعاصرة”، كما يؤكد بنشماس، وهو من المساهمين في صياغة الأدبيات والوثائق التي تشكل الإطار المرجعي للحزب، ولذلك يقول “إنه وبالرغم من الصعوبات، فأنا الآن مرتاح للمشروع المهم للمغاربة غير المشدودين للماضي وأسئلة الشرعية التاريخية”.
في برنامجه الانتخابي شدّد أمام أعضاء الحزب على أن هدفه هو تقديم مساهمة متواضعة إلى جانب أطراف ومؤسسات أخرى داخل المشهد السياسي، من أجل كسب الرهانات المطروحة على بلادنا وإنجاح الوِرَش، التي لا يزال جزء منها يراوح مكانه أو يسير بوتيرة بطيئة جدا.
تجربة هيئة “الإنصاف والمصالحة” تعد الأرضية التي قربت بنشماس بشكل مباشر من أبعاد وقضايا الملفات التي اشتغلت عليها الهيئة، باعتباره كان واحدا من ضحايا الاعتقال التعسفي لمدة ثلاث سنوات ووالده أيضا تعرض لعذاب شديد واعتقال تعسفي لما يزيد عن خمس سنوات
ويعترف بنشماس، بعد عشر سنوات من التأسيس، بأعطاب حزبه التنظيمية ومعالجتها أضحت من الأولويات، دون إغفال الإنجازات التي حققها “الأصالة والمعاصرة” خلال السنوات الماضية والتي جعلته ثاني قوة سياسية في المغرب.
هو يدافع عن تصوره لموقعه كحزب معارض، ويريد ممارسة معارضة بناءة تُنهي مع عقدة عدم التنويه بالحكومة في حال حققت مكتسبات جديدة، ولا يريد أن يكرر ما كان في السابق، بالتركيز على القضايا الجوهرية والمهمة، لكن مع وجود تيار معارض قوي داخل حزبه يصعب تحقيق برنامجه خصوصا مع اقتراب الانتخابات وبروز قوى أخرى مناوئة تريد التفرّد بالساحة السياسية.
ولضبط أي خط معارض داخل الحزب، يعتقد بنشماس بضرورة إعادة تعريف مفهوم المسؤولية الحزبية، وعلى المناضلين أن يعيدوا ضبط هذا المفهوم، لأن المسؤولية ستكون لاحقا مطوّقة بدفتر تحمّلات في إطار مبدأ المحاسبة، وهذا الأمر سيكون أهم القواعد والمبادئ التي تتأسس عليها خارطة الحزب للمرحلة المقبلة.
الاستفزاز الإيجابي
مع ذلك الضغط داخل الحزب والتحديات الخارجية المتنوعة يطرح سؤال هل ما يزال بنشماس يستحضر الإرهاصات الأولى لتأسيس “الأصالة والمعاصرة” من رحم حركة لكل الديمقراطيين، بعدما قال آنذاك “إن المشهد السياسي كان يمر بحالة عوز كبير، وكان لا بد من أن نتحمل مسؤوليتنا في محاولة ممارسة نوع من الاستفزاز الإيجابي تجاه حوالي 70 بالمئة من أبناء هذه الأمة الذين فقدوا الثقة في نبل العمل السياسي”. الجواب يكمن في سلوك الرجل وإصراره على استكمال دورته السياسية الطبيعية بين التوهج والأفول وأن يتمّ حزبه مشروعه الحداثي ضد المشروع الظلامي.
علاقة بنشماس بالإسلاميين ليست على ما يرام، حيث تطغى خلفيته اليسارية ودفاعه عن الحداثة والديمقراطية والتقدم على مجمل خطاباته وتصريحاته التي يؤكد من خلالها أنه ترأس الحزب كي يكون بديلا عن الخطاب الشعبوي، وللوقوف ضد من يريد إقحام الدين في الحياة السياسية.
ويتساءل بنشماس “لماذا ينزعج قياديو حزب العدالة والتنمية من تصريحاتي”، ومادام أن الدين الإسلامي مرجعية الكل في المغرب ومشترك بين مواطني المملكة، فهو يطالب باستمرار العدالة والتنمية توضيح هل هو حزب وطني أم حزب الإسلام السياسي؟
يشتكي بنشماس من أن خصومه ومن لا يفهمون مغازي كلامه يقفون دوما عند “ويل للمصلين” عند تأويل سلوكه السياسي، فهو الآن منخرط في التصدي للفقر والتهميش والبطالة واللاعدالة، وعكس سلفه إلياس العماري الذي قاد الحزب قبله، فإن يد الأمين العام الجديد ممدودة للجميع ولن يكون البديل إذا هو استنسخ نفس الخطاب الشعبوي التسفيهي، فمهمته أفعال لا أقوال، ولا بد من النهوض بالفعل الديمقراطي لمناهضة كل من يريد إقحام الدين في السياسة.
ويكمن هدف أي حزب سياسي في تصدر الانتخابات وتبوّء المقدمة وقيادة الحكومة، لكن يبدو أن بنشماس غير مستعجل فهو يتمنى أن تستكمل الحكومة الحالية مهمتها، والمغزى هو كي لا يتحول عدم استمرارها كمشجب تعلق عليه فشلها وذريعة لتصدير عجزها المزمن وإلصاقه بجهات خارجة عنها كما عهدتنا بذلك في أكثر من مناسبة. هذه هي نظريته، وهناك من يورد عكسها بالقول إن “الأصالة والمعاصرة” في ظل الظروف التي يمر بها غير قادر على مواجهة “العدالة والتنمية” في هذه الآونة ويريد زعيمه الحالي أن يكون واقعيا حتى لا تتكرر تجربة الفشل في انتخابات المحلية 2015 والتشريعية 2016 حيث احتل المرتبة الثانية.
عكس ما تردده الحكومة وبنظرة المعارض يرفع بنشماس ريشته ليرسم صورة باللون الأسود ضد ما أسماه الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة، يقول إنه زرع أراضي عريضة من الوعود دون أن تكون الحصيلة طيلة السبع سنوات سوى أكاذيب ومشاكل بالعالم القروي والحضري وبطالة وبؤس، وإغراق البلاد بالديون. يقول إنه نبّه بن كيران عندما كان يقود الحكومة السابقة إلى هذه الوضعية التي لا تسرّ، لكن لم يستمع إليه. وبلغة المعارض يوضح بنشماس أنه لم يعد الحديث يهم مشاكل العالم القروي وأحزمة البؤس المنتشرة، بل إن الأخطار تمتد إلى ما هو أعمق وأكبر بإقرار المؤسسات الدستورية، فتقارير المجلس الأعلى للحسابات تتضمن ما مفاده أن الحكومة أغرقت البلاد في الديون.
ويتهم بنشماس الحكومة بأنها لم تستغل فرص التطور في مجالات متعددة والتي لاحت كفرص تاريخية منحت لبلادنا عنوانها الأبرز إطلاق ورشات إصلاحية كثيرة ومتنوعة، وتسجيل إقلاع حضاري قوي يشكل مدخلا نحو تحقيق القفزة إلى الأمام، ووصل إلى قناعة بأن المغاربة تعبوا من التشخيص وسماع نفس الكلام. فالحكومة ليست مقنعة وتراوح مكانها، بدليل أنها تعيش تناقضات كبيرة بين مكوناتها، الأمر الذي يجعلها عاجزة عن الإصغاء لنبض المجتمع.
من أين لك هذا؟
ما يمر به بنشماس ينعكس بالضرورة على إعلامه الذي يمر هو أيضا بأزمة تواصل بعدما أقفلت صحيفة “آخر ساعة” التابعة له، كما وصلت علاقته بالإعلام إلى ردهات المحاكم، ولكنه يقول إنه ليس ضد حرية الرأي والتعبير والطرف المقابل يدافع عن حقه في المعلومة. فحتى يقف أمام من يتهمونه بالكسب غير المشروع قرر بنشماس، مقاضاة صحافيين ومواقع إخبارية إلكترونية، على خلفية التشكيك في ذمته المالية، محتجا على ما قال إنها حملة تحاول إظهاره للرأي العام كمجرم متلهّف إلى نهب المال العام والإثراء المفاجئ بعد الضجة التي تلت اقتناءه فيلا في أحد أحياء العاصمة الرباط، في العام 2017، فقد تساءل البعض عن مصدر تلك الأموال، والرجل راتبه كأستاذ جامعي لا يمكن أن يوفر له تلك الإمكانية، حينها تعالت الأصوات داخل حزب “الأصالة والمعاصرة”، مطالبة إياه بتوضيحات حول ما راج من أخبار.
هناك من يصف بنشماس برجل تواصل بامتياز، رصين وجدي حازم، وأيضا يتمتع بطيبة عالية ويجيب عن أسئلة الصحافيين، لكن الكثير من أبناء الجسم الإعلامي لا يتفقون مع طريقته في التعامل التي يصفونها بالاستعلائية، ويدافع عنه آخرون بأن مسؤولية المنصب كرئيس مجلس المستشارين تفرض عليه نوعا من التحفظ.